اختتمت أمس أشغال الندوة الدولية حول آثار التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية بحضور عدد من الباحثين الوطنيين ومؤرخين من عشر بلدان تناولت فيها آثار التجارب النووية على صحة السكان والبيئة والقوانين المتعلقة بها. أجمع المشاركون حول استذكار هذه التجارب الأليمة الخمسين لأولى التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية خلال حقبة الاستعمار الفرنسي أن مرور نصف قرن على هذه التجارب في حق الإنسانية لا يمكن إسقاطه بالتقادم بل يتطلب أكثر من اي وقت مضى اعتذارا من فرنسا الاستعمارية وتعويض المتضررين من هذه الجرائم، حيث تتعالى اليوم الأصوات أكثر من أي وقت مضى للمطالبة بإصدار قانون لتجريم الاستعمار. كما أكد الحضور بما فيهم باحثون فرنسيون أن الإشعاعات النووية لهذه التجارب وما تبعها من تجارب أخرى، كان لها تأثير على حوالي 42000 جزائري وعلى البيئة ...، مؤكدين أن فرنسا لم يكن لها أي مبررات، ولا يمكن وصف قيامها بهذه التجارب إلا بالعمل الإجرامي المتعمد. ولفت الحضور إلى أن التجارب النووية الفرنسية أجرت أول تفجير نووي لها في منطقة رقان بالصحراء الجزائرية، أطلق عليها اسم ''اليربوع الأزرق''، استعملت فيها مادة ''البلوتونيوم'' التي تبقى تهدد الجزائر على مدى سنوات عدة في حال عدم تطهير الأرض من تلك النفايات المدفونة فيها، فكل تجربة على سطح الأرض تكون أخطر لان كل نواتج التفجير هي عناصر إشعاعية بينها ''البلوتونيوم'' تقع على السطح وتبقى لمدة زمنية طويلة، مبرزين أن التجارب الإضافية التي قامت بها فرنسا في منطقة رقان وعددها 35 تجربة استعمل فيها هذه المادة لتشكل بذلك خطرا دائما على كل من ما هب وما يدب في هذه المنطقة حيث تسبب أمراضا خطيرة سواء على الشخص نفسه المعاصر لها أو الأجيال اللاحقة. وطالب المشاركون من فرنسا في هذه الذكرى بالكشف عن خريطة نفاياتها النووية التي مازالت تلوث البيئة وتضر بصحة سكان المنطقة، كما تم خلال الندوة التي دامت يومين تقديم 14 عرضا حول التجارب النووية وآثارها الوخيمة على صحة الإنسان والطبيعة، مع تنظيم ورشات تخصص لبحث المشاكل المتعلقة بهذه التجارب، وكذا مسائل الساعة. وجدد المشاركون خلال الندوة دعوتهم الملحة للدولة الفرنسية للاعتراف بمسؤوليتها في ''الويلات'' التي تسببت فيها التجارب النووية في الصحراء الجزائرية ومنطقة بولينيزيا مطالبين بالاعتراف بأن السكان الذين تعرضوا لها ضحايا العمل الإجرامي والاستعماري مع كشف الحقيقة للعالم. وتأسف المشاركون لعدم ايلاء السلطات الفرنسية أهمية كبيرة للضحايا الجزائريين الذين يعانون حاليا من عدة مشاكل صحية، لا سيما من أمراض الحساسية والقلب، مع تدهور حالتهم الصحية بعد تعرضهم للإشعاعات النووية، خاصة لمن كان يعمل بقاعدة رقان سنة 1967 والتي ما تزال آثارها واضحة ومست حتى الجيل الحالي بعد أن لوحظت تشوهات وراثية لدى الأطفال وفقدان الأمهات للعديد من الأجنة. وأشار المشاركون في هذا الإطار إلى ضرورة تجاوز إطار نشاطات ذكرى التجربة النووية الفرنسية الأولى بالجزائر التي تصادف 13 فيفري من كل سنة والتوجه نحو تعزيز الحركة الجمعوية من أجل استرجاع حقوق الضحايا الجزائريين، مؤكدين أن فرنسا من خلال تركها لمواقع التجارب النووية في الجزائر في الهواء الطلق بأجهزة وعتاد تعرض للإشعاعات قد ارتكبت جريمة مزدوجة في حق الجزائريين. وأشار المشاركون أن هذا الواقع يضاعف المخاطر التي تحدق بالسكان وبالثروة الحيوانية والنباتية، مبرزين في ذات السياق أن الوقت قد حان لوضع حد لهذا الخطر وجرد كل الخسائر والأماكن التي تعرضت للإشعاعات، مستشهدين بحالة استراليا التي عرفت فوق أرضها تجارب نووية ارتكبتها بريطانيا العظمى، حيث اعترفت إنجلترا بأخطائها وعوضت الضحايا وأعادت ترميم المواقع التي تمت فيها التجارب. كما تأسف الحضور لكون الجزائر لم تحصل بعد على حقوقها وهي تعد من بين البلدان ال 21 المعنية بالتأثيرات النووية على صحة السكان أو على المحيط، واليوم حان الوقت لكي تعترف بمسؤولياتها، ملحين على حتمية إعادة ترميم المواقع التي تعرضت للإشعاعات، مؤكدين أن الوقت قد حان للذهاب إلى ابعد من مجرد إجراءات لحماية المواقع مع جمع كل الفضلات التي تعرضت للإشعاعات النووية بصفة مستعجلة. أ . م