مما لا شك فيه أن للطبيب أهمية بالغة عند كل إنسان، فهو ذلك الشخص الذي يأتمنه على أغلى ما يملكه. وإن كان ذلك الاختيار يخضع للعديد من الاعتبارات المتعلقة بالخبرة والتمكن في المجال، إلا أن العلاقة التي تربط بين الطبيب والمريض أخذت منحى إنسانيا آخر يتعلق بالوفاء اللامتناهي له مهما اختلفت طبيعة المرض. تعج العيادات الطبية الخاصة والعمومية بالكثير من المرضى الذين وجدوا في هذه الأماكن الشفاء من المرض، وإن كانت هذه الاخيرة تضم العديد من الاطباء إلا أن الكثير من المواطنين يداومون عند طبيب واحد ويتابعون عنده ويصرون على انتظاره حتى في وقت عطلته، هو ما يلخص علاقة وفاء تمخضت عن التعامل المتواصل بين الطرفين، بالإضافة إلى الثقة التي رسختها الأيام بين الطبيب ومريضه. ولتقصي الموضوع قامت “الفجر” باستطلاع آراء بعض الأشخاص الذين تباينت آراؤهم حول الموضوع. وفاء أزلي للطبيب ولدته السمعة الطبية يكرس المشهد اليومي في قاعات الانتظار بمراكز وعيادات طبية دون غيرها، تفضيل بعض الاشخاص لأطباء معينين، حيث أجمع الكثيرون ممن التقيناهم أن الطبيب يجب اختياره بعناية، كما أن التعامل مع نفس الشخص لمدة طويلة يولد ثقة كبيرة بينه وبين مريضه. وأكبر مثال على الوفاء للطبيب هي حالة أسماء، التي تتنقل من ولاية بومرداس إلى العاصمة من أجل القيام بأي معاينة مهما كان نوعها لأنها لا تضع ثقتها إلا في طبيب واحد تمكن في العديد من المرات عندما عجز غيره عن ذلك. وعن سبب ذلك، تقول حورية إن هذا الطبيب له سمعة طيبة بين الناس، وهو ما عزز ثقتها به على مدار سنوات. يختلف الأمر كثيرا عند الحاجة الزهرة التي تعالج منذ سنوات عند نفس الطبيب. وحسب حديث ابنتها لم تعرف حالتها أي تطور، بل على العكس من ذلك فقد تدهورت صحتها للغاية إلا أنها ترفض قطعا استبدال طبيبها رغم محاولات عديدة من كل أفراد عائلتها.. فقط لأنها اعتادت على العلاج لديه. مرضى يلغون التخصص وفاء لطبيبهم الخاص وإن كان التخصص من بديهيات الطب ومتطلبات التطور وإيجاد الدواء لكل داء، إلا أن الكثير من الجزائريين ألغوا هذا المصطلح من قاموس حياتهم، بعدما وجدوا الطبيب القادر على علاج كل الأمراض. هو ما توصلنا إليه من خلال الحديث إلى بعض الأشخاص، على غرار السيدة حورية، التي بقيت على وفائها لطبيب العائلة حتى بعدما تزوجت وغيرت مكان إقامتها. وعلى حد قولها فهي تلجأ إليه في جميع الحالات التي تشكو منها، وعلى الرغم من أنه طبيب عام إلا أنها تعالج عنده جميع الأسقام. وفي هذا السياق يوضح الطبيب (م. عسلة) طبيب عام وصاحب عيادة خاصة، أنه في الكثير من المرات يواجه حالات تحتاج إلى متخصص على غرار أمراض العيون والجلد، إلا أن المرضى يصرون عليه من أجل علاجهم، واضعين ثقتهم فيه وإيمانهم بقدرته على القيام بذلك، كما أنه يستغرق وقتا طويلا من أجل إقناعهم بضرورة الاستعانة بمختص، ليجد بذلك نفسه أمام مسؤوليات مضاعفة يضطر للقيام بها حفاظا على مصداقيته وصورته التي رسمها وروج لها مرضاه. مشاكل والتزامات في انتظار الطبيب المفضل من جهة أخرى، هذا الوفاء قد يعرض صحة الكثيرين إلى الانتكاس في حالة غياب طبيبهم المفضل. فحسب رواية الآنسة حنان، ممرضة بأحد المستشفيات العمومية، فإن الكثير من الأشخاص يبحثون عن طبيب معين، وإذا كان يوم عطلته ووجد آخر في المناوبة فإنهم يغادرون المكان على الرغم من أن حالتهم الصحية ليست على ما يرام. وفي هذا السياق يضيف السيد جمال، أن والدته تعرضت لنوبة ارتفاع الضغط. ولدى نقلها إلى المستشفى رفضت أن يعاينها طبيب آخر غير طبيبتها التي كانت في إجازة، ما جعلها تعرض حياتها للخطر لولا إصرار كل العائلة عليها.وفي سياق متصل، تضيف الآنسة ليلى، ممرضة في عيادة خاصة، أن الكثير من المرضى يرفضون الدخول للمعاينة في وقت عطلة الطبيب، والعيادة تخلو من زبائنها عندما يناوب الطبيب الذي يعوضه، وهو ما يجعله يخسر العديد من الزبائن في وقت إجازته السنوية.