مع الكتابة والمشاهدة انطلقت مرحلة أخرى تراجعت معها الأساطير والحكايات الشعبية، ليسكن الإنسان عينه، عينه التي تقرأ سطراً سطراً وتجسد الرؤية المكتوبة خيالاً جاهزاً ولكنه أكثر تركيزاً، وأكثر منطقية. الآن ومع التكنولوجيات الحديثة تنطلق حاسة جديدة لتفتح المخيال، لأن الحواس في النهاية وفي كامل مراحلها المرادفة للتطورات البشرية السابقة هي إحالة حتمية للتصور الذهني. نحن نسمع لنتخيل، ونقرأ لنتخيل، ونرى لنتذكّر خيالاتنا. إذن هي الحواس خوادم طيّعة للتصورات الذهنية لا غير. قلت مع المجتمع المعلوماتي تنطلق حاسة جديدة كي تفتح المخيال أو ما اتفقنا على تسميته التصور الذهني، وهي حاسة اللمس، حاسة اللمس؟؟ هل كانت مغيّبة طوال هذه المراحل؟؟ هل اللمس حاسة ثانوية مقارنة مع البصر والسمع؟؟ ماذا فعلت التكنولوجيا باللمس؟؟ كل الأجهزة الإلكترونية التي تسكن عوالمنا الحديثة تعمل بحاسة اللمس، وبلمسة سحرية سوف نرى ونسمع ونكتب، باللمس نأمر أيضاً، باللمس نسقط داخل الحقيقة، بل وداخل العوالم الموازية لهذه الفيزياء المتكررة في العالم المادي. على فكرة الطوباويون يعتقدون أن العالم المحسوس لا يمكن أن يفسّر إلا بخلق عوالم موازية تأخذ على عاتقها تجريد الحقيقة. كان اللمس في السابق استقطاب حميمي لشراكة مقربة بين جسد وجسد، جسد وجماد، وها هو اليوم يقفز فوق كل التراكيب العمياء ويقوم مقام السحر. اللمس كان حاسة العميان، بديل النور، يرتكز عليه من لا يثق في الأفق، ها هو اليوم كل الأفق، يأتي اللمس اليوم بصيغة الأمر، كل لمسة يد هي أمر ينفذ بالتمام والكمال، يحقّق كل المعجزات، وينام في تصور ذهني بديع المعاني عفوا الأماني، ربما هي الحياة تتحرك من جديد كي تمسك، كم كانت الحياة نقطة هاربة.. في السمع وفي الرؤية أيضا. هاجر قويدري