الشوارع خالية مثل البطون الخاوية، المحلات التجارية والأسواق موصدة الأبواب، الناس نيام ملئ جفونهم، الحركة شبه منعدمة.. تبدو مدينة موحشة.. ذلكم هو حال أم البواقي، عاصمة الولاية عند بداية كل يوم رمضاني وحتى وقت ما بعد الظهيرة حيث تبدأ الحركة تدب شيئًا فشيئًا، وإن على استحياء في مفاصل هذه المدينة النائمة.. إن ما يحدث من تغير جذري في نمط الحياة اليومية خلال شهر رمضان لا يمت بصلة لشهر الرحمة والمغفرة، شهر الطاعات والعمل والصبر وضبط النفس، غير أن الكثير من الناس سواء عن وعي دون وعي يتخذون من شهر رمضان فرصة للهو والتسلية والسهر، واستغلال نهاره في الخلود إلى النوم إلى أوقات متأخرة، الشيء الذي يفرغ هذه الفريضة من معانيها ومضامينها الحقيقية.. الحركة لا تبدأ إلا بعد انقضاء النصف الأول من النهار، ثم رويدًا رويدًا تأخذ في التزايد حتى تبلغ ذروتها عند العصر، وحينها تصبح شوارع المدينة وأسواقها مكتظة بالبشر والسيارات فتتعالى الضوضاء، وترتفع منبهات السيارات وأصوات بعض الناس الذين يفقدون أعصابهم ولا يملكون الصبر والتحمل فيطلقون من أفواههم، الصائمة عن الطعام فقط، عبارات السب والشتائم دون أدنى اعتبار لحرمة الشهر الفضيل، ثم سرعان ما تتطور الأمور فتشتبك الأيادي والأرجل في كثير من الأحيان وتستل السكاكين والخناجر وتبدأ معارك رمضانية تافهة في سلوك بدائي نزق وغير محمود، خاصة في هذا الشهر الكريم. ففي الأسواق المفتوحة، يختلط الحابل بالنابل ولا تكاد تفرق بين الذي يبيع والذي يشتري، ولكثرة الصراخ لا يشعر المار بتلك الأسواق الفوضوية بما يحدث حوله. الحوادث تتكرر كل يوم رمضاني تقريبًا، بل وبين ساعة و أخرى، فأحدهم اختلف مع بائع الخضر على السعر وفجأة ترتفع يده و يغلظ صوته وتحين المعركة التي لا تنتهي إلا بسقوط جرحى، فيما باقي المواطنين يمعنون في المشاهدة والفرجة دون تدخل لتهدئة النفوس والخواطر.. هذه المشاجرات التي ما إن تنتهي واحدة حتى تندلع أخرى.. وعلى بعد أمتار من السوق الشعبي الذي يتوسط مدينة أم البواقي، وبالقرب من محل تجاري حول صاحبه نشاطه من بيع الدقيق إلى بيع الزلابية والحلويات الشرقية، تحدث معركة من طراز آخر، أطرافها رجال الشرطة والباعة المتجولون الذين يحاولون بكل الطرق كسب قوتهم وقوت أسرهم ولو كان ما يكسبونه يعرضهم للخطر والتعنيف. ما شاهدناه في هذه “المعارك” يصعب وصفه، فكأني بالجميع صائمون “مزية” منهم لله عز وجل، هذا هو حال رمضان في ولاية أم البواقي، وما هو إلا غيض من فيض.. ورمضان كريم رغم كل شيء!