رغم انتهاء الموسم الدراسي وغلق المؤسسات التربوية أبوابها لم تنته رحلة الصيف والشتاء للمئات من أولياء التلاميذ، الذين لم يستطع أبناؤهم الانتقال إلى القسم الأعلى، حيث يحاولون جاهدين، منذ ماي وإلى غاية شهر سبتمبر، البحث عن من يضخم النقاط والمعدلات على الكشوف، بما يسمح بالانتقال والنجاح دون الاكتراث بعواقب ذلك أو تكلفته أمهات يدفعن 3 آلاف أورو من أجل نقطة إضافية لأولادهن ما شجع على انتشار تزوير النقاط وتضخيمها، وفتح المجال ل”بارونات” ظاهرة تضخيم النقاط، والتي أبطالها أساتذة ومدراء وحتى حراس وعمال نظافة، وتكشف الأرقام أن 17 ألف ولي عملوا المستحيل من أجل نقطة، ووصل الحد بإحدى الأمهات إلى دفع 3 آلاف أورو، فيما حاولت أخريات حتى تقديم أجسادهن مقابل انتقال ابنها إلى سنة أعلى.. والكارثة أن هذه الظاهرة تستمر حتى في الجامعة. ظاهرة تضخيم النقاط ملف تحاول “الفجر” من خلاله الإجابة على تساؤل مهم جدا، ولطالما تبادر إلى ذهن كل واحد منا في مرحلة معينة من حياته، تساؤل سيسلط الأضواء على كوارث في بعض المؤسسات التربوية، التي أضحت تتاجر بنقاط الامتحانات، حتى الرسمية منها، دون علم الوزارة الوصية، باعتبار استحالة وضع مراقب أو مفتش على رأس كل أستاذ أو مدير، رغم الجهود العديدة التي يبذلها وزير التربية أبو بكر بن بوزيد من أجل تطوير المدرسة الجزائرية وتقديم الأحسن للمتمدرسين ومؤطريهم. “هل التنقيط مقياس لمستوى التلميذ؟” هو السؤال الذي حاول مجلس ثانويات الجزائر الإجابة عليه في تقرير أعدته الأستاذة زينب الهامل، والذي يكشف واقعا آخر حول التنقيط، مؤكدة أنه “كان المتعارف عليه أن المدرس يقيّم إجابة التلميذ وفق سلم يرسمه مسبقا لكل استجواب أو فرض كتابي أو اختبار، فتكون العلامة المتحصل عليها موافقة لمستوى الإجابة، لكن الواقع يكشف مع الأسف بأن التنقيط لم يعد مقياسا لمستوى الكثير من المتمدرسين”. ويعود الأمر حسب بحث الأستاذة الهامل في الموضوع ميدانيا وبحكم تجربتها الطويلة في ميدان التعليم “إلى تجرد معظم التلاميذ من الاجتهاد والانضباط والمواظبة تحت وطأة غياب دور الأولياء واكتظاظ الأقسام، وكثافة البرامج وجداول التوقيت المرهقة، إذ أصبح همهم الوحيد هو الحصول على نقاط لضمان الانتقال إلى الصف الأعلى، فالتلميذ لا تهمه الإجابة النموذجية التي يكتبها الأستاذ على السبورة، قبل إعادة أوراق الإجابة مصححة أو منقطة، ولكن ما إن يتسلم وثيقته بنقطة غير مرضية حتى يشرع في الاحتجاج بشدة، فيهدد الأستاذ ويتوعده، إلى أن يرضخ هذا الأخير ويعدل النقطة”. ومن الطبيعي أن لا يخطئ مرة أخرى في حق هذا النوع من المتمدرسين ماداموا يفرضون أنفسهم بأسلوب يحرج الأستاذ ويقلقه، يضيف التقرير الذي أكد “أن هذا يخص فئة من التلاميذ خاصة عندما يدركون أن الأستاذ غير مرسم، ويخشى فقدان منصبه إذا احتج التلاميذ لدى الإدارة، التي يزداد ارتياحها إلى الأستاذ كلما ازداد رضا التلاميذ عنه”. وأضافت زينب أن هناك فئة أخرى من التلاميذ يعلقون على النقطة تعليقا فيه استهجان، لكنهم لا يعلقون كثيرا، وعندما يعلمون قبيل موعد انعقاد مجلس القسم بأنهم معرضون للرسوب لعدم تمكنهم من الحصول على المعدل الفصلي المطلوب، عندئذ يتصلون على عجل بالأساتذة سواء بطريقة مباشرة، عندما يكون باستطاعتهم التأثير فيهم، أو بطريقة غير مباشرة، عن طريق أستاذ أو عون إدارة أو عون نظافة أو مساعد تربوي أو حتى المدير نفسه، وهم يتصلون دائما بمن ثبت أنه يمكن الاعتماد عليه في مثل هذه الأمور حتى لا يخيب أملهم، وهذا ما أكده رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ، أحمد خالد، في تصريح ل”الفجر”، ووفق التقارير التي وصلته من ولايات عدة، والتي أثبتت أن الأستاذ يضيف النقاط التي يطلبها التلميذ حتى ينقذ المعني من شر الرسوب، في الوقت الذي يلح فيه بعض الأولياء على الأساتذة ويتوسلون إليهم بعرض الظروف الصعبة للتلميذ، أو بالكشف عن علاقة القرابة أو علاقة الجيرة التي تربطهم بهم، فإذا كان للتلميذ قريب يشتغل بمديرية التربية أو بالوزارة الوصية، فمن مصلحة المؤسسة جميعها ضمان نجاح “الوريث”!، “هكذا ندرك بأن تضخيم النقاط لا يتم مجانا حسب قول معدة التقرير، التي أشارت إلى غيابات الأساتذة المتكررة، التي تتم تغطيتها من قبل مسؤولي المؤسسات، حيث قالت إن الأستاذ كثير الغياب “يغطي” على غيابه، وأما المتهاون في القسم فسوف يتقي غضب التلاميذ وسخط الإدارة. أساتذة يحولون عطلة نهاية الأسبوع والأحد إلى أيام للتجارة أما بعض الأساتذة المشغولين ببيع الأواني وتربية الأغنام، فسوف يعفون أنفسهم من مشقة التصحيح، حسب التقرير، حيث طرحت في هذا الشأن قضية هجرة العديد من الأساتذة للمؤسسات التربوية بهدف التجارة، حيث أن حالات عديدة من هؤلاء يغتنمون عطلة نهاية الأسبوع، في السفر إلى خارج مؤسساتهم، لمتابعة أعمالهم التجارية، فعينة من المؤطرين يتواجدون في أقسامهم ثلاثة أيام إلى أربعة أيام في الأسبوع فقط، على غرار الأستاذ “س.ج” الذي يغيب كل يوم أحد عن ثانويته باعتباره يتواجد طيلة أيام الجمعة والسبت والأحد في القرية من أجل تسويق أغنامه ويغطي عليه مديره، ليعود إلى العاصمة وإلى تلاميذه يوم الإثنين من كل أسبوع! وأما الأستاذ الجدي فإنه سيحظى بالراحة ذلك لأن المدرسين نوعان، بناء على التصنيفات التي وضعها ذات القرير، فإما أن يعتبر الأستاذ طيبا عطوفا ودودا، فيكسب سمعة تجعل المتمدرسين يدخلون قسمه وهم متأكدون مسبقا من الحصول على نقاط حسنة، وإما أن يكون الأستاذ صاحب سمعة سيئة لأنه ينقط بدقة ويشدد ويرفض منح النقاط، فيكون مكروها ينتقم منه التلاميذ بإثارة الشغب وإمضاء التقارير للشكوى منه، ويصل الأمر أحيانا إلى المشادات الكلامية والشتم والتهديد. أما بعض الأساتذة فيطلبون من التلاميذ متابعة دروسهم الخصوصية وتلك فرصة تستغل لإطلاع التلميذ على أسئلة الفروض والاختبارات قبل موعد إجرائها مرفوقة بالأجوبة، وهي الصفة التي أصبحت سائدة، تقول زينب، و”هكذا يفوز الكسول دون أن يبذل مجهودا، وقد يتعثر المجتهد الذي يعتمد على نفسه فقط” حسبها. وأضافت الأستاذة الهامل أنه “قد يقوم بعض الموظفين بمغامرة، فيضيفون النقاط المطلوبة مباشرة في الكشف دون اللجوء إلى الأستاذ “المسموم” الذي لا أمل فيه، وعند اكتشاف التزوير تحدث المشادات الكلامية ثم يغلق الملف لأن الفضيحة لا تشرف المؤسسة، وقد تفتح المجال لقيام لجنة تحقيق، بالكشف عن تجاوزات أخرى، فإذا كان الأستاذ جديا بمعنى الكلمة، ولا أحد يجرؤ على تزوير نقاطه، فإن موظفا معينا سيقوم بتسريب الأسئلة قبل الاختبار لفائدة تلميذ يوصلها إلى أصحابه أيضا فيفاجأ الأستاذ بإجابات فريدة من نوعها يقدمها تلاميذ انقطعوا عن الحضور في الفصل الثالث، وفقدوا كراس المادة في الفصل الثاني، وفي هذه الحالة لا يجد وسيلة لإدانة الغشاش. ويوضح التقرير أن عملية تضخيم النقاط تتخذ سبلا وطرقا كثيرة، جمعتها السيدة زينب التي أشارت إلى طريقة أخرى لتضخيم النقاط لا تملك فيها الإدارة وسيلة لإدانة الأستاذ الذي يغش، حيث يصوغ أسئلة سهلة جدا تمكن الجميع من الظفر بنقاط حسنة، ويفعل هذا لكي يسهل على نفسه مهمة التصحيح، في حين أن التضخيم في مراكز الإغفال، لا أحد يجرؤ على كشفه وتقديم الأدلة التي تثبته، ويكون جزاء من يرتكب هذه المخالفة الإقصاء من العمل في مركز الإغفال. البحث عن التكريم وتفادي عقوبات نهاية سنة يساهم في تفشي ظاهرة تضخيم النقاط بالمدارس وأكدت مصادر نقابية في ذات السياق أن واقع تضخيم النقاط ناتج عن غياب المراقبة وتهاون المسؤولين في تأدية دورهم الحقيقي، على غرار ما تشهده ولاية أدرار التي تحولت مؤسساتها إلى هيئات للمتاجرة من طرف المدراء، مؤكدا أنه لا رقيب للتجاوزات الحاصلة في هذه الولاية، ولا توجد متابعة لنتائج التلاميذ في ظل النتائج الكارثية المسجلة سنويا في الامتحانات الرسمية، على غرار مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، حيث احتلت المراتب القريبة من الأخيرة نظرا لعدم فتح تحقيقات. وأشار مصدرنا إلى مثال حي بطله مدير إحدى المؤسسات الذي كان لا يشاهد في مكتبه إلى 4 مرات شهريا، وعم الفساد في المدرسة التي يسيرها حيث جعلها شركة خاصة للاسترزاق عبر المطاعم المدرسية، ولتنحيته تطلب الأمر تدخل والي الولاية. هذا وأرجعت جهات أخرى أسباب تضخيم النقاط التي أضحت منتشرة بشكل رهيب في المدارس الجزائرية إلى التوعد بمعاقبة المؤسسات التي تحصلت على نتائج ضعيفة، والتشهير الذي تلقاه المؤسسات التي حصلت على نتائج نجاح كبيرة. من جهته أكد رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ، أحمد خالد، أن الفضائح التي عالجها الاتحاد على مستوى المدارس الخاصة ببومرداس ماهي إلا عينة صغيرة من عمليات تزوير النقاط والتضخيم من أجل انتقال تلميذ من قسم إلى قسم أعلى مقابل رشاوى ومبالغ خيالية، مضيفا أن بعض الأولياء أصبحوا يفعلون المستحيل من أجل شراء شهادات لأبنائهم، وإن لم يستطيعوا ذلك فإن تزوير شهادة مستوى الثالثة ثانوي هي الحل الأمثل من أجل تسهيل عملية الالتحاق بسلكي الشرطة والدرك الوطني، وهي تلك التزويرات التي قادت العديد من المدراء إلى أروقة المحاكم والسجن على غرار ما حدث في ولاية برج بوعريريج لمدير إحدى المتوسطات الذي جر معه عدة أساتذة. وأضاف خالد أن 80 بالمائة من الأولياء مستعدون لدفع المال من أجل تزوير النقاط، موضحا أن عملية البحث عن طريقة لرفع معدلات أحد أبنائهم أو أقاربهم تصل ذروتها بين شهر ماي وشهر سبتمبر وإلى غاية أكتوبر، وتمس مختلف الأطوار من الابتدائي إلى الثانوي وحتى الجامعي، وبأساليب مختلفة تصل في بعضها إلى حد دفع رشاوى بالعملة الصعبة. وأمثلة عديدة استطاعت “الفجر” تسليط الضوء عليها حسب عدد من الأساتذة والمعلمات على غرار والدة تلميذ فعلت المستحيل من أجل انتقال ابنها إلى قسم أعلى مع العلم أنه لم يدرس الفصل الثالث من الموسم الدراسي وتم طرده، حيث لجأت إلى دفع 3 آلاف أورو مقال إنجاح ابنها بعدما تحججت بأنه لم يستطع متابعة دراسته لأسباب نفسية لها علاقة بحادثة مؤلمة تعرض لها. وأضاف رئيس اتحاد جمعيات أولياء التلاميذ أن الأولياء الذين يحاولون دفع رشاوى من أجل نقطة إضافية ليسوا الآباء فقط، مؤكدا أن 70 بالمائة منهم هم أمهات، مضيفا أن الإحصائيات تشير على حد قوله إلى أن ما يزيد عن 17 ألف حالة سجلها الاتحاد لأولياء قبلوا الغش والتزوير من أجل انتقال أولادهم، فنجح هؤلاء ب”الطرافيك” يقول أحمد خالد من أجل التباهي بين الأقارب والجيران. وأضاف المتحدث أن ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل المدرسة الجزائرية، بحكم أن تلاميذ يحصلون على علامات ليست من حقهم، موضحا أن معدلات الآلاف من المتمدرسين غير حقيقية، في الوقت الذي ينهمك فيه الأساتذة والمدراء في “التبزنيس على غرار ما يحدث بولاية الجلفة التي احتلت ذيل الترتيب لسنوات في نتائج الامتحانات الرسمية”، يقول خالد الذي دعا إلى فتح تحقيقات في المناطق النائية بالخصوص في ظل غياب جمعيات أولياء التلاميذ حسب مصادر نقابية والتي أكدت أن غياب هؤلاء ساهم في تفاقم المشكل. ظاهرة البحث عن تضخيم النقاط تستمر إلى الجامعة والضحية طالبات بتحريض من الأولياء وختم السيد أحمد خالد رئيس جمعيات أولياء التلاميذ بالقول إن “تضخيم النقاط لم يعد حكرا على التلاميذ، وإن لجأ إليه الأولياء من أجل التباهي، ففي مراكز تكوين إطارات التربية تضخم النقاط لغير أهلها، لفائدة أشخاص يحاولون الوصول إلى مناصب مدراء ومفتشين ومراقبين عامين بشتى الطرق”، مؤكدا أن النجاح بدون تعب شجع التلاميذ على التهاون وعدم الاجتهاد. وأكد خالد أن الأولياء يحاولون تضخيم نقاط الأبناء إلى غاية الجامعة، حيث يكثفون من علاقاتهم في الوسط الجامعي، وتبدأ عملية تعزيز العلاقات وتوطيدها من شهر سبتمبر إلى غاية ديسمبر، حيث يصل الأمر ببعضهم حسب مصادر أخرى إلى حد تشجيع بناتهم إلى التقرب من الشخص الذي له علاقات جيدة في مؤسساتهن الجامعية من أجل تسهيل مهمة تزوير النقاط وتضخيمها. ومن جهتنا، حاولنا أخذ رأي وزارة التربية الوطنية في الموضوع، إلا أننا لم نتمكن من ذلك لأسباب مختلفة. غنية توات تقرير يكشف كيفية تضخيم النقاط من طرف عمال نظافة وحراس بطلب من الأولياء 80 بالمائة من الأولياء مستعدون لدفع المال من أجل التزوير و70 منهم أمهات