الوافد الجديد على مبنى وزارة الصحة ب”المدنية”، الدكتور جمال ولد عباس، ومباشرة بعد تنصيبه واستلام مهامه على رأس القطاع، وخلال إحدى خرجاته، كشف عن وجود 10 آلاف جهاز طبي متطور غير مستغلة من بين 73 ألف جهاز، وأزيد من خمسة آلاف جهاز أخرى معطلة، منها ما أصابه التلف نتيجة التكديس في المخازن أطباء يلجأون إلى العطل المرضية رفضا لأوامر المسؤولين “الفجر” حاولت التقصي والبحث في أسباب هذه المشكلة التي لا تزال تؤرق المواطنين والمرضى، خاصة الذين هم بحاجة ماسة إلى إجراء الكشف بأجهزة التصوير الطبي أو الأشعة، بعدما سدت الأبواب في وجوههم لدى توجههم إلى المستشفيات العمومية أو حتى العيادات الخاصة. الكشف بالسكانير لا يكون إلا “بالمعريفة” ذكرت مصادر مطلعة ل”الفجر” أن رحلة البحث عن موعد في مستشفى عمومي وحتى العيادات الخاصة قصد إجراء الكشف بأجهزة التصوير الطبي والأشعة، أو كما يطلق عليه بالعامية “الراديو”، أو جهاز “السكانير”، أوجهاز “إي.أر.أم”، صار في المدة الأخيرة ضربا من الخيال لمن لا علاقات ولا نفوذ لهم أو أي رابطة تربطهم بأي مستخدم، موظف، طبيب أو حتى ممرض بهذه المؤسسات، وهنا نقصد المواطن البسيط الذي وإن جمع مبلغا من المال قصد إجراء الكشف لدى العيادات الخاصة، إلا أنه يصطدم برد المصلحة بأنه يتعين عليه الانتظار، والعودة في المرة القادمة من أجل حجز الدور وبعدها العودة مجددا للقيام بالكشف مقابل مبلغ مالي يتعدى عشرة آلاف دينار. لكن المفاجأة حسب ذات المصادر أن المستشفيات بالعاصمة، وبالرغم من توفرها وتزويدها بمختلف أجهزة التصوير الطبي والأشعة، سواء كانت “سكانير” أو “إي.أر.أم”، إلا أن قاصدها يستوجب عليه التزود ببطاقة خاصة، قصد حجز دور له في طابور الانتظار “المعريفة” وهو ما ذكره العديد من المواطنين والمرضى القادمين من الولايات الداخلية وحتى الجنوبية، التي لا تزال بعض المستشفيات فيها تفتقد لهذا النوع من الأجهزة، وحتى المستثمرين في مجال الصحة من أصحاب الأفكار النيرة، الذين يريدون إنشاء عيادات خاصة يفضلون المناطق الشمالية والوسطى لهذا الغرض لدافعين أساسيين هما الكثافة السكانية، والربح السريع، خاصة وأن العديد من العيادات الخاصة مهما كانت الاختصاصات التي تتوفر عليها فهي قريبة من المستشفيات، ما يمثل علامة استفهام تستدعي الإجابة عنها من قبل القائمين على القطاع. مفاتيح القاعات التي تتواجد بها الأجهزة في جيوب مسؤولين يخرجونها متى شاؤوا وتابعت ذات المصادر حديثها ل”الفجر” بأن بعض مسؤولي المستشفيات ورؤساء مصالح التصوير الطبي والكشف بالأشعة، يتصرفون وكأن هذه المؤسسات ملكية خاصة لهم، بسبب طريقة تسييرهم لها، وهذا بعلم العمال والموظفين، لكن هؤلاء لا يمكنهم الخوض في غمار مواجهة محسومة النتائج منذ البداية، وبالتالي فهم يتفادونها خوفا على مناصبهم. هؤلاء المسؤولون ورؤساء المصالح، تضيف نفس المصادر، “البعض” منهم جعل مصالح التصوير الطبي والكشف بالأشعة، و”السكانير”، وجهاز “أي.أر.أم” تحت تصرف معارفهم وذويهم، ليأتي بعدها دور المرضى والمواطنين للانتظار في طابور الدور لعل وعسى يظفرون بموعد لإجراء التشخيص على الحالة المرضية إن كانت مستقرة أم لا. وفي ذات السياق تقول ذات المصادر إنه في أحد المستشفيات يقدم رئيس مصلحة التصوير الطبي والكشف بالأشعة بعد الانتهاء من العمل ولدى مغادرته للمستشفى، على غلق باب المصلحة وأخذ المفاتيح معه، بالرغم من علمه بأن العديد من الحالات الاستعجالية والتي تكون إصاباتها خطيرة في مناطق مختلفة من الجسم تستدعي الكشف عنها، وبالتالي تحديد طريقة العلاج إما الجراحة الفورية أو العلاج بالصورة العادية، لكن تمادي هؤلاء في هذه الطريقة جعل في كثير من الحالات الفرق المداومة وفي عملها الليلي عاجزة أمام ذلك بعد استحالة القيام بالكشف. العطل المرضية المتجددة لتفادي المحاسبة وبالرغم من النقص الفادح في عدد المشرفين على تسيير هذه المصالح على مستوى المؤسسات الاستشفائية كما ترى ذات المصادر، وحتى العاملين فيها إلا أن الظاهرة التي صارت تؤرق وتقلق مسؤولي المستشفيات، وعلى رأسهم المدراء فإنها تتمثل في الخروج في عطل مرضية الواحدة تلوى الأخرى، من قبل المشرفين على مصالح التصوير الطبي والكشف بالأشعة في خطوة منهم لإرغام وإجبار مسؤوليهم بعدم التعرض لهم أو إحساسهم بنوع من الضغوطات الممارسة عليهم، أثناء تأدية عملهم كخطوة وإجراء ل”لي الذراع” لمدراء المستشفيات. وعادت مصادرنا إلى الحديث عن نقص التكوين والتأطير في تخصص التصوير الطبي والكشف بالأشعة، وفي هذا الإطار أكدت أن العديد من المصالح يسيرها المسؤول ومساعده فقط بالرغم من أن العمل بها يتطلب بين 6 و8 مختصين. من يحل لغز مقابل كل مستشفى عمومي عيادة خاصة..؟ في ذات السياق طرحت “الفجر” قضية التجهيزات والعتاد الطبي، ومنها التصوير الطبي والكشف بالأشعة في المستشفيات والعيادات الخاصة، على النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، فكان جواب رئيسها الدكتور إلياس مرابط بأن 60 بالمائة من هذه التجهيزات موزعة على المستشفيات، لكن للأسف يبقى الخلل موجودا لأسباب متعددة، مضيفا أن عدة عيادات خاصة شيدت على مقربة من المستشفيات وحصل أصحابها على الاعتماد متسائلا “لماذا لا تقام العيادات الخاصة في الجنوب؟”. وبالتالي تجد بعض الأطباء المعالجين وفي حالات كثيرة يوجهون مرضاهم الذين يعالجونهم إلى تلك العيادات لإجراء التشخيص، لأنهم مالكو تلك العيادات أو شركاء فيها أو يتقاضون نسبة من الأرباح، هذا بالنسبة للأطباء. أما بالنسبة للعاملين في مصالح التصوير الطبي والكشف بالأشعة، فهم يعملون في تلك العيادات الخاصة مقابل أجور مضاعفة، مقارنة بتلك التي تدفعها لهم وزارة الصحة، لكن ذلك ليس مبررا للسرقة والربح السريع على حساب الصحة العمومية، وهذه الوضعية يعرفها العام والخاص، وصارت مع الأسف تسيء لسمعة “المئزر الأبيض” ونحن نقولها وبصراحة لا نشارك في هذا الأمر على الإطلاق. وأضاف رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، أن 80 بالمائة من الموارد البشرية العاملة بهذه المصالح على مستوى المستشفيات، تتحول دوريا نحو العيادات الخاصة، والأمر لا يتعلق فقط بمختصي الأشعة والتصوير الطبي، بل يتعداه إلى القابلات، الممرضين، أطباء وحتى رؤساء أقسام. كما يطرح مشكل تباين المسؤوليات وكثرة المسؤولين العديد من العراقيل التي حالت دون سير المصالح على أكمل وجه بالمؤسسات الاستشفائية، وهنا يظهر تضارب المصالح وهو ما جعل القطاع يغرق في مشاكله ونتج عنه ظهور “لوبيات” تحاول السيطرة عليها، ولا تريد أن يتطور القطاع للاستثمار فيه. تسعيرات العيادات في واد وتعويضات الضمان الاجتماعي في واد آخر كما طرح المتحدث مشكل عدم توحيد تسعيرة الكشف على مستوى العيادات الخاصة، حتى في أبسط الأشياء، فما بالك بإجراء التصوير الطبي والكشف بالأشعة خاصة جهاز “السكانير”، وجهاز “إي.أر.أم” حيث تتعدى التكلفة في بعض الأحيان 10 آلاف دينار، والمواطن المسكين خاصة الموظف لما يقصد الضمان الاجتماعي لتعويض ثمن الكشف يتحصل على ألف دينار فقط، بالرغم من أن الاقتطاعات للاشتراكات الشهرية التي تقوم بها مصالح الضمان الاجتماعي تصل 33 بالمائة من الأجر الخام للموظف، الأمر الذي يتناقض مع ذلك كون الموظف هو من يدفع الضرائب أكثر مقارنة بفئات أخرى، فكيف للضمان الاجتماعي الواقع تحت وصاية وزارة العمل يسعى في كل مرة بترشيد النفقات أمام هذا الخلل المستمر في منظومة العلاج على مستوى العيادات الخاصة، التي تبقى تطرح مشكلا لدى المرضى من الفئات المتوسطة كانوا موظفين أو عمالا بسبب التعويض الزهيد.