رغم غلق الحانات ومحلات بيع الخمور في شهر رمضان، وخلافا لما يعتقده الكثيرون من أن فئة واسعة من الجزائريين، خاصة منهم الشباب المدمنين على الكحول والمخدرات، سيتوقفون تلقائيا عن تعاطي هذه الممنوعات خلال شهر رمضان مصالح الأمن حجزت 200 كيلوغرام منذ بداية الشهر كشفت آخر عمليات المراقبة وإحصائيات مصالح الأمن والدرك عبر ولايات الغرب والوسط والشرق، عن حجز كميات هائلة من الكيف “الزطلة“ قدرت ب200 كلغ، منذ بداية الشهر، كانت موجهة للاستهلاك في السوق الداخلية بمختلف ولايات القطر، آخرها تم فيها حجز 80 كلغ الأسبوع الماضي، بميناء وهران، الأمر الذي يوحي أن نشاط كبار بارونات الكيف من ممونين رئيسيين للمدمنين، زاد خلال شهر رمضان، بحكم معرفتهم المسبقة بأن الطلب على “الزطلة” سوف يزداد خلال شهر الصيام. بقياس الكميات المحجوزة، والتي يمكن التكهن بأنها ضئيلة مقارنة بالكميات التي تم فعلا تمريرها ونجح المهربون في إيصالها إلى الممونين الصغار، بمختلف مناطق البلاد، لا يجد المدمنون على الزطلة، وحتى المدمنون في الإفطار على الكحول أية مشكلة في التزود بحصتهم المعتادة من الزطلة، تحسبا للسهرات الرمضانية الطويلة التي يقضونها في قاعات الشاي وبعض المقاهي والمحلات التي تخصصت، خلال شهر رمضان في بيع الشاي والقهوة المرفوقة بالشيشة التركية أو المصرية، تتخللها بعض كميات الزطلة التي لا يمكن للمدمنين التخلي عن نشوتها خاصة في رمضان. كما أن الاستقرار النسبي لسوق الزطلة رغم الرقابة الصارمة ومضايقات مصالح الأمن لبارونات التهريب للتقليص من مجال نشاطاتهم، شجع فئة المدمنين على الكحول، الذي يصعب جدا الحصول عليه في رمضان، على الانضمام إلى عشاق الزطلة للحصول على نشوتهم المعتادة، بالتعويض عن الكحول باستهلاك الكيف، في انتظار حلول عيد الفطر وعودة الحانات والملاهي الليلية إلى استئناف نشاطاتها التقليدية. والغريب في سلوكات الجزائريين عموما، والشباب خاصة، وجود تناقض صارخ بين قناعاتهم الدينية وممارساتهم اليومية، بحيث يندهش المرء من طريقة تفكير الكثير من الشبان، من المستهلكين الأوفياء للكيف، من الذين طرحنا عليهم أسئلة حول السر في شغفهم بتعاطي الزطلة في شهر رمضان، فكانت إجاباتهم كلها، ورغم بعض الاختلافات الطفيفة متشابهة في مضمونها، حيث أقسم أحد الشبان الذين التقتهم “الفجر” في “سهرة شاي” بأحد مقاهي عنابة، المعروفة بروادها من محبي نشوة الزطلة، أقسم بأغلظ الأيمان بأنه لم ولن يتناول أبدا الكحول في حياته، إذ يعتبره حراما، في حين صرح لنا وكله ثقة في نفسه، بأنه لا يمكنه الاستغناء عن تناول سيجارة أو اثنتين من الزطلة يوميا، معتبرا أن لا حرج في ذلك طالما أن الأمر لا يتعلق بالخمر المحرم شرعا، على حد ظنه. نفس الموقف أبداه صديقه ونديمه في جلسات السهر والزطلة، الذي أضاف أنه مقتنع جدا بأن تناول الزطلة ليس منكرا حرمه الدين، مستندا في ذلك إلى “فتوى” يقول إنه سمعها على إحدى القنوات الفضائية العربية، تحدث فيها أحد الدعاة الإسلاميين عن حكم الدين الإسلامي في مسألة استهلاك الزطلة، وقال إنه لا حرج في ذلك طالما أن الإسلام لم يحرمها صراحة في أي من نصوصه وآياته، حسب اعتقاده. ولتفادي هذا الجدل غير المجدي مع مدمني الزطلة الشبان، فضلنا السؤال عن أسعارها وكيفية الحصول عليها في رمضان، حيث أجمع الشبان على أن الأمر لا يطرح أية مشكلة، فالزطلة متوفرة في رمضان بكميات أكثر من الأشهر السابقة، والسر يكمن، حسب الشبان، في معرفة كبار المهربين وبارونات تجارة الكيف مسبقا بطبيعة سوق الزطلة، التي ترتفع أسهمها مباشرة بعد غلق الحانات ومحلات بيع الخمور، حيث يزداد الطلب عليها في سهرات شهر الصيام الطويلة للكثير من المدمنين على الزطلة، الذين يلجأ الكثير منهم إلى تحضير مخزون من كمية الزطلة قبل حلول شهر رمضان، فيما يسعى الآخرون إلى بذل قصارى جهدهم خلال النهار وقبل آذان الإفطار، للحصول على حصة من الكيف تكفي لقضاء السهرة مع الأصدقاء على أنغام موسيقى الشعبي والمالوف والراي، حسب المقهى الذي يقصدونه والحي الذي يتواجد به. وعكس الاعتقاد السائد بأن مستهلكي الزطلة من الفئات المهمشة من الشباب البطالين المقيمين في الأحياء الفقيرة، يؤكد العارفون بشؤون الزطلة أن أكبر كمية يروجها الباعة المتخصصون في الكيف، تذهب لتلبية احتياجات الأحياء العنابية الراقية، التي لا تخلو من المدمنين على الزطلة في رمضان، من أبناء وحتى بنات الطبقات الثرية، حسب ما أسر لنا به بعض الشبان، الذين أكدوا لنا أن الزطلة ليست حكرا على أبناء الأحياء الشعبية الفقيرة، بل لها أيضا عشاقها من الطبقة الغنية، الذين لا يترددون في دفع أثمان باهظة للحصول على كمية من الزطلة من النوعية الرفيعة والفاخرة، التي يصل سعر الغرام الواحد منها إلى ألفي دينار، ويكثر الطلب عليها في الأحياء الراقية من طرف الشبان من الجنسين منهم حتى سيدات محترمات، من فئة المواظبين على استهلاك الزطلة في المناسبات والسهرات الحميمة مع الأصدقاء والصديقات. وحسب حاجة السوق والطلب والفئة الاجتماعية المستهلكة، فالزطلة أيضا درجات ونوعيات، ولكل نوع سعره، الذي يبدأ من 200 دينار، بالنسبة للنوعية الرديئة المخلوطة بمادة أخرى، والمتوسطة إلى 500 و1500 دينار، بالنسبة للنوعية الجيدة، لتبقى كميات الزطلة الفاخرة، المعالجة بطريقة جيدة، حكرا على المدمنين عليها من أصحاب القدرة الشرائية العالية الذين يدفعون آلاف الدنانير للحصول على بضعة غرامات منها. وحسب آخر دراسة قام بها مركز علاج الإدمان على المخدرات، بمستشفى الأمراض العقلية الرازي بعنابة، فإن عدد المدمنين على الكيف من الجنسين في ارتفاع متزايد، من سنة لأخرى، مع ظهور شرائح اجتماعية جديدة لم تكن سابقا من فئة المستهلكين التقليديين للمخدرات، من بينهم مدمنون من الطبقات المتعلمة المتوسطة والعليا، بسبب انتشار الظاهرة في أوساط الأحياء الجامعية، بين الطالبات والطلبة، وحتى بالمؤسسات العمومية والخاصة، التي تعد عددا من المدمنين على الزطلة من الباحثين عن النشوة بعد ساعات العمل، من بينهم جراح أسنان وموظفون في الإدارات، لا يمكنهم الاستغناء عن نشوة الزطلة طوال أيام السنة وحتى في رمضان، حيث لا يحلو السهر لهم بدونها، على حد اعتراف البعض منهم، الذين أجمعوا على أنه لا حرج في استهلاك الزطلة طالما أنها لا تسبب عكس الخمر أي ضرر، على حد تصريحهم. وعلى الجبهة المضادة كثفت مصالح الأمن والدرك من جهودها للحد من الظاهرة، بقيامها بحجز كميات ضخمة، في عدة عمليات وتدخلات لها قامت بها على مستوى العديد من الولايات، خلال السبعة أشهر الماضية، قدرت بحوالي 40 طنا من الكيف المعالج، تم تسريبها من الحدود الغربية، مصدرها المملكة المغربية، التي تبقى لحد الآن المورد الوحيد والأساسي لمادة الكيف في شمال إفريقيا والبحر المتوسط.