عمار خبابة: “عدم حماية الإطارات النزهاء ينجر عنه بروز قانون الصمت والخوف” الحديث عن الفساد المالي والإداري يسوقنا بالضرورة للحديث عن الفساد الأخلاقي وفساد الضمير المهني، وهذا من باب أن مفهوم الفساد يعني تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة، والحديث عن مكافحة الفساد يسبقه أيضا الحديث عن آليات الوقاية منه، وهذا على أساس أن الوقاية خير من ألف علاج. أحد شروط الوقاية يكمن في حماية المرؤوسين من الإطارات النزهاء الذين يرفضون الخضوع لضغوط مغريات الواقع، أو لنزوات وهفوات رؤسائهم، وأن يكونوا طرفا في سلسة إساءة استعمال السلطة أو استغلال النفوذ قصد الكسب غير المشروع، وحمايتهم من كل المشاكل والممارسات الإدارية وحتى القضائية عوض جعلهم يدفعون ثمن عدم انصياعهم للأوامر الفوقية المشجعة على تجاوز القانون، والتي كثيرا ما تكون مبنية على تقارير مغالطة. والوقاية تكمن في التحرك باتجاه منع كل محاولة للضغط على الإطار النزيه من خلال فتح تحقيقات إدارية وحتى قضائية في المراسلات الموقعة من أصحابها والوقوف على حقيقة المعطيات الموجودة بها، وليس تركهم يتخبطون لوحدهم في المشاكل ليضحوا عبرة سيئة لمصير كل إطار نزيه، ولعل أكبر مثال يفرض نفسه علينا هو حملة ما سمي حينها بالأيدي النظيفة التي راح ضحيتها خيرة الإطارات والمسؤولين وزج بهم في السجون، لتبرئهم العدالة فيما بعد. وهو ما ذهب إليه المحامي، عمار خبابة، في لقاء مع “لفجر”، حيث أكد أن غياب الشفافية والإرادة في معالجة ملفات الإطارات النزيهة، سيمنع كل شخص يريد التبليغ عن التجاوزات من العدول عن مبادئه، المستمدة من قانون مكافحة الفساد الذي يعاقب بجنحة عدم الإبلاغ كل شخص لم يبلغ عن الجرائم “من ستة أشهر إلى 5 سنوات، وكل شخص يعلم بحكم مهنته ووظيفته الدائمة أو المؤقتة بوقوع جريمة أو أكثر من جرائم، ولم يبلغ عنها السلطات العمومية المختصة في الوقت الملائم بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات”. وأضاف الأستاذ خبابة أن عدم التعاطي بجدية مع ملفات كل إطار نزيه رفض الانصياع للأوامر الفوقية لمسؤوليه، وحمايته من دفع ثمن تصفية الحسابات، ستعوضه قوانين “الخوف”، “الصمت”،”لأنانية”، و”حب الذات”، وأكد أن الإطار الكفء الذي يذهب ضحية تصفية الحسابات، إذا أحس بعدم إنصافه أو وجوده في موقع غبن عليه الاتصال بالجهات التي تتعاون معها الجزائر في المجال الدولي لمكافحة الفساد والرشوة. وفي هذا السياق، نورد عينات تتحدث عن نفسها وعن مصيرها بعد أن رفضت الإنصياع للأوامر. مدير القطاع الصحي لبولوغين يرفض صياغة مشروع قانون الصحة على مقاس الوزير المنتسبون لقطاع الصحة يعرفون جيدا قضية المدير الأسبق للقطاع الصحي لبولوغين، فهذا الإطار المتحصل على ماجستير من المدرسة العليا للإدراة تخصص الصحة، تمت إقالته من منصب عمله سنة 2004 قبل أن يلحق ذلك بإيداع شكوى ضده. وأرجع المتتبعون لملف هذا الإطار، الذي كان في الوقت ذاته قياديا في النقابة الوطنية لمسيري الصحة، أمر تخبطه في المشاكل إلى عدة أسباب، أولها معارضته بصفته نقابيا لمشروع قانون الصحة المعروض من قبل وزير الصحة سنة 2003، قبل أن يتهم بعرقلة سياسة مشروع إصلاح الصحة بسبب تأكيداته من منبر المجلس الاستشاري للإصلاحات أن هذا المشروع لا يخدم الجزائر ولا المواطن، بل يخدم عينة فقط من المواطنين وفئة قليلة جدا من مستخدمي الصحة ممثلين في الموظفين الاستشفائيين الجامعيين فقط. وأسفرت هذه المعارضة التي اتسعت فيما بعد عن رفض الحكومة للمشروع التمهيدي والمطالبة بإعادة صياغته من جديد، الأمر الذي دفع بوزارة الصحة آنذاك للاستنجاد بمسيري الصحة العمومية، الممثلة في مدير المدرسة الوطنية للصحة العمومية، ومدير الأسبق للقطاع الصحي لبولوغين، حيث طالب الوزير من هذا الأخير عدم إغفال البند المتعلق بالنشاط التكميلي داخل المستشفيات العمومية، وهي النقطة التي كانت محل رفض هذا النقابي. كما رفض تطبيق الأوامر الشفهية الصادرة عن رئيس ديوان وزير الصحة “م.ع”، ومدير الإدارة “د.ص”، كونها لم تصحب بأوامر كتابية، حيث طلبا منه شراء سيارتين من نوع “بيجو” من ميزانية القطاع، وإرسالهما لوزارة الصحة، كما تمت مطالبته بعد مرور أشهر بالتعامل مع مؤسسات مختصة في المعدات الطبية وأجهزة كمبيوتر، وهي مؤسسات معروفة بقربها من وزير الصحة، حيث أن صاحب مؤسسة الأشغال العمومية، هو قريب لمدير أحد مستشفيات العاصمة، يعد الصديق الحميم لوزير الصحة آنذاك. وثالثا رفضه الخضوع للمساومات التي لقيها من قبل المديرة التي خلفته على رأس القطاع بعد إقالته، حيث طالبته بالتنازل عن الشقة التي باعها لها دون أن تكمل له بقية المستحقات، وهذا مقابل التنازل عن الشكوى التي قرر الوزير إيداعها ضده. ورغم علم وزير الصحة آنذاك بهذه التجاوزات بناء على مراسلات رفعها له هذا الإطار، تحوز “الفجر” على نسخ منها، أمر بإيداع الشكوى ضده وضد 22 شخصا، أغلبهم موظفون بذات القطاع، قبل أن تبرئهم العدالة جميعهم، في حين تمت تبرئته من تهمة اختلاس وتبديد أموال عمومية، وإدانته بخمس سنوات عن جنحة التعدي على الملكية العقارية والانحراف في تسيير الميزانية. وزير الصحة ختم مشواره بإصدار الدولة صيف 2008 قرارا بمنع الإطار من ممارسة مهنة الطب مدى الحياة في القطاع العمومي، بسبب الوقوف على تجاوزات حصلت عندما كان رئيسا لمصلحة أمراض القلب بمستشفى بارني. جدير بالذكر أن المسير النقابي السابق رفع مراسلة مصحوبة بوثائق تدعم صحة إدعاءاته، إلى النائب العام لمجلس قضاء الجزائر، ولا يزال الملف يراوح مكانه. مدير “أوبيجيي” يجد نفسه متهما لرفضه مخالفة قرار توزيع السكنات من وزارة الصحة، إلى وزارة السكن، وبالضبط إلى سنة 2001، أمر وزير السكن آنذاك بإيداع شكوى ضد المدير الأسبق لديوان الترقية والتسيير العقاري لبئر مراد رايس، على أساس تبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ، قبل أن تبرئه العدالة سنة 2007، وحسب العارفين بخلفية الموضوع فإن هذا الإطار البريء، خريج المدرسة الوطنية للإدارة، وجد نفسه متهما لكونه رفض الانصياع للأوامر الشفهية الصادرة عن وزير السكن، محرك الشكوى، تقضي باستفادته من تخصيص جزء من السكنات التي أنجزها ديوان الترقية والتسيير العقاري لبئرمراد رايس بحي 106 مسكن بسعيد حمدين، المتواجدة بمحاذاة وكالة “عدل” والممولة من طرف الصندوق السعودي. وأسس رفض المدير على أمرين، الأول كون الأوامر شفهية وليست مكتوبة، وثانيا لكون هذه السكنات لم تعد مسألة توزيعها من صلاحيات وزارة السكن، بعدما تنازلت عنها لصالح ولاية الجزائر، وبالتالي التوزيع أصبح من صلاحيات الولاية، كما أن هذا الإطار رفض أيضا الخضوع لأوامر الوزير بعدم الاستجابة للمقررات الصادرة عن الولاية الخاصة بتوزيع السكنات، وهو ما دفعه لطرح الموضوع على الوالي، عبد المالك نوراني، الذي رفض الموضوع، ليصر هذا الإطار على رفضه للانصياع للأوامر الشفهية الصادرة عن الوزير، وليجد نفسه موقفا عن العمل ومحالا على العدالة قبل أن تتم تبرئته. وبخصوص هذا الوزير، الذي لم يعمر في منصبه أكثر من عام واحد، فإن الفرقة الاقتصادية للدرك الوطني حققت معه لتحديد مسؤوليته في إيداع مديري دواوين الترقية والتسيير العقاري الأموال العمومية في بنك الخليفة، بالإضافة إلى أن التحقيقات توصلت إلى أن الوزير قضى عطلته سنة 2001 بإسبانيا، تكفل بدفع تكاليفها بنك الخليفة، والقضية قيد التحقيق بالمحكمة العليا. الأمين العام للأمن: تحالف قوة المال والسلطة سقط أمام قوة القانون ومن وزارة السكن إلى المديرية العامة للأمن الوطني، وجد الأمين العام السابق للمديرية، نفسه يتخبط في مشاكل إدارية وحتى قضائية سنة 2006، وخلال محاكمته في جلسة علنية على مستوى محكمة الشراقة، ثم مجلس قضاء البليدة، كشف أنه اختلف مع إدارة الأمن الوطني على أمور مبدئية، مطالبا بعدم الإفصاح عن فحواها على أساس أنها تحمل طابع السرية، وأنه ملزم بواجب التحفظ كإطار سام في الدولة، كما أشار إلى أنه راسل السلطات العليا للبلاد وأخطرهم بفحوى هذا الخلاف. وكشف مصدر عليم أن الأمين العام دخل في نزاعات مع مسؤوله الأول، ابتداء من شهر أفريل 2006 قبل أن تتدهور بينهما العلاقة المهنية، ليبقى الاتصال بينهما محتشما مقرونا بمراسلات مكتوبة، قبل أن تنقطع العلاقة بشكل تام شهر أكتوبر 2006. بتاريخ 18فيفري 2008، تم توقيفه تحفظيا، وهو ما اعتبر توقيفا مشفرا، على أساس أن توقيفه صادف الاحتفالات بيوم الشهيد، وهي الفئة التي ينتمي إليها، كونه ابن شهيد، هذا الإطار، ويوم تبرئته من طرف العدالة وعلى مستوى محكمة الشراقة ومجلس قضاء البليدة، صرح بأن تحالف قوة المال والسلطة سقط أمام قوة القانون، في إشارة منه إلى أن العدالة سهرت على تطبيق القانون دون الخضوع لأي تأثيرات. هذا الإطار السامي، المتحصل على ليسانس في علم النفس، وفي الحقوق، متخرج من معهد الدراسات العليا للأمن الداخلي بباريس، ومعهد الدراسات الأمنية للملك فهد، سيرته المهنية التي تتحدث عنه وحدها تشهد بكفاءته المهنية التي زاولها في أحلك الظروف وسنوات أزمة الجزائر. فهو أصغر محافظ شرطة، التحق بسلك الأمن في الثمانينيات، ليعين ما بين 1990 و1991 رئيس أمن ولاية غليزان، ثم رئيسا لأمن ولاية سطيف 1991 - 1993، فرئيسا لأمن ولاية قسنطينة 1993 - 1994 ، وبعدها رئيسا لأمن ولاية البويرة 1994 - 1995، ثم رئيسا لأمن ولاية بومرداس 1995 - 1998، ونظرا لكفاءته اقترح اسمه على وزير الداخلية ليتم تعيينه في منصب الأمين العام للمديرية العامة للأمن الوطني وترقيته إلى رتبة عميد أول للشرطة. انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية للأنتربول ممثلا لإفريقيا لمدة ثلاث سنوات، وهذا من طرف 185 دولة خلال انعقاد الجمعية العامة للأنتربول ببرلين سنة 2006، وفاز بفضل العمل الجبار لوزير الداخلية الذي راسل وزير الخارجية، وطلب منه مراسلة كل سفراء الجزائر في العالم للعمل لصالح مترشح الجزائر. ونظرا لكفاءته المهنية، عينه الأمين العام للأنتربول الأمريكي، رونالد نوبل، عضوا في لجنة مراقبة قاعدة المعطيات للأنتربول. كما أن نزاهة هذا الإطار عززت ثقة الأمين العام للأنتربول في شخصه، حيث كان يبعثه كممثل له في جميع البلدان لحضور المؤتمرات الدولية، على غرار مؤتمر الشرطة للدول الإسلامية في أصفهان سنة 2008، وألقى وقتها كلمة كممثل شخصي للأمين العام. وفي سنة 2009 كان مؤهلا للترشح لنيابة الأنتربول في إفريقيا، غير أنه لم يتمكن من ذلك بسبب مشاكله مع إدارة الأمن. لتدفع بذلك الجزائر ثمن النزاعات والخلافات الشخصية وتضيع فرصة الترشح لمثل هذه المناصب. مفتش الصحة العمومية يطالب بفتح تحقيق فيوقف عن العمل تفاجأ “م. م”، طبيب برتبة مفتش الصحة العمومية بالقطاع الصحي بن باديس بسيدي بلعباس، بتوقيفه عن العمل بموجب قرار صادر عن وزير الصحة سنة 2008، نتيجة إصراره على فتح تحقيق بخصوص التجاوزات التي وقف عليها بذات القطاع، والمتمثلة في تجاوزات صادرة عن مدير القطاع ومدير الصحة الولائية، وهي التجاوزات التي تلخصت حسب التقرير المرفوع لوزير الصحة الأسبق، وكذا للجهات المعنية بالموضوع منها المجلس الشعبي الوطني، في شراء عتاد خارج قانون الصفقات العمومية ومنتهي الصلاحية، وسوء تسيير الأملاك العمومية للقطاع، وشراء سيارات سياحية عوض نفعية والتنازل عن الأملاك وعقارات القطاع لصالح بعض المسؤولين بالإضافة إلى قيام مدير الصحة الموقف عن عمله بناء على القرار بالإمضاء على مداولات. غير أن المثير للانتباه في هذه القضية هو قيام الوزير بتوقيف المفتش عن عمله عوض إصدار أمر بفتح تحقيق في التجاوزات والتحقق من وجودها أو عدمها. مدير العمل الإنساني بوزارة التضامن يطبق المادة 61 من الدستور فيطرد من العمل يعرف الرأي العام الوطني قضية الدكتور حساين كوردولي، نائب مدير العمل الإنساني بوزارة التضامن، كونه دفع الثمن غاليا بعد إبلاغه عن عدم شرعية دخول محطتين إذاعيتين من فرنسا، موجهة للمركز الفرنسي بالجزائر، وهذا من باب أنها تمس بسيادة الدولة الجزائرية، غير أن هذا الإطار السامي الذي أخطر السلطات العليا للبلاد بالموضوع الخطير جدا، وجد نفسه موقفا عن عمله بعد مراسلة وجهتها وزارة التضامن بتاريخ 26 ماي 2005 لرئيس الحكومة، تطلب منه توقيف هذا الإطار من منصب عمله كنائب مدير العمل الإنساني بذات الوزارة. وبتاريخ 31 أوت 2005 أودع هذا الإطار المتحصل على شهادة في الطب والذي يعد عميد أطباء الحماية المدنية ومؤسس المساعدة الطبية المستعجلة “السامو”، شكوى لدى النائب العام لمجلس قضاء الجزائر، على أساس إدخال محطتين إذاعيتين بطريقة غير شرعية وبتصريح كاذب لدى الهيئات المختصة، على أنها أجهزة صوتية، وهي الشكوى التي لم تحركها العدالة إلى حد الساعة رغم خطورة الموضوع. وحسب ما جاء في لائحة التنديد التي وقعها عدد من نواب المجلس الشعبي الوطني المنتمين لمختلف التشكيلات السياسية فإنه “في الوقت الذي كنا ننتظر من السلطات العليا في الدولة تكريم الدكتور حساين كوردولي، بكشفه للفساد والمساس بالسيادة الوطنية والتعدي على قوانين الجمهورية، تم طرده من منصب شغله بعد كشفه فضيحة إدخال تجهيزات مشبوهة تضر بأمن وسلامة الجزائر، وبدل من أن يتم فتح تحقيق في الموضوع طرد من عمله”. والدكتور كوردولي دفع ثمن تطبيقه للفقرة الأولى من المادة 61 من الدستور غاليا، التي تنص “على كل مواطن أن يحمي ويصون استقلالية البلاد وسيادتها وسلامة ترابها الوطني وجميع رموز الدولة”.