".. أقول للأخوة في التنسيقية الوطنية للتغيير.. أنتم في بلادكم.. ونحن أيضا في بلادنا.. لا حرج أن تعبروا عن رأيكم.. ولكن نناشدكم احترام البلاد وعدم زرع الخوف في المجتمع"! هذا الكلام عندما يصدر على لسان الوزير الأول يدل بالفعل على أن السلطة بدأت تفهم أن البلاد لا بد أن تتسع لرأي السلطة ورأي المعارضة.. وأن لغة التخوين والعمالة للخارج والاستبداد بالرأي وإلغاء الآخر.. لا يمكن أن تسمح بإيجاد نقطة تفاهم بين الجزائريين كما ذكر أويحيى! الإجراءات العملية التي اتخذتها الحكومة بعد الأحداث الأخيرة والتي أشار إليها أويحيى مهمة.. لكن هذه الإجراءات تصبح لا معنى لها إذا لم تتبع بإجراءات ذات طابع سياسي تضع حدا للإقصاء السياسي الذي يمارس منذ عقود في دواليب الدولة ومؤسساتها والذي أدى إلى الأحداث الأخيرة وفهمته في البداية على أنه أحداث زيت وسكر واحتاجت إلى انتظار أحداث تونس ومصر كي تفهم أنها أحداث ذات طابع سياسي بواجهة اجتماعية. نعم نقولها مع أويحيى لا نريد لبلادنا أن تدخل في أتون الخوف والرعب والفوضى من جديد.. فقد قاسينا منها طوال عشريتين كاملتين.. لكن أيضا لا نريد بقاء ظاهرة ممارسة السياسة بالمؤسسات الواجهة على مستوى الأحزاب والبرلمان والحكومة.. فالشعب يريد أحزاب حقيقية موصلة للسلطة وليست الأحزاب التي توصلها السلطة للسلطة.. ونريد برلمانا منتخبا بأصوات المواطنين لا البرلمان الذي ينتخب بالأصوات المزورة أو بالأصوات المشتراة بأموال الفساد..! نريد حكومة مسؤولة أمام ممثلي الشعب لا برلمانا مسؤولا أمام حكومة ليس فيها إرادة الشعب! والطريق الصحيح لتنمية البلاد هو وضع مؤسسات الدولة تحت رقابة الشعب لأن هذه الوسيلة الوحيدة لمكافحة الفساد وسوء تسيير البلاد.. وليس وضع لجان مراقبة الفساد بطريقة إدارية..! ما قاله أويحيى فيه نضج وبداية فهم لمطالب الشعب الجزائري... نتمنى أن يتحول إلى أعمال.. وهذا الفهم إذا أتبعه العمل هو وحده الكفيل بتجنيب البلاد الخوف والفوضى. وبعد سلسلة الإصلاحات العديدة التي أجريت بالبلاد في العشرية الأخيرة من إصلاح العدالة إلى إصلاح أجهزة الأمن إلى إصلاح الإدارة إلى إصلاح التعليم.. كل هذه الإصلاحات المهمة.. حان الوقت لأن تتوج بالإصلاح الحقيقي وهو الإصلاح السياسي الذي يكرس حق الشعب في تعيين من يحكمه وحقه في مراقبة أدائه بواسطة المؤسسات المنتخبة فعليا.. وحق الشعب في الانتظام في أحزاب حقيقية وليس أحزاب واجهات شكلية.. وباختصار إصلاح سياسي يمكن الشعب من أن يعالج خلافاته في المؤسسات وليس في الشارع. فهل يحدث هذا؟! فإذا حدث فإن ما قاله أويحيى هو بداية فهم حقيقي لموضوع الأزمة الحقيقية في الجزائر.. هذا ما نتمناه!