”جئت بنسخة الفيلم غير المعدّلة إلى الجزائر؛ لأنني أعتبر أهلها أهلي وأنا واحد منهم”.. بهذه العبارات أجاب المخرج السوري سمير ذكرى عن سؤال ”الفجر”, والمتعلّق بمدى رضاه عن المؤثرات البصرية الخاصة أوالغرافيك الذي بدا غير احترافيّ في فيلمه ”حرّاس الصمت”, المشارك في المسابقة الرسميّة لمهرجان الفيلم العربي بوهران في طبعته الرابعة جواب سمير ذكرى, التمسنا فيه محاولة تبرير ما لا يبرّر, خصوصا أن الفيلم يدخل مسابقة رسمية لمهرجان سينمائي, ولم يأت إلى الجزائر في سياق ”عرض شرفي مجاملاتي”. المخرج السوري لم يكتف فقط بالتماس الأعذار لبعض هفوات الغرافيك في فيلمه وإنما اتّكأ أيضا على حجّة ضعف قيمة الإنتاج المقدّرة بنصف مليون دولار, معتبرا أن المقارنة بين قيمة فيلمه التقنية والإنتاجية وبين أفلام أخرى, على غرار فيلم رشيد بوشارب الأخير ”خارجون عن القانون” (20 مليون أورو), إجحاف في حقّ فيلمه المقتبس عن رواية ”الرواية المستحيلة.. فسيفساء دمشقية” للروائية السورية غادة السمّان. وهنا لا بد أن نشير إلى القيمة الفنيّة التي تحسب في صالح سمير ذكرى الذي دخل معترك الاقتباس الروائي لواحدة من أهم وأعقد روايات السمّان, وما تحتويه هذه الرواية (700 صفحة) من زخم مشهدي وحواري ووصفي وحتى إيديولوجي لفترة مهمّة في التاريخ الدمشقي, والبيئة الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية لسوريا في منتصف القرن الماضي. يعود إذن؛ سمير ذكرى في ”حرّاس الصمت” إلى مقاربة المجتمع السوري العربي, استنادا إلى رواية غادة السمّان التي تخوض في حياة ”زين”؛ البنت المراهقة التي ينفتح أمامها احتمال التطور والتحدي لتحقيق الذات مع مخاطرة تعريض هذه الذات إلى أذى المحيطين. ويصور المخرج عبر ”الفسيفساء الدمشقية” بكل شرائحها وتطورها الفكري والإجتماعي, ويحاول أن يبني بنيته البصرية بالتوافق مع أحداث الرواية, فزين التي باتت تبحث عن أسباب مقتل والدتها التي عرفت بالصدفة أنها كانت كاتبة, تجد نفسها هي الأخرى معرضة لنفس مصير أمها. ”حرّاس الصمت”, قد لا يصنّفه المتابعون في خانة الأفلام الجماهيرية أو التجاريّة, باعتبار أنه يحتاج إلى صبر مشاهد يملك خلفية عن الرواية / الأصل. كما أن خطّ السرد السينمائي في الفيلم, كان متقطّعا مع استعمال تقنية الفلاش باك, والانتقال بين الحاضر والماضي وأيضا نحو اللازمان من خلال تصوير مشاهد الحلم, إضافة إلى انتقال لسان الحكي بين عدة شخصيات (الإبنة, الأب, الخادمة والجدّة..) بطريقة تقريرية قد يكون سببها صعوبة تأقلم السيناريو الذي كتبه ذكرى نفسه, مع فصول الرواية التي استعملت فيها غادة السمّان أيضا, ضمائر كثيرة للمتكلّم.. رغم ما سبق, يمكن أن نقول إن سمير ذكرى - على غير الكثير من المخرجين العرب - يملك شجاعة التجريب, والدخول في مغامرات سينمائية مجهولة العواقب أمام جمهور شبه موجّه, من الصعب أن يرضى بالتجريب على حساب المتعة.. كما أن سمير لا يكرّر نفسه في أعماله السينمائية, حيث يختلف ”حرّاس الصمت” من حيث التقنيّة وزوايا الطرح, مع فيلمه السابق ”علاقات عامة” الذي شارك به ذكرى في الطبعة الثالثة لمهرجان وهران قبل سنتين.