نقلت وسائل إعلامية عربية وأجنبية صادرة يوم أمس، أن جثمان المفكر الجزائري محمد أركون، قد نقل من العاصمة الفرنسية باريس إلى مدينة الدارالبيضاء بالمغرب حيث سيشيع هناك إلى مثواه الأخير، بعد أن اختار وهو على فراش المرض، أن يدفن هناك وهو ما صرحت به عقيلته الثانية المغربية الأصل محمد أركون في غياب الموقف الجزائري مثقفون عرب يصفون أركون بآخر العقول العربية وعلقت الأوساط الفكرية والثقافية بالمغرب على هذا القرار بأنه لم يشكّل أي مفاجأة لهم بالنظر إلى كون الراحل قد استقر هناك لما يراقب ال15 سنة خاصة بعدما تقاعد من الجامعة الفرنسية السوربون، التي كان أستاذا محاضرا فيها لسنوات عدة. وعلق بخصوص هذا القرار الاختياري من المفكر الراحل أركون، مدير مكتبة الملك عبد العزيز آل سعود بالمغرب محمد الصغير جنجار، قائلا ”لا أرى أي شيء مثير في أن يدفن الشخص في مكان سكناه العادي”، وأضاف ”انتقل أركون للعيش في مدينة الدارالبيضاء منذ تقاعده من الجامعة الفرنسية قبل 15 سنة، كما أن زوجته الثانية مغربية، لذلك فإن دفنه في الدارالبيضاء لم يشكّل أي مفاجأة بالنسبة لنا. أركون أصبح مند مدة ليست بالقصيرة جزءا من النخبة المفكرة في الدارالبيضاء، أصبحنا خلالها نلتقي كثيرا ونشتغل معا، ونتشارك اهتماماتنا وأبحاثنا الفكرية والثقافية، وندعوه لندواتنا ونطلب منه مقالاته الفكرية”. من جهته، الدكتور عبد اللطيف فتح الدين عبد اللطيف، رئيس شعبة الفلسفة في كلية بنمسيك بالدارالبيضاء، علّق على هذا القرار قائلا ”إن مسألة دفن أركون في الدارالبيضاء عادية بالنظر للاعتبارات الشخصية، لأنه مقيم في الدارالبيضاء، ومتزوج من مغربية، غير أن هذه الاعتبارات الشخصية - يضيف فتح الدين - لا يجب أن تحجب عنا الجانب الرمزي المتمثل في حب أركون للمغرب والمغاربة، وتطلعه إلى بلاد مغاربية موحدة لا فرق فيها ولا حدود بين المغرب والجزائر وتونس”. أما في الأوساط الثقافية الوطنية فقد علقت الروائية الجزائرية المغتربة فضلية الفاروق على هذا الموضوع قائلة ”نحب أن ندفنهم في بلادنا سواء أحياء أو ميتين يا لغرابة هذه الهواية”، وأضافت متسائلة ”حين يموت عمرو خالد نحضره للجزائر وندفنه عندنا بحكم أن شعبنا الجزائري يعرف عمرو خالد ويحبه لدرجة الهلوسة ولا يعرف أركون”، فيما نوه الناشر والروائي بشير مفتي إلى أن أغلب المفكرين والروائيين الجزائريين دفنوا خارج تراب الوطن كالأديب محمد ديب. وأفرد العديد من الصحف والمجلات التي تعنى بالثقافة والفكر والأدب صفحاتها الصادر منذ أول أمس، للحديث عن فكر الراحل أركون، كما تحدث عدد كبير من الوجوه الثقافية والفكرية والأدبية في العالم العربي عن أعماله ومقارباته الفكرية في الثقافة الإسلامية، حيث قال المفكر المغربي محمد سبيلا عنه: ”إن رحيل محمد أركون يعتبر نهاية لإنتاج فكري نقدي يتسم بالتجديد ويتقاطع مع القراءات الثابتة للتراث الإسلامي”. وأشار المفكر المغربي إلى أن محمد أركون أضاف للفكر العربي الحديث عددا من المفاهيم الجديدة والمهمة. أما الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة الإسلامية وعميدة كلية الدراسات الإسلامية في الأزهر سابقا، فقالت إن أركون استوعب التراث ولم يغترب عن الحضارات الحديثة. وتضيف الدكتورة آمنة نصير ”بينما يقول غالب بن الشيخ رئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام في فرنسا إن قيمة محمد أركون تكمن في قدرته على ابتكار مفاهيم ذات طبيعة إنسانية كونية، ويقول رئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام المكانة الكبيرة التي يحتلها أركون في المشهد الثقافي الأوروبي وخصوصا في فرنسا فهي تؤكد على أن هذه المكانة التي احتلها محمد أركون في مواجهة الانتقادات التي تعرض لها مرارا لم تأت من فراغ”. من جهته، قال المفكر السوري برهان غليون: ”إن محمد أركون الذي يعد من أعلام الفكر العربي الحديث قد تصدّى بجدية وعمق لقضايا الفكر الديني وإعادة قراءة التراث والنصوص في ضوء معطيات العصر الذي يعيش فيه وأضاف أركون الكثير من الاجتهادات والمقاربات في نتاجه الفكري”. وأبرز أغلب المتحدثين قيمة الرجل ومكانته العلمية، حيث عمل - كما أكدوا - طوال أكثر من نصف قرن على تقديم قراءة جديدة للإسلام تستند إلى مرجعيات ومناهج علمية وتنطلق من الفكر النقدي العقلاني وأضافوا أن أفكاره ستظل بعد رحيله مدار بحث في الأوساط العلمية والجامعية شرقا وغربا مذكّرين بأن قراءة أركون الجديدة للإسلام لا ترتكز إلى الاجتهاد والتأويل وإنما إلى المنهج العلمي والفكر النقدي. أما الدكتور نبيل عبد الفتاح، خبير الدراسات الاجتماعية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، فقد أعرب عن حزنه لفقدان الثقافة العربية مفكرا بهذا الحجم، معتبرا أركون ”شخصية فكرية بارزة تعد من أهم القامات الفكرية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن ال20”، وبحسبه فإن أركون نبّه أجيالا كثيرة إلى خريطة الأكاديمية الغربية في مجالات مختلفة كما كان من أبرز المشاركين والمحاورين في التفاعل بين الثقافة العربية والغربية قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، فقد لعب الراحل أدورا بالغة الأهمية في تبديد الصور النمطية السائدة والخاطئة عن الإسلام والمسلمين. واعتبر نفس المتحدث أن محمد أركون ”أحدث رجّة معرفية في العالم العربي وساهم في تغيير الخريطة في مجال العلوم الاجتماعية”. وصنّف المفكر والشاعر اللبناني، بول شاوول، أركون ضمن سلالة التنويريين الإسلاميين والعرب والعالميين من أمثال فرح أنطون وشبلي الشميل والأفغاني والكواكبي وطه حسين وصادق جلال العظم وعبد الكبير الخطيبي ومحمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد. وأضاف الأديب اللبناني في مقال نقلته وسائل إعلامية لبنانية صادرة أمس، أنه برحيل أركون يخسر العقل التنويري الإسلامي والعربي ركنا، وتفقد الثقافة الجدالية العقلانية الحية والحرة قامة عالية، وتغيب الصورة النقدية العميقة عن المشهد العربي، مشيرا إلى أن رحيله جاء ليترك فراغا كبيرا في الفكر الإسلامي المنفتح. أما الإعلامي والشاعر اللبناني عباس بيضون فقد كتب قائلا ”بعد نصر حامد أبو زيد ومحمد عابد الجابري، تأتي وفاة محمد أركون الجزائري، لتفرغ الساحة تقريبا من رموز الإصلاح الديني الإسلامي، بعد أن تلقى هذا الإصلاح ضربات سياسية وبدا تفوقه المعرفي نفسه في خطر”. وأضاف الشاعر اللبناني أن المفكر الراحل ”كتب بالفرنسية والإنجليزية وإن كانت كتبه في جزء كبير منها سجالا مع الفكر الإسلامي المكتوب بلغات أخرى، لكنه بالدرجة نفسها ينتمي إلى الفكر الغربي الجديد، كما عبّر عنه فوكو وبورديو وليفي ستراوس ودريدا، أي أنه أنتج في قراءته للتراث الإسلامي فكرا جديدا مثلما فعل فوكو بتاريخ الجنون والجنس، وكما فعل ليفي ستراوس في الإثنولوجيا”. فيما كتب الشاعر العربي المثير للجدل، أدونيس، عن رحيل أركون قائلا ”كمثل غيره من المنارات، ينهي محمد أركون سفره في ليل العالم الثقافي العربي-الإسلامي. كان نقطة التحام وراية عالية في التخلف الذي يخوضه الجهل والتخلف والعماء، ضد المعرفة والتقدم، وضد الإنسان”. وتحدث أدونيس في مقال بعنوان ”الراية العالية في ليل الثقافة العربية”، عن اتفاقه مبدئيا مع صديقه الراحل على التأسيس لفريق عمل يخطط لكتابة تاريخ جديد للثقافة العربية يخرجها من تمركزها حول نفسها، ومن أطر الانقسامات الدينية والمذهبية، ومن المناهج الكتابية التقليدية، ويقرأ الحياة العربية والإبداع العربي في سياق الثقافة الكونية ومشكلاتها. وأبرز أغلب المتحدثين قيمة الرجل ومكانته العلمية حيث عمل كما أكدوا طوال أكثر من نصف قرن على تقديم قراءة جديدة للإسلام تستند إلى مرجعيات ومناهج علمية، تنطلق من الفكر النقدي العقلاني.