ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغزالي توسط لي عند الشاذلي فغض الطرف عن إقامتي في الجزائر
زعيم حركة النهضة التونسية المحظورة الشيخ راشد الغنوشي في حوار شامل مع "الشروق":
نشر في الشروق اليومي يوم 24 - 11 - 2008


الشيخ راشد الغنوشي
أكد الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة المحظورة في تونس، أن للجزائر مكانة عظيمة في قلبه، وأنه شديد الاعجاب بالشخصية الجزائرية ومحب لها. وعبّر الغنوشي في حوار اجرته معه "الشروق" في منفاه بالعاصمة البريطانية لندن عن امتنانه لفضل الجزائر عليه وعلى أسرته وإخوانه "إذ آوتنا لعدة سنوات".كما أشار.
*
وفي رده حول ما اعتبر انحيازا في موقفه نحو جبهة الانقاذ المحلة في تسعينات القرن الماضي، أكد الغنوشي أن له في الجزائر صداقات يعتز بها، ممتدة من زعامات جبهة التحرير الى زعامات جبهة الانقاذ، مرورا بحمس والاصلاح والنهضة وحتى بمناضلي حزب العمال.
*
*
أنا مدين للجزائريين وشديد الإعجاب بشخصيتهم الوطنية
*
واعتبر الغنوشي أن ما يحدث في حركة حمس شأن داخلي، غير انه أكد انه لن يتردد في "السعي خيرا" بين الطرفين المتصارعين، لكنه اشار "ان لا مناص في النهاية ( للطرفين) من احترام قرار الشورى والمرجعية وحكم المؤسسات".
*
وتحدث الغنوشي في الجزء الأول من هذا الحوار عن العديد الامور، من بينها قصة هروبه من تونس واستقراره لفترة في الجزائر، وظروف ملابسات خروجه من الجزائر، وكيف قدمه الداعية المصري الراحل محمد الغزالي الى الرئيس الجزائري الاسبق الشاذلي بن جديد.. إليكم نص الجزء الأول من الحوار:
*
*
* بداية، ما هو رأيكم في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. أوباما رئيسا؟
*
**الانتخابات الرئاسية في أي بلد هي شأن داخلي، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، فإن آثار الانتخابات فيها تطال دول العالم سلبا وايجابا، بالنظر الى مركزها وقوتها. ونظرا لسياسات ادارة بوش الكارثية على مستوى السلم العالمي، وتحديدا على منطقتنا العربية والاسلامية، فإن انتصار اوباما الذي كانت له وعود إبان حملته الانتخابية بالتغيير على مستوى السياسة الخارجية، فإننا عبّرنا عن ارتياحنا لهذا النصر، في انتظار ان نلمس تغييرا واقعيا ملموسا في سياسة الادارة الامريكية تجاه العراق وفلسطين تحديدا ووقف الدعم للانظمة الدكتاتورية في منطقتنا والعالم.
*
*
* مارأيكم فيما يحدث في حركة حمس الجزائرية التي هي الأقرب لكم ضمن الاتجاهات الاسلامية في الجزائر.. وما صحة ما يتردد أنكم ضمن الأطراف الساعية للصلح بين الفريقين المتخاصمين فيها.. وأن أطرافا في حمس رأت أن ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية للحركة؟
*
**ما يحدث في حركة حمس شأن داخلي، ولدى الحركة من الكفاءات والقيادات ما يمكِّنها من تجاوز ما يعترضها من عقبات ان شاء الله، ولن نتردد في السعي خيرا بين اخواننا لو قدر لنا ذلك. ونحن لا نملك إلا أن نوصي بتعميق وتوسيع الشورى والبحث عن وفاقات داخلية، بديلا عن نهج المغالبات التي تفاديناها حتى مع خصومنا، فكيف مع رفاق دربنا.. الوحدة خير والفرقة ضرّ.. ولا مناص نهاية من احترام قرار الشورى وحكم المؤسسات. وما فاته انتصار اجتهاده اليوم فليصبر، فلعل الغد يواتيه. عقارب الساعة لم تتوقف، فلنصبر على بعضنا "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا".
*
*
* ذكرت الجزائر وشعبها بخير في كثير من المناسبات.. أي دور لعبته الجزائر في مسيرتكم.. وما ردكم على من يرون أنكم انحزتم الى موقف الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة وخالفتم رأي حركة حمس الجزائرية القريبة أكثر منكم؟
*
**للجزائر في القلب مكانة عظيمة، وأنا شديد الاعجاب بالشخصية الجزائرية محب لها، وممتن لفضل الجزائر علي وعلى أسرتي وإخواني، إذ آوتنا لعدة سنوات، فظلت بصمة الجزائر فصلا أساسيا في ملحمتنا. ولي في الجزائر صداقات أعتز بها، ممتدة من زعامات جبهة التحرير الى زعامات جبهة الانقاذ، مرورا بإخواننا في حمس والاصلاح والنهضة والتجديد، وبمناضلي حزب العمال. ولا أجدني مضطرا الى المفاضلة بين أصدقائي وأحبابي، فلهم جميعا سكن في القلب مريح، رغم ما يبدو من ميل أكبر الى بعضهم، وهو طبيعي ومفهوم، أخذا في الحسبان وضع مضطهد مشرد مثلي، سيكون الى سرب أمثاله أميل.
*
*
* كيف كان هروبكم من تونس الى الجزائر في نهاية ثمانينات القرن الماضي.. كيف كانت اقامتكم في الجزائر.. من ساعدكم واستضافكم.. ثم ماهي ظروف وملابسات خروجكم من الجزائر في بداية التسعينات؟
*
**غادرت تونس آخر مرة صائفة 1989على إثر التزييف الواسع للانتخابات وعودة حليمة الى عادتها القديمة وانكشاف حقيقة موعودات 7 نوفمبر بالديمقراطية، وأنه لا ظلم بعد اليوم!!، إذ عاد الحزب الحاكم يحتل كل مقاعد البرلمان دون استثناء، فكان شعور عام بالاحباط، وتشديد الرقابة البوليسية عليّ، الى حد الاختناق. في تلك الاثناء جاءتني دعوة من جمعية طلابية فلسطينية في ألمانيا لإلقاء محاضرة بمؤتمرها، فكاتبت الرئيس ألتمس الإذن بالسفر، فمكنني من جواز سفر بصلاحية سنة واحدة، فخرجت من البلاد بنية عودة سريعة، وكنت قبلها ممنوعا من مغادرة البلاد طيلة عشر سنوات، أمضيت نصفها في السجن، فتهاطلت عليّ الدعوات للمشاركة في ندوات وإلقاء محاضرات في الشرق والغرب، وكنت خلال ذلك أتابع تصاعد حالة التأزم في بلدي، إذ لم تكتف السلطة بتزييف الانتخابات وسلب النهضة وهي الفائز فيها حقها، بل صمّمتْ على الإزاحة النهائية لهذه القوة الصاعدة التي تأبّت على الاحتواء، فعمدت الى تبني خطة طورّتها عناصر ماركسية استئصالية معادية للاسلام وتراثه ودعاته، لم تحقق شيئا في الانتخابات، فتسربت الى أجهزة الدولة والحزب، سميت تلك الخطة خطة "تجفيف الينابيع" واستئصال الحركة الاسلامية والثقافة الاسلامية جملة، باعتبارها الارضية التي يمكن أن تجدد البناء، فتمّ تعيين رموز منها في مواطن حساسة، كوزارة التربية ولجان التفكير والاعلام في الحزب الحاكم، بل حتى في أجهزة البوليس، وبدأت بالتدريج حملات الملاحقة والاعتقال.. وكنت أتابع ذلك من الخارج وأتشاور مع القيادة في الداخل في مسألة عودتي، فكانت تستمهلني حتى ينجلي الأمر، وكنت أعيش متنقلا بين الغرب والشرق، أشارك في مؤتمر هنا وندوة هناك. خلالها زرت الجزائر مرتين مدعوا من قبل ملتقلى الفكر الاسلامي الذي نظم في تبسة، حيث تعرفت على وزير الشؤون الدينية وقدمني مشكورا الى السيد عبد الحميد مهري، الأمين العام للجبهة، حيث تعرفت عليه لأول مرة، ثم توثقت علاقتنا، وكان الأمين العام لجبهة التحرير شخصية مثقفة متزنة مجرّبة.
*
وبعد أشهر عقد مركز دراسات العالم الاسلامي ملتقى فكريا في العاصمة بالتعاون مع وزارة التربية، كان من بين المدعوين إليه الشيخان القرضاوي والغزالي رحمه الله وآخرون، أنا من بينهم. في ختام الملتقى تم استقبال المشاركين من قبل رئيس الجمهورية آنذاك السيد الشادلي بن جديد، فقدمني إليه الشيخ الغزالي بطلبي، والتمس منه في لقاء آخر له معه الإذن لي بالاقامة مع أسرتي في الجزائر، فسكت، فاستقدمت أسرتي بعد أن بان اتجاه الاوضاع الى مزيد من التازم في البلاد، فالتحقت بي الزوجة وأطفالي الخمسة متسللين، شأن غيرهم من الاخوة والاخوات عبر المناطق الحدودية الجبلية. أجّرت بيتا في بوزريعة وأقمت به دون أي تنسيق رسمي، وفعل مثلي العشرات من النهضويين. واضح أن هناك حالة من غض الطرف، وكان ذلك خلال ربيع الديمقراطية. كنت أتنقل من الجزائر وإليها بجواز تونسي، ثم لمّا انتهى ورفضت السلطة التونسية تجديده، حصلت على جواز سوداني. وقد ربطتّ خلال ذلك علاقات واسعة مع أوسع قطاعات النخبة الجزائرية من كل التيارات في الحزب الحاكم وفي المعارضة الاسلامية وغير الاسلامية، وهي حالة فريدة لم تتحقق لي في أي بلد آخر. ولذلك أحببت الجزائر والجزائريين من كل قلبي، إلا أن تأزم الأوضاع في بلدي قد اشتد بين سنتي 1991 و1992، وبلغ حد إعلان وزير الداخلية عن خطة انقلاب تعد لها النهضة!! وقاد ذلك الى تأزم علاقة السلطة التونسية مع السلطة الجزائرية بحكم إقامتي والعشرات من أخواني على أرضها، مما لم تتحمله السلطة التونسية التي اشتد ضغطها على مثيلتها، فتم إشعارنا بهذا الحرج، فبدأت رحلة تشرّدنا في العالم (موزعين على حوالي ستين دولة)، وما أحسسنا بالغربة حقا إلا يوم مغادرتنا الجزائر، حيث لاقينا كل التكريم من كل الاوساط، وحتى خروجنا كان عموما خروجا كريما سمحا، وتفهّمنا الظروف التي اقتضته، رغم ما لحقنا بعده من تشرد في العالم وأهوال. لعله جزء من قدر الله في التمكين للدعوات لمّا تستكمل بنجاح الامتحانات الضرورية "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات، فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماما".
*
وكما قال الشافعي لمّا سئل: خير للدعوات أن تبتلى أو تمكّن؟ فأجاب: وهل تمكّن حتى تبتلى؟ وبعد أشهر من مغادرتي واستقراري ببريطانيا التحق بي أفراد أسرتي لا يحملون أي وثيقة حقيقية أو مزيفة، فقُبِلوا معي لاجئين سياسيين، وفشلت السلطة في إقناع أي دولة أروبية بإرهابية النهضة، إلا أن أولادي وبعد عقد ونصف ظلوا يحملون أجمل الذكريات عن محطة الجزائر وزملاء الدراسة والجيرة الطيبة.
*
الجدير بالملاحظة أيضا أنه رغم أن الحملة ضد النهضة قد بدأت إثر انتخابات 1989، عقابا على فوزنا فيها، حتى ازدحمت السجون بعشرات الآلاف من النهضويين، وإن محاكمتهم لم تبدأ إلا في صائفة 1992، وذلك بعد أن اطمأنت السلطة تماما الى انهيار التجربة الديمقراطية في الجزائر وغرقها في أتون فتنة عمياء وانشغالها بمصائبها وخروجها الى حين من معادلة المنطقة، حتى ما عادت في بعض الظروف قادرة حتى على حماية مواطنيها، فظلوا يتعرضون خلال زياراتهم لتونس لقدر غير قليل مما أدمنت عليه السلطة التونسية من نهج تعامل مع مواطنيها في ذهول تاريخي عن حقيقة إن الشعوب كالافراد وككل كائن حي معرّض للصحة والمرض، إلا أن أوضاع المهانة التي تعيشها شعوبنا لن تستمر طويلا بإذن الله. وعد الله للأمة بالنصر لن يتخلف إذا هي استقامت، وهي بصدد ذلك، تتعافى وتتطهر "إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب". جراح شعوبنا عميقة ومنها الجرح الجزائري الذي ولئن نجح الرئيس بوتفليقة الى حد في كفكفة دمائه وخياطته، إلا أنه يبدو أن عملية تنظيف ضرورية ومتقنة قبل ذلك لم تتم، الأمر الذي ترك مجالا للتقيّح، ما دامت الاسباب الحقيقية التي أدت الى الكارثة: الإقصاء، لم تعالج في العمق. هل بقي مجال للاستدراك؟ ذلك هو الأمل، في بلد أصيل تعوّد على الحلول الجذرية وليس على الترميم؟ وذلك درس ثورته المجيدة. أسال العزيز الرحيم الهداية والتسديد والرشاد لنا جميعا.
*
*
* هناك الكثيرون في ما يسمى بالمعسكر العلماني الحداثي في تونس وغيرها من يرى أن أفكاركم تنويرية ومعتدلة فعلا وحتى "ديمقراطية"!.. غير أنهم يرون أن أفكاركم ليست إلا تنظيرا و"بيع كلام" فقط.. ولو تمكنتم من السلطة لأظهرتم وجهكم "التيوقراطي" الحقيقي!.. ما ردكم عليهم؟
*
**هذا حكم على النوايا، وهو سيف يمكن أن يُسلط على الجميع، فمن يضمن ان هؤلاء الحداثيين كما وصفت سيكونون أوفياء لتنظيراتهم حول الديمقراطية عندما يستلمون الحكم، خاصة وأن الانظمة الاستبدادية في منطقتنا أغلبها تزعم الانتساب الى الحداثة والتنوير. نحن نعتقد انه لا يملك أحد الحكم على النوايا، إذ لا يعلم الغيب إلا الله، وبالتالي يجب ان نحتكم الى الممارسة والواقع، وسيكون للشعب حرية اقرار التجربة أو رفضها عبر آليات الديمقراطية التي ستكون لها مؤسساتها التي تحميها. ومصبّ هذه المجادلة هو حوض الدكتاتورية، تسويغا لنهجها الاقصائي مرة باسم الخوف على الحداثة من الاسلاميين ومرة بالخوف على الاسلام من الشيوعيين والحداثيين، فليبرأ الجميع من خدمة الدكتاتورية، فالحرية إما أن تكون للجميع فيجب أن يناضل من أجلها الجميع أو لن تكون لأحد.
*
*
*كيف ترون الأوضاع في تونس؟ هناك من يرى في تونس سواءً من عامة الناس أو النخب السياسية المعارضة انه ليس هناك حريات وديمقراطية في تونس، لكنهم لو خيروا بين "الأمرَّين": حكم النظام الحالي وحكم حركتكم لاختاروا النظام الحالي؛ لأنه حتى وإن كان غير ديمقراطي، فإنه على الأقل لا يتدخل في حريتهم الشخصية، كاللباس مثلا.. ما ردكم؟
*
**تشهد تونس حالة انسداد سياسي بسبب اصرار النظام على الاستهانة بالمجتمع وقواه الحية واعتماده الاسلوب الأمني في معالجة القضايا السياسية وإعراضه عن الحوار، فصار متعذرا حتى على الاحزاب المعترف بها ان تجد مكانا لعقد اجتماعاتها مثلما حصل بالنسبة للاجتماع الاخير للجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الذي افتتح في الشارع، بعد ان أوصدت في وجه الحزب الفضاءات العامة، بالاضافة الى التعذيب والاعتقالات التي طالت ما يزيد عن 1500 من الشباب المتدين في اطار التزلف للقوى العظمى بدعوى مساندتها في حربها على الارهاب، فأصبح العنف هو الخيار الوحيد بالنسبة للسلطة لمواجهة المطالب الاجتماعية مثلما هو الشأن بالنسبة لجهة ڤفصة والحوض المنجمي، حيث سقط عديد المواطنين بين شهيد وجريح، وطال الاعتقال العشرات بسبب مطالبتهم بالشغل والعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة.
*
ورغم نسب النمو التي تدعيها السلطة، فإن تاريخ تونس الحديث لم يشهد هجرة عشيرة بكاملها الى دول الجوار (الجزائر) بسبب الجوع، الا في ظل هذا النظام، كما ظهرت في ظله قوارب الموت التي ذهب ضحيتها العشرات من الشباب الهارب من "الجنة التونسية"، فضلا عن معاناة المساجين السابقين المحاصرين في قوت يومهم والممنوعين من العمل والعلاج والوثائق المدنية، مثل جواز السفر، بل أن بعضهم منفي في وطنه مثلما هو شأن الصحفي عبد الله الزواري الممنوع من الاقامة مع عائلته في الشمال التونسي منذ 5 سنوات. والدكتور أحمد الابيض.. كما تمنع النساء من ارتداء الحجاب. وفي هذا الاطار، تواجه الطالبات حملات طرد ومضايقات مستمرة تتجدد مع بداية كل سنة، فيمنعن من التسجيل في المعاهد والجامعات ويحرمن من حقهن في المبيتات الجامعية ويمنعن من إجراء الامتحانات دون احترام لأبسط الحقوق الشخصية للإنسان في اختيار لباسه، فضلا عن ان يكون ملتحيا؛ فقد عمدت كلية اصول الدين مؤخرا الى اجبار جميع الطلاب على التوقيع على التزام يتضمن عدم ارتداء الحجاب الذي تطلق عليه الجامعة اسم "الزي الطائفي" وحلق اللحية التي لم تعد كما يبدو لإدارة جامعة الزيتونة الإسلامية من السنة في شيء.
*
في ظل هذا الواقع الذي يجمع الجميع حسب سؤالكم على انسداده وغياب الحريات والديمقراطية فيه، وطال تدخل السلطة الشأن الشخصي للانسان المتعلق بمظهره ولباسه، لست أعلم أي فضل لمثل هكذا نظام عن النظام الثيوقراطي الذي تدعي ان البعض يخشى أن يسود في ظل حركتنا. ومع ذلك، نجدد التأكيد لمن يصر على تجاهل طبيعة حركتنا، أن ليس في الاسلام مكان لحكم رجال الدين يحكمون باسم السماء وإنما حكم الاسلام هو حكم القانون، حكم الشريعة، حكم مدني يختاره الناس ويتولون مراقبته، وهم أصحاب الحق المطلق في الابقاء عليه أو صرفه عن الخدمة. نحن نرفض الحكم الثيوقراطي، نرفض احتكار النطق باسم الاسلام، وإن كان الاسلام مرجعيتنا الاساسية، وبالتالي فلا مجال في إطار فهمنا للاسلام للتدخل في الحريات الشخصية للمواطنين، أو فرض نظام ضد إرادتهم العامة، المعبر عنها في انتخابات حرة تعددية، لا يُقصى من حق المشاركة فيها والمنافسة مواطن، بصرف النظر عن جنسه ورأيه ومعتقده.
*
*
* في السياق نفسه، هناك من يرى أن تونس مهما اتفقت واختلفت مع نظامها، فإنها على الأقل تنعم باستقرار ورخاء اقتصادي نسبي بالمقارنة مع امكاناتها الاقتصادية والثروات الطبيعية القليلة التي تتوفر عليها.. والأفضل لها أن تبقى هكذا على أن تفتح الباب لمغامرات ديمقراطية غير محسوبة تعطي الفرصة لتيارات دينية خطرة مثل حركتم.. ما ردكم؟
*
**الحديث عن الرخاء الاقتصادي هو من قبيل الدعايات السخيفة التي تروِّج لها السلطة ولا يليق بصحيفة محترمة مثل "الشروق" ان تنطلي عليها مثل هذه الدعايات، خاصة وأن بلدكم استقبلت عائلات تونسية فرت من الرخاء بحثا عن لقمة العيش. كيف يمكن الحديث عن الرخاء في ظل نسبة بطالة تصل الى 25 %؟ إن نسبة النمو نفسها التي تدعيها السلطة وتتراوح بين 5 و6 في المائة لا تتيح لأحد الحديث عن الرخاء، فكيف اذا كان الأمر أقل من ذلك، وتشهد عليه انتفاضات الجنوب في ڤفصة والقصرين للمطالبة بالشغل والعدالة في توزيع الثروة وتحقيق التوازن بين الجهات، فضلا عن آلاف الشباب الذين يركبون المخاطر يوميا فرارا من "الرخاء" في اتجاه اوروبا التي تقر بأزماتها الاقتصادية. إن الواقع يشهد على وجود مئات الآلاف من العاطلين، وبالخصوص من حملة الشهادات، يكافحون من أجل إسماع أصواتهم علّ أمثالكم من الاعلاميين يستمعون الى مأساتهم ويعدّلون من صورتهم الوردية للواقع التونسي، ويتحررون من المشهد التونسي السياحي البراق فتقع أنظارهم على تونس الحقيقية.. تونس الأعماق، وأسيجة الفاقة المحيطة بالمدن منذرة بالانفجار والحريق.
*
أما ما تسميه بالاستقرار، فهو نتيجة القبضة الأمنية المسلطة على الشعب، والفرق واضح بين الاستقرار الذي يتأسس على رضى الشعب والأمن والأمان الذي ينعم به عموم المواطنين وحالة السكون التي تنبع من الخوف ويحكمها 130 ألف بوليس (أي ما يوازي عدد رجال الأمن في فرنسا وتعدادها يتجاوز 50 مليون). من الوهم الاعتقاد ان هذا السكون يمثل الاستقرار؛ لأن مثل هذا الوهم سرعان ما سيتبخر عندما يرفع الشعب عن كاهله حاجز الخوف، وهو ما نتمنى ان يدركه الجميع حتى تتجنب بلادنا مزيدا من الكوارث هي في غنى عنها لو أحسن القائمون عليها قراءة الواقع بدلا من الإمعان في التزييف.
*
*
*
تتابعون في الجزء الثاني من الحوار مع رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي:
*
*
* هل تقبل حركة النهضة المشاركة في تحالف رئاسي في تونس يطبق برنامج الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على غرار حمس الجزائرية؟
*
* لماذا منعت إيران الغنوشي من دخول أراضيها.. وهل لذلك علاقة بموقفه المدافع عن الشيخ القرضاوي في تصريحاته الأخيرة حول التبشير الشيعي؟
*
* لماذا يعتقد أن السلطة تفسح المجال أمام الدعوة الشيعية في تونس؟
*
* هل تتحمل التيارات الإسلامية بما فيها الإخوان المسلمون بروز تيار القاعدة السلفي التكفيري في المغرب العربي؟
*
* لماذا يعتقد أن القرن الحالي هو قرن الإسلام؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.