كل عطلة فيها خير” هي أكثر العبارات تداولا والتي تتكرر بشكل واسع على ألسنة الجزائريين والتي تحث وتحرّض صراحة على إهدار الوقت وتضييعه في الجزائر خاصة عند ذهابك لاستخراج وثائق إدارية معينة.. “كل عطلة فيها خير!” شعار الجزائريين في العمل “ فلا تصدّق إذا قال لك موظف ما: عُد غداً لإكمال الإجراءات، فإن الإجراءات لم ولن تُكتمل إلا بعد غد أو بعد أسبوع أو حتى شهر، لا يهم لأن الموظف في عطلة مرضية أو ذهب في مهمة ما !! هذا هو الداء المزمن الذي ينخر الإدارة الجزائرية على كافة المستويات.. فهل من دواء؟ ولماذا لا نحترم الوقت والمواعيد؟ وهل لدينا ضوابط لاحترام الوقت؟ وهل فعلا في كل عطلة خير؟ مكاتب دون موظفين وسياسة عُد غدًا ! خلال جولة قامت بها “الفجر” لبعض المؤسسات والإدارات والهيئات العمومية عند الساعة الحادية عشرة صباحًا وجدت مكاتب مكتظة بالمواطنين ولكنها خالية من الموظفين بحجة أن وقت الغذاء قد حان، وتكرر نفس السيناريو عند الساعة الثالثة ظهراً حيث المكاتب بدون موظفين والحجة هذه المرة نهاية الدوام الرسمي اليومي!! وهذا حال معظم المؤسسات والإدارات العمومية، وإذا حدث وأن أُعلن مسبقًا أن ندوة ما تبدأ في العاشرة صباحًا أو الثانية بعد الظهر أو السابعة مساء فإنها لا تبدأ إلا بعد انتظار طويل وممل و شاق..! وإذا قالوا لك إن الاجتماع سيبدأ بعد صلاة المغرب مباشرة فإنه لا يبدأ إلا بعد صلاة العشاء مرفوقة بالنوافل!! وإذا قال لك موظف عُد غداً لإكمال الإجراءات، فإن الإجراءات لا ولن تكتمل إلا بعد غد أو بعد أسبوع أو حتى شهر لأن الموظف في عطلة مرضية أو ذهب في مهمة ما!! هذا هو الداء وهذا هو حال أغلب الجزائريين اليوم لا يحترمون الوقت. أما في المكاتب الحكومية -مثل المحاكم والمجالس القضائية ومكاتب استخراج وثائق الحالة المدنية بالبلديات والدوائر- فقليل من الموظفين يحضرون مبكرًا وكثيرون منهم يتأخرون بشتى الأعذار التي يختلقونها اختلاقًا وما أن يجلسوا في مكاتبهم حتى يحين وقت الغذاء وهنا يرى المواطنون المنتظرون العجب العُجاب وتمضي ساعة من الوقت أو أكثر قليلا حتى ينتظم العمل مرة أخرى، وبعد ذلك يبدأ الروتين الممل وتبدأ العبارة المشهورة والخالدة والمستفزة “اذهب وعُد غدًا”، وهكذا يغادر المواطن المغلوب على أمره المكان مُحبطاً كئيبًا، وهكذا تقل ساعات العمل ويتدنى الإنتاج والإنجاز. كذلك أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى الآثار السلبية للمواطن الجزائري والمتمثلة في عدم الحماس للعمل عموماً، والعمل اليدوي خصوصاً، وبروز عامل الكسل والخمول في الأداء بالإضافة إلى التسيب واللامبالاة وعدم الانتظام في العمل والتغيب لأتفه الأسباب، وترك العمل أثناء الدوام الرسمي لزيارة المرضى والتعازي، وتناول الوجبات السريعة وشرب القهوة أو الشاي أو العصير في مكاتب الدولة أثناء ساعات العمل وتأجيل قضاء حوائج العباد “عُد غدًا، أو تنقصك الوثيقة الفلانية، أو اذهب إلى المكتب أو المصلحة الفلانية... إلخ”. العامل الجزائري أكثر كسلا من نظرائه العرب والأفارقة أشارت دراسة أكاديمية قام بها عدد من الأساتذة الجامعيين وبعض الجمعيات التي لها علاقة بعام الشغل في الجزائر تحصلت “الفجر” على نسخة منها أن العامل الجزائري يعتبر من بين أكثر العمال كسلا وخمولا في أدائه لعمله مقارنة بنظرائه في الوطن العربي والقارة الإفريقية، وأنه لا يعمل إلا 13 دقيقة فقط خلال كل ساعة زمن وأن ساعات العمل المهدورة من طرف العمال الجزائريين تقدر بملايين الدولارات يوميًا. كما أن العامل الجزائري كثير الغياب عن عمله لأسباب أقل ما يقال عنها إنها تافهة وغير مبررة بتاتًا، حيث إن معدل غياب العامل الجزائري هو الأكثر ارتفاعًا على المستوى الدولي حسب ذات الدراسة. وتفيد نفس الدراسة أن آليات وقوانين تنظيم العمل المعمول بها في الجزائر هي المسؤولة عن ارتفاع نسبة كسل وخمول العامل الجزائري لأنها قوانين غير ردعية ومتسامحة كثيرًا. علاقة العامل الجزائري بوظيفته: هل هي حب ورغبة أم مجرد وظيفة؟ كثير من الموظفين يعملون في المؤسسات والشركات والإدارات العمومية والخاصة ومنهم من يقوم بواجبه على أكمل وجه، فيما البعض الآخر يؤدونه بسبب الواجب الملزم عليهم وآخرون يستمرون به من أجل الحصول على الراتب الذي يعتبرونه أساس حياتهم، وبعضهم يقومون بأعمالهم حبا لمهنتهم وإحساسهم بالحب اتجاه العمل. وفي هذا الإطار، قال وليد بوشوف، موظف في إحدى البنوك بأم البواقي: “إن هناك من الموظفين من لا يأتون إلى مكان عملهم وإتمامه حبًا فيه أو رغبة فيه، وإنما لإحساسهم بأنهم مجبرين على القيام به مقابل راتب مالي في آخر الشهر لا أكثر ولا أقل”. أما عبد الكريم.ك، موظف بمصلحة الحالة المدنية ببلدية عين مليلة فيقول “إن هناك موظفًا يعمل معي في نفس المصلحة يقوم بتكليف ما عليه من أعمال لبعض زملائه عن طريق التعذّر بأن لديه مشاكل وعليه إتمامها”. وأشار إلى أن العمل إن لم يلق قبول صاحبه ويكون عمله نابعًا من المحبة فلا يمكن أن يكمله بالطريقة المناسبة؛ فيما يقول هشام بلحاتم، موظف إداري بمؤسسة سونلغاز:”إن محبة الشخص لعمله تجعله يؤديه بأمانة وإتقان وذلك يؤدي إلى اكتساب ثقة الزبون”. ويرجع الأستاذ دحدوح سمير، أخصائي في علم الاجتماع، تهاون العامل الجزائري في أداء مهامه المنوطة به وتكاسله تارة وممارسته للبيروقراطية وتعطيل مصالح المواطنين والزبائن تارة أخرى إلى انعدام الحوافز ومحدودية الرواتب الشهرية والأوضاع الاجتماعية والمعيشية الصعبة من جهة والمزاج المتقلب للمواطن الجزائري وعصبيته المبالغ فيها من جهة أخرى، حيث إن هناك الكثير من الموظفين تعرّضوا لاعتداءات جسدية ولفظية عنيفة أثناء تأديتهم لمهامهم الوظيفية من طرف بعض المواطنين الغاضبين لأسباب مختلفة. قدسية العمل.. المفهوم الغائب للعمل قدسيته التي ينبغي التعامل معها بجدية. ولا يمكن أن يُستهان بهذه القدسية، فالانضباط في العمل هو المفتاح لتطور وتقدم الشعوب. ويرى السيد محمد زياد، عضو بالفرع الولائي للاتحاد العام للعمال الجزائريين بأم البواقي، أن قوانين العمل الدولية تقع تحت مظلة منظمة العمل الدولية الاتفاقية رقم “470” والتي تنصّ على أن ساعات العمل الرسمية خلال الأسبوع تحدد بخمسة أيام، أما العمل في الجزائر فساعات العمل فيها تختلف حسب الدرجة الوظيفية، فمثلاً الدرجات من السابعة فما فوق عدد ساعات عملها سبع ساعات أما فئات الدرجات من الثامنة فما دون عدد ساعات عملها ثماني ساعات، فبالنسبة للعاملين بالفرع الولائي للاتحاد العام للعمال الجزائريين بأم البواقي فإن زيادة ساعات العمل لها مكاسب اجتماعية واقتصادية، فمسألة الانضباط واحترام الزمن جيدة، فبعض الموظفين يبقون في مقار عملهم إلى ما بعد زمن دوامهم الرسمي وهم في غاية الرضى، كما أبدى عدد كبير منهم ارتياحهم للتوقيت العملي الجديد، والتزموا بالحضور في التوقيت المحدد، حيث إن الحضور والانصراف يتم بتوقيع رسمي سواء كان في الكشوفات أو بواسطة البطاقات الإلكترونية. ويضيف زياد “لابد من السير قدماً على هذا المنوال لما فيه من مكاسب كبيرة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن الراحة النفسية التي يجدها العامل”. أما الأستاذ عبد الرشيد مسرغين، مدير مدرسة بأم البواقي، فيقول: “واجه قرار تغيير العطلة الأسبوعية بعض الصعوبات التي تختص بالتطبيق من قبل الإدارات والمتعاملين مع الجمهور والفئات المختلفة من اتحادات ونقابات وإجراءات، ويمكن النظر لبعض الدول التي تساعد في دعم القرار بسلسلة من الإجراءات الاحتياطية لضبط مسار التجربة، حيث يتم تطبيق القرار بفاعلية تمكّن من الاستفادة القصوى من هذا القرار، وعليه يمكن عمل عدد من الإجراءات لمجابهة بعض العوامل السلبية في عملية التطبيق”. ويرى من جملة هذه الإجراءات عوامل ضبط العمل وتتمثل هذه العوامل في الترحيل لتأمين وصول العامل في الزمن المحدد للعمل، ما يساعد على كسب القيمة الأساسية للوقت، ويتطلّب ذلك سلسلة من الإجراءات الإدارية المتتابعة لتسيير حركة النقل والمواصلات. ويجب أن نضع في الاعتبار عملية الإدارة الفعلية المتمثلة في إدارة الخدمات أو الإدارة العامة، حسب المسمى في الوحدة الإدارية. كذلك من الإجراءات عوامل دوافع العمل بزيادة الإنتاجية والفعالية والكفاءة وذلك بتحسين وترغيب هذه الدوافع والمتمثلة في الدوافع المعنوية والمادية التي تشتمل على دور النقابات واتحادات العمل في تبصير العاملين بأهمية العمل وتنظيم إدارة الوقت لزيادة الإنتاجية مع مراعاة الحالة النفسية والسلوك الوظيفي والمهني ورفع الروح المعنوية والرضا الوظيفي، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار العمل بنظرية الحوافز ودوافع العمل وصرف المرتبات والأجور في الوقت المحدد عند نهاية الدوام. ويضيف أن من الإجراءات كذلك عوامل البيئة والمحيط ومناخ العمل والعوامل الإدارية، وتشمل عوامل بيئة العمل توفير البيئة المناسبة من كهرباء ومياه ومنافع وحوافز ومراعاة الوجبات الغذائية بطرق تقلل من هدر الوقت، كما يجب أن تضع في الاعتبار عوامل المناخ المختلفة مراعاة لظروف العاملين، أما العوامل الإدارية فتتمثل في تفهّم الإدارة العليا لهذا القرار ومدى فاعليتها في إدارة الوقت ويتطلّب ذلك تدريب المدراء والمؤطرين لهذه العملية في شكل ندوات ومحاضرات وورش عمل وثقافة عامة. التطبيق الصارم لقوانين العمل الحل الأمثل أما عمر خير الدين، أستاذ جامعي في علم الاجتماع، فيقول: “احترام الوقت واجب وهو الشيء الوحيد الذي إذا فات لم يرجع ولا يُعوّض، وهناك بعض النصوص الواردة في قانون العمل تساعد على ضبط الموظفين للعمل، فمكاتب العمل مرتبطة بالجمهور والزبائن، وإذا لم يحاسبك مكتب العمل يحاسبك الجمهور”. ويضيف: “لتنفيذ المشروعات هنالك بعض اللوائح لبعض الشركات تعتبر عقوبات، مثلاً التأخير عن العمل لمدة “15” دقيقة فأكثر دون إذن أو عذر مقبول ينذر كعقوبة أولى وثانية وثالثة وكعقوبة رابعة ينذر إنذارا نهائيا، وأخيراً تفصل بعض المواد من قانون العمل كذلك الخروج قبل مواعيد العمل دون إذن أو عذر مقبول أو الغياب عن العمل ينذر ويخصم منه ثم يفصل”. ويقول “هنالك مجموعة من العقوبات لبعض الشركات في بعض الثغرات كترك مواقع العمل والعمل في مكان غير تابع للعمل واستعمال الآلات أو أدوات العمل لأغراض شخصية واستغلال الوظيفة لأغراض شخصية، بالإضافة إلى النوم أثناء ساعات العمل الرسمية وفي غير الوقت المحدد”. الحل في تحريم وتجريم خروج الموظفين من مكاتب عملهم ويؤكد الخبراء ضرورة إعلان ثورة عامة وحازمة من قبل الحكومة الجزائرية لاحترام الوقت وتحريم وتجريم خروج الموظفين من مكاتبهم مهما كانت الأسباب مع استثناء الحالات الخاصة والإنسانية الطارئة المنصوص عليها في قانون تنظيم العمل. ويرون أن الحكومة قادرة على إلزام الموظفين والعمال بعدم إهدار الوقت ومباشرة العمل طيلة ساعات اليوم المحددة حتى تنجز الأعمال أولاً بأول وحتى تختفي للأبد عبارة “اذهب وعُد غدًا...”!! كما أنها قادرة على وضع لائحة تحقق الانضباط وتمنع ضياع الوقت بأن يكون الأميار والولاة والوزراء والمدراء التنفيذيون وكبار المسؤولين قدوة لموظفيهم ورفع شعار “الوقت للعمل ولا شيء غير العمل”، “أداء الواجب أول بأول”. وباستطاعة وزراء التربية الوطنية ووزراء التعليم العالي والبحث العلمي ومدراء الجامعات والمعاهد والمدارس ورياض الأطفال المساهمة في تربية الأطفال والشباب على احترام الوقت وإنجاز الواجبات في حينها، كما للوالدين وأولياء الأمور والدعاة والأئمة وأصحاب الأقلام والأفلام والمسرحيات دور كبير في علاج هذا الداء.