كل يوم تتصاعد لهجة الاحتجاجات والتلويح بالإضرابات في سماء الجزائر، فبعد إضراب المعلمين، الذي مازالت لم تتضح كل تبعاته، ها هم الأطباء والمحامون يضربون لنا موعدا مع الكوارث في الأسبوع الأخير من هذا الشهر .. قطار الضواحي الذي لم يمض على انطلاقه سوى بضعة أشهر، هدد عماله بشن إضراب غير محدود، أليست هذه مهزلة حقيقية؟! الأغبياء وحدهم لا يضربون في هذه البلاد، أين أصبح المضربون أهم من العمال المثابرين في نظر الحكومة، التي صارت تخالف حتى قانون الإضراب وتدفع لهم راتبا أيام التوقف عن العمل، المهم فقط بالنسبة لها تفادي الاحتجاج، تماما مثلما هم الإرهابيون التائبون أهم ممن كافحوا جحيم الإرهاب. نحن نعيش الآن زمن التناقضات، تناقضات شجع عليها تماطل الحكومة التي استقالت نهائيا من كل مسؤولياتها وصارت تنتظر في كل مرة انفجار الأزمة لتحاول بعدها البحث عن الحلول الترقيعية، فهل كانت ستستجيب للأساتذة لولا دخولهم في إضراب والتلاعب بمصير الملايين من التلاميذ؟ ولماذا لم تحاول بحث الأسباب قبل أن يدخل السكين في خاصرة المجتمع؟ أم أن وزراءنا مستعدون لفعل أي شيء حتى ولو لم يكن قانونيا، المهم فقط ألا يطلب منهم التنحي من مناصبهم، التي وكأنهم توارثوها أبا عن جد؟ وحدها الأصوات المنادية بالتهديم والنهب مسموعة في هذه البلاد التي عقرت وشح بطنها، فلم تنجب سوى حكومة تسيير كوارث. ولا بأس مادامت الأموال متوفرة لم لا نستغلها في إسكات الغوغاء وربح الوقت، فشجعنا بهذه السياسات الترقيعيّة الناس على الطمع، فها هم يستغلون ضعف الحكومة ويريدون مواصلة الابتزاز لتحقيق ما لم يحلموا بتحقيقه في ظروف صحية للبلاد، فصار الحرق وقطع الطرق والاضطراب عنوانا للنضال، وصار كل من يوجعه دماغه يلجأ إلى شل القطاع الذي يعمل به، مع أنه في كل المواثيق الوطنية والأممية يبقى الإضراب آخر ورقة يستعملها العامل لنيل حقه، شرط ألا يتعارض مع مصالح المؤسسة ومصلحة الوطن. ندرك جميعا أن جلّ هذه الإضرابات سياسية أكثر منها مهنية، ومن المفروض أن تواجهها الحكومة بحلول سياسية، فكلنا يعرف أن المحرك الرئيسي لنقابات عمال التربية هي بقايا نقابة الحزب المحل التي مازالت متجذرة في سلك التعليم تحاول خلط الأوراق وتعيق أي سياسة إصلاحية تحاول الحكومة تطبيقها، والحكومة تعرف جيدا هذا ومع ذلك تحجم عن اتخاذ القرارات