أثارت فكرة وزير الداخلية الفرنسي، كلود غيون، حول "تفاوت الحضارات" جدلا واسعا في الأوساط السياسية والثقافية، التي رأت فيها أطروحة خطيرة تمثل الوجه الآخر لنظرية "صدام الحضارات "التي قال بها المفكر والسياسي الأمريكي "صمويل هنتغتون" في ثمانينيات القرن الماضي.. ذلك أن غيون وضع سلّما تراتبيا جديدا للحضارات أعلاه الحضارة الغربية وأسفله الحضارة الإسلامية. وتتفق أطروحة "هنتغتون" و"غيون" على فكرة واحدة هي النظرة العدائية للإسلام، بالنظر إليه باعتباره الخطر الوحيد الذي يهدّد القيم الإنسانية الغربية التي تحاول تبنّي قيم الديمقراطية والإخاء والعدالة، وإفراغ الحضارة الإسلامية من بعدها الإنساني، بوصفها حضارة غير منتجة للقيم، بل أكثر من معادية لها. وإذا كان "هنتغتون" ينظر إلى الإسلام باعتباره إحدى القوى العظمى للصراع الحضاري الذي يشهده العالم على قدم المساواة مع الحضارة الغربية والصينية، فإن غيون يقلّل من شأنه بوضعه في مرتبة أدنى من بقية الحضارات بالاستناد إلى معيار القيم.. وعلى الرغم من الأبعاد الجيوساسية لأطروحة "غيون" وامتداداتها الفكرية، وتأثيراتها السلبية المتشعبة التي يمكن أن تطال صورة الإسلام والمسلمين حيثما وجدوا، فإن النقاش انحسر في الردود التي جاءت سريعة من الحزب الاشتراكي، نظرا السياقات التي تعيشها فرنسا، وفي خضم الحملة الانتخابية لرئاسيات 2012. وكل هذا لا يمنع من أن تتحول إلى نظرية مرجعية ذات طابع فكري وأساس ثقافي يمكن أن يحتكم إليها الغرب في تعاطيه مع الإسلام والمسلمين لتبرير نظرته الاستعلائية، لاسيما إذا تذكرنا أن نظرية "صدام الحضارات" بدأت بمقال بسيط لصموئيل هنتغتون في مجلة أمريكية، سرعان ما تحوّل إلى نظرية فكرية مهمة تمّ على أساسها تفسير الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم، ومن بينها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بعد الاهتمام الإعلامي الذي حظيت به في حينها. وهو نفس الشيء الذي يمكنه أن يحدث مع تصريحات "غيون" التي جاءت في تدخل له أمام تجمع من طلبة اليمين، معتبرا أن الحضارات متفاوتة وليست على قدم المساواة من حيث قيمها وقيمتها، وهو ما أثار ضجّة إعلامية كبيرة في وسائل الإعلام الفرنسية، التي طلعت في مانشيتاتها بعبارة غيون "les civilisations ne se valent pas" ما جعله يؤكد سلامة نيته من محاولة الإساءة لأي كان، دون تراجع عن آرائه.."خلافا للأيديولوجية النسبية التي يقول بها اليسار. بالنسبة لنا كل الحضارات ليست متساوية، فتلك التي تدافع عن الإنسانية أكثر تحضّرا من تلك التي تنكرها، وتلك التي تدافع عن الحرية والمساواة والإخاء، تبدو لنا أكثر تفوقا من التي تقبل بالطغيان، واحتقار النساء، والكراهية الاجتماعية والعرقية، هذا هو ما أعتقده". بعض المثقفين الفرنسيين أكدوا أن استعمال كلمة "الحضارات" التي جاءت في سياق تصريحات "غيون" في غير محلها، لأن القيم العالمية التي جاءت بها الثورة الفرنسية وفكرها التنويري ترفض كل تراتب بين الحضارات أو الأعراق، أوأي صدام بينها. أحمد عبدالكريم