من المؤسف أن تُعامل سيدة الطرب العربي كتاجرة عند نهاية مشوارها الفني، ومن المؤسف أن يُحرم الجمهور العربي من تواصل آخر مع هذه السيدة الكبيرة، بسبب حكم قضائي أصم، وبسبب خلاف حول ميراث آل الرحباني. لكن، هل كان سيكون هناك آل الرحباني من غير فيروز؟ ثم هل يعقل أن تُمنع فيروز من الغناء وتذكير جماهيرها في العالم العربي بزمن الطرب الأصيل، لما كانت الأغنية بندقية، والقصيدة قذيفة، ونطلق العنان لمثيلات هيفاء وهبي ونانسي عجرم وغيرهما من أهل العري والفضائح والكلام الساقط؟! كيف تُمنع السيدة من الغناء بسبب قرار من العدالة وهي التي أوقفت الرصاص والاقتتال لما غنت زمن الحرب الأهلية أغنيتها الشهيرة “بحبك يالبنان ياوطني”؟! نعم، اختلف اللبنانيون في كل شيء وتقاتلوا فيما بينهم لسنوات، لكن صوت فيروز جمعهم بكل أطيافهم وفصائلهم، اختلفوا في كل شيء إلا في فيروز، التي يرفض جمهورها الجلوس في حضرتها. مهما كان الخلاف بين الرحابنة، كان من المفروض مراعاة رغبات السيدة في خريف عمرها، وهي التي جعلت بصوتها من الرحابنة عنوانا للطرب، فكانت رمزا للبنان وصوتا لمعاناة الإنسان العربي، غنت مأساة القدس، غنت الحب في دمشق، وباريس، ونقلت الصوت العربي إلى كل ربوع الدنيا، فكانت خير سفير للمأساة العربية. لكننا في زمن السقوط في كل شيء، في الفن وفي السياسة، لا نرعى الجميل، وإلا كيف للعدالة أن ترمي بقرارها هذا في وجه السيدة التي أحببنا صوتها، وفتحنا أعيننا على رسالتها الإنسانية.. صوت أعاد لنا نحن هنا في الجزائر اعتزازنا باللغة العربية التي تعرضت للقهر والذل من الاستعمار، صوت فيروز صالحنا مع لغتنا العربية التي تنساب مع صوتها سلسة، عذبة وقوية. كيف لقاض أن يمنع الصوت الذي غنى “القدس لنا والبيت لنا” من التواصل مع أجيال من الشباب الضائع في كافة المدن العربية؟!.. كيف نمنع من غنت الحياة بكل أشكالها، فكانت أغانيها موسوعة تروي حياة الإنسان العربي، بتنوعها الثقافي والفكري، ونقلت روح التسامح والتعايش بين كل الديانات السماوية في البلاد العربية؟! فيروز ليست ملك لبنان وحده، وميراث آل الرحباني، ليس من حق ذرية الرحباني وحدها، ميراث فيروز ميراثنا جميعا، ميراث كل الإنسانية الباحثة عن الحب والسلام، وهذا لن يمنع بقرار من العدالة.