لماذا لم يراهن سعدان على الشباب؟ كان ذلك أحد الأسئلة والانتقادات الكثيرة التي وُجّهت للناخب الوطني بعد خروج الفريق الوطني من الدور الأوّل لنهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا. إنه السؤال الأساسي والجوهري الذي ينبغي تعميم طرحه على بقيّة المجالات، إن كنّا نرغب فعلا في تأهّل الجزائر إلى أدوار متقدّمة.. بعيدا عن المونديال. هي قصّة نجاح جزائرية أخرى في الضفّة الأخرى لشاب رأى النور قبل عشرين عاما في حيّ فرنسي يُسمّى "أوروبا". بدأ مداعبة كرة القدم في العاشرة من عمره، ووقّع أوّل عقد احتراف له مع نادي سوشو الفرنسي قبل عامين. وكان قريبا من الانضمام لأحد أكبر الفرق في العالم "مانشتر يونايتد" لولا أن عائلته عارضت ذلك بسبب صغر سنّه، كما كان على وشك الالتحاق بمنتخب "الديكة"، لكنّه انحاز لجزائريته وفضّل، بحماس منقطع النظير، "الخضر" الذين احتفل بتأهّلهم إلى المونديال مع أصدقائه في شوارع مدينته "كولمار" إلى الساعات الأولى من الصباح في الخريف الماضي. في الدور ربع النهائي من كأس فرنسا في مارس الماضي، سجّل هذا الشاب، الذي تنحدر أصوله من بلدية الشحنة بجيجل، هدفا رائعا ضد موناكو على بعد 45 مترا، أمام أنظار رابح سعدان الذي استدعاه للدورة التدريبية في كرانس مونتانا. تحقّق الحلم إذن، وانضمّ رياض بودبّوز إلى المنتخب الوطني. أبلى بلاء حسنا في أوّل ظهور له مع "الخضر" في المباراة الوديّة أمام إيرلندا، وفعل الشيء ذاته في المباراة التاريخية ضدّ إنجلترا، لكن ذلك الحماس انقلب حسرة وخيبة عريضتين، وهو يجد نفسه مركونا في كرسي الاحتياط في المباراة الأخيرة للجزائر أمام المنتخب الأمريكي، والتي انتهت بفوز هذا الأخير بهدف يتيم في الدقائق الأخيرة من المباراة، وخروج البلد الأمّ من الدور الأوّل من مونديال 2010. دعونا من كرة القدم.. لا أريد الخوض في هذا الموضوع الذي استغرقنا طيلة أزيد من عام لم نكتف خلاله بكوننا أنصارا أوفياء لمنتخبنا الوطني الذي أخرجنا إلى الشارع عبر مدن وشوارع وقرى ومداشر هذا الوطن في مشاهد فرحة عارمة قيل إنّها شبيهة بفرحة الاستقلال، بل أصبحنا جميعا معلّقين ومحلّلين رياضيين ومدرّبين. لذلك، فإنني لا أنظر إلى إقحام رفيق صايفي وعبد القادر غزال في مباراة أمريكا والاحتفاظ بجمال عبدون ورياض بودبّوز في الاحتياط من حيث كونه خيارا تكتيكيا خاطئا أضاع علينا فرص هزّ الشباك الأمريكية، وإنّما من حيث كونه إصرارا على مواصلة الرهان على جيل لم يعد بإمكانه تقديم شيء، وركن الأجيال الصاعدة والواعدة في الاحتياط - الهامش - وينسحب الحكم بالضرورة على مختلف مناحي حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. رياض بودبّوز، صاحب المؤهّلات الكبيرة والفنيات العالية، ومنذ إطلالته الأولى مع المنتخب الوطني في مباراته الوديّة أمام إيرلندا، بات رمزا لجيل الشباب الطموح الذي يبحث عن موطئ قدم له بين هذه الديناصورات التي تأبى الانقراض؛ فبين كلّ نجوم "الخضر" حظي رياض باهتمام الشارع الجزائري الذي أبدى إعجابا شديدا به، ليس فقط بالنظر إلى مستواه الرياضي العالي، ولكن بسبب سنّه أيضا، فوجود شاب في العشرين من العمر ضمن صفوف منتخب مونديالي، هو بمثابة قدوة لملايين الشباب الذين يرون فيه أنفسهم، أحلامهم وطموحاتهم.. ومحفّز قويّ لهم للإصرار على النجاح، في الرياضة أو في غيرها من المجالات. وتماما كما مثّل بودبّوز أمل جيل، فقد انسحبت حسرته وخيبته العريضتان على هذا الجيل بأكمله؛ فبعد نهاية مباراة الجزائر - أمريكا وخروجنا من المنافسة، كان الإحباط "يسركل" في الشارع بقدمين، وكان الجميع يردّد عبارة واحدة: "وعلاش ما دخّلش بودبّوز؟". صحيح أن هؤلاء كانوا يأملون في الذهاب بعيدا بعد الوجه المشرّف الذي ظهر به محاربو الصحراء أمام الإنجليز، لكنّهم حتما لم يطالبوا بالمستحيل، خصوصا وهم يرون فرقا عريقة وصاحبة لقب تغادر باكرا، كالفريق الفرنسي والإنجليزي والإيطالي، لكن هذه الحسرة كانت منبعثة من إيمانهم بأنّه كان بالإمكان فعل شيء لو مُنحت الفرصة للشباب، عوض الاعتماد على غزال الذي لم يسجّل هدفا واحدا منذ زمن طويل، ورفيق صايفي الذي يحمل لقب أكبر لاعب في مونديال 2010. صايفي ليس طاعنا في السنّ بالتأكيد، ولكنّه كهل بالمعايير الرياضية. لذلك، فإن هؤلاء يرون فيه رمزا لهذا الجيل الذي قدّم ما استطاع تقديمه في مرحلته، وعليه الانصراف الآن بشرف، ليترك فرصة للأجيال القادمة. كم من أمثال صايفي في حياتنا عليهم الانسحاب ليتركوا فرصة للأجيال القادمة؟ لا نحتاج هنا إلى التذكير بأنّ برلماننا الذي يمثّل مجتمعا غالبيته الساحقة من الشباب يحتلّه شيوخ (أكبر معدّل لعمر البرلمانيين منذ الاستقلال)، وأن معظم رجالات دولتنا قانونيا هم في سنّ التقاعد، ورغم ذلك فهم يحتلّون مناصبهم ولا يغادرونها إلا إلى القبر، بمسمّيات مختلفة.. إلى متى سيستمرّ منطق الشرعية الثورية و"السوسيال" على حساب الكفاءة؟ وكم نهدر من طاقات بهذا المنطق الأعوج؟ بإمكان الشباب أن يحدثوا المعجزة لو مُنحت لهم الفرص. لكن المشكلة هي أن هذه الفرص لا تأتي وقطار العمر يمضي.. في 2014 سيكون رياض بودبّوز المتحسّر، الذي فضّل بلده الأم على بلد المنشإ فرنسا في الرابعة والعشرين من عمره. وبالتأكيد، فإن أحدا لن يضمن أنّنا سنكون حاضرين خلال هذه السنة في مونديال البرازيل.