إن التجارب النووية الاستعمارية فوق الصحراء الجزائرية منها: حمادة حما غير - حمادي برقان وادي الناموس وعين أمغل هي كثيرة ومتنوعة... وعندما نحيي ذكراها يجب أن نذكرها في واقع واحد دون تجزئتها وقد بدأ تأكد هذا الاعوجاج الجهوي يتضح إلى غاية سيطرة واقعه على تفكيرنا دون النظر بعمق في معالجة مثل هذه النفايات والتركة الثقيلة حتى لا تصبح القضايا التاريخية حقلا متميزا لخصوصيات المناطق وفي هذا الصدد هناك طرح قضايا مستجدة أثارت في المدة الأخيرة العديد من النقاشات الحادة حول الآثار النووية التي ظهرت آثارها بتدهور الوضع البيئي والإنساني بالجنوب الكبير مما يلزمنا أن نعيد النظر في مناهج التفكير وتصحيح المفاهيم المسيطرة بشكل واضح على الأذهان... لأن الصحراء بكاملها تعاني من تدهور بيئي ملحوظ بعد أن غارت الفقاقير التي أثرت على مردود واحات النخيل ناهيك عن وضع الإنسان إلى حد التشويه للأجنة في بطون الأمهات مع ظاهرة اندثار الحيوان البري... فالمواطن اليوم يتعامل مع بيئة تعاني من تقيؤ جوفي موروث في باطنها إذ لم يكن في مقدوره استعداد يؤهله لأن يسهم في الكشف عن بقايا هذه التجارب النووية "أكدتها دراسات ميدانية لأطباء جزائريين" حتى أصبحت السلالات في خطر. وفي هذا الصدد تشكل ولاية النعامة النموذج الحي والأكثر تضررا بالإضافة إلى المناطق الجنوبية للأبيض سيدي الشيخ ضمن هذا التسلسل النووي الذي نتجرع سمومه من خلال تركة ثقيلة لا يمكن أن نتغافل عن مجريات أحداثها أو رميها في دهاليز النسيان كما هو الشأن اليوم، أي بين معاناة تركة استعمار مارس تجاربه لأغراض استعمارية غير سلمية كما يدعون، وهي بالاصل سياسة استعمارية مطبقة على حساب شعب يسعى بتضحيات جسام لافتكاك استقلاله، وبين سلطة وطنية لم تراع أبسط حقوق الرعاية والتوعية والمعالجة منذ الاستقلال سنة 1962 إلى يومنا هذا. حين خرج سكان المحتشدات بالمناطق المذكورة لم يكونوا ليعلموا أنهم يعيشون في وسط ثلاثي المخاطر أولا: آثار المحتشدات وما تركته من حالات نفسية نتيجة القهر والظلم. ثانيا: آثار التجارب النووية والجرثومية بوادي الناموس على مستوى مساحات واسعة دون أن يكون هناك تبليغ أو تحذير للموالين الذين تضرروا في مراعي وادي الناموس. ثالثا: معاناة خط شال الجهنمي وألغامة التي ما زالت موجودة رغم مجهودات الجيش الوطني الشعبي التي يبذلها منذ زيارة المرحوم هواري بومدين للمنطقة في إطار البرنامج الخاص سنة 1971م. فالمواطن بالجنوب أمام تحديات تجعله في وضع خطير لأنه مكبل بأغلال التركة الاستعمارية إن لم تكن دعوة عامة لإزالة أشعتها بالطرق العلمية وسن القوانين لإنشاء مؤسسات خاصة في هذا الشأن والتجنيد والتعبئة للإحاطة بهذه التركة الموروثة عن العهد الاستعماري، لأن الأمر أضحى مستفحلا يستعصي علاجه كلما بعدنا عن إيجاد حلول ناجعة له. لأن من التزامات فرنسا حماية ماضيها بشمال إفريقيا حسب تعبير الرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي بتاريخ 06 أفريل 2007م باعتباره جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي الفرنسي "كتاب الجمهورية والإمبراطورية" لصاحبه "غرانميزون" ص 426 وهو ما ينم عن نية... تنظير تتيح الاستمرار في انتهاج السياسة نفسها ولكن بأدوات أخرى حسب توضيح المؤلف. فلا غرو أن مؤلفات هؤلاء العلماء تدعونا إلى اليقظة لأن نتمسك بالشرعية الثورية ونشد على أفكارها المناهضة للاستعمار بالطرق العلمية وحقوق الإنسان والتعددية الإيجابية التي تحافظ على مكاسب ومصالح الأمة بعيداً عن المغالاة والموالاة... فالتاريخ هو المهماز الذي يوقظنا من الغفوة لرؤية المستقبل الواعد لأن معالجة التركة الاستعمارية هي في حد ذاتها تجريم فعلي للاستعمار لأنها شواهد على بشاعته وخرقه للحقوق والحريات لا كما يدعون. لا يمكن حصر جرائم الاستعمار وذلك لتنوعها وكثرتها بل نستطيع القول هو عمل إجرامي سلط على جزء من وطننا الغالي المثمن بأرواح الشهداء لا يمكن حصره أو وصفه أو نسيانه، لأن تذكرنا لوادي الناموس هو تذكر الألم والمعاناة لمحتشد "361 خيمة" كانوا ضمن المعدودين لإجراء التجارب عليهم لولا يقظة جيش التحرير ومهاجمته لهذا المركز مرتين، الأولى بقيادة الشهيد "احميدة بن بيتور الشعنبي" الذي تم القبض عليه مجروحا وحول إلى سعيدة ثم رمي من هليكوبتر في غابة سيدي الشيخ بسعيدة، ثم الهجوم الثاني بقيادة الشهيد "بوحلة المجذوب" الملقب بالنمس مما اضطرهم إلى غلق هذا المركز لينجو بذلك أهل المحتشد، والغريب أن هذا المركز أدخل ضمن اتفاقيات "إيفيان" واستمرت به التجارب إلى غاية السبعينات..؟ وفي هذا السياق لا يمكن أن نرهن مصير مجتمع أمام رجاء عطف فرنسا وهو أمر ميؤوس منه وذلك بعد إقصاء الصحراء الجزائرية من برنامج إزالة الإشاعات النووية الفرنسية من بعض المستعمرات، حسب ما ورد في جريدة الخبر يوم 17 فبراير 2012م. فالدولة الجزائرية مسؤولة عن حماية حدودها ومجالها الترابي أي عليها مسؤولية إزالة هذه الآثار الخبيثة بكيفية علمية مثلى حتى لا يستمر جحد الحقيقة أو ينطلي عليها سبات التراخي ولا يمكن أن نغطي الشمس بالغربال في حق الأرض والإنسان والحيوان. أمام تحركات المجتمع المدني بالجنوب الغربي وكذلك تجاوب جمعيات مدنية حقوقية وبيئية بفرنسا تساند الدعوة بمطالب المتضررين لكلا الطرفين، كلها أصوات تؤكد الحجة على بشاعة الاستعمار الفرنسي، كما أنه من جهة أخرى يكشف عجز السلطة الجزائرية التي تأخرت في إزالة هذه الإشاعات النووية، مثل ما هو الحال في تنقية منطقتي شال وموريس منذ زمن بعيد. ومن ذلك لا يمكن حجبها أو محوها من ذاكرة التاريخ لأنها تعبر عن نقص إرادي في اتفاقيات إيفيان بعدم شرط إزالة هذه الإشعاعات النووية أو الاستفادة منها: فهي اتفاقية ناقصة ولذلك اعتبرها الرئيس بوتفليقة سابقا بأنها وقعت بين منظمة ثورية ودولة، أي وجب حل عقد الالتزام بها. وأمام هذه القضايا الشائكة يجب أن تؤخذ في الحسبان العلاقات الجزائرية الفرنسية التي أصبحت عائقا لوضعيات متعددة مما يحتم علينا أن ينصب تفكيرنا العاجل بالاعتماد على النفس دولة ومجتمعاً للوصول إلى حلول تبعدنا عن شبح الخطر، لأننا ننشد مستقبل أفضل في ظل برنامج خاص يغطي عجزاً ملحوظاً حتى بدأت بوادر الأجيال الصاعدة تعيد مرارته وتسعى لمحو آثاره باللسان وذلك أضعف الإيمان، لأنها بالفعل لم تجد ما يحجبها عنهم.