آيت أحمد كان مولعا بالشابي وهو الذي اقترحني لأول مجلس تأسيسي الذين أطلقوا إشاعة سرقة صندوق التضامن كانوا يريدون الإساءة لبن بلة وتحطيم بومدين كشفت زهور ونيسي، أن بول بالطا المعروف بقربه من الأوساط الثورية والسياسية الجزائرية، قد تنبأ باستوزارها شهرا قبل قرار الشاذلي بن جديد. ونفت أن يكون صندوق التضامن الذي أُنشئ غداة الاستقلال لإخراج الجزائر من أزمتها قد تعرض للسرقة؛ مؤكدة أنها مجرد إشاعة كان هدفها الإساءة إلى بن بلة وضرب إنجازات بومدين.. عرفتِ عن قرب شخصية القائد حسين آيت أحمد، الذي ذكرت أنه كان مولعا بقصائد الشابي، حدثيني أكثر عن علاقتك بالداحسين ؟ كان لا يبدأ كلامه إلا بمطلع قصيدة الشابي ”إذا الشعب يوما أراد الحياة..” وكان ينطقها ببلاغة مميزة ورائعة وبعربية سليمة، كان مسؤولا عنا ولم نكن ندري حدود تلك المسؤولية ونوعها في بداية الاستقلال. كان الكل مسؤولا والكل غير مسؤول وهو الذي عرض علي وصفية بن مهدي أن أنضم إلى أول مجلس تأسيسي، لكنني فضلت الدخول إلى الجامعة بعد نجاحي في المسابقة التي خضتها لهذا الغرض. والفضل يعود في ذلك إلى أستاذي إبراهيم مزهودي. كانت فترة قصيرة جدا تلك التي تعرفنا فيها إلى آيت احمد، وكنا منضبطات، كان يبهرني بشخصيته القوية والقيادية. وهل كنت ترين أنه كان يصلح للرئاسة مثل بيطاط ؟ بطبيعة الحال،، كان يصلح للرئاسة والقيادة، كيف يصلح بوضياف لذلك ولا يصلح آيت أحمد؟ لم يكن هؤلاء الرجال عاديين، كانوا أفذاذا من صنف الملائكة كانوا من جيل لا يتكرر. كيف كان رد فعلكم وأنتم ترون هؤلاء العظماء يتعاركون على السلطة ويختلفون بحدة؟ لم نكن نفهم كثيرا الأمور، وكنا نقول إن هذا غير ممكن، يجب أن يبقى هؤلاء المجاهدون معا، كنا نعيش التصفيات التي تقع بين زعماء الأمس بإحساس فظيع وألم كبير، لأن التبريرات التي كانت تعطى لنا؛ لم تكن صحيحة، لكن فهمنا لاحقا أن السياسية ليست ما كنا نعمله كمناضلين، لكنها شيئ آخر يدار في أماكن أخرى، كان لا بد أن تقع تلك ”الانفجارات” بسبب السلطة وحرب الزعامات. كلام كثير قيل عن صندوق التضامن وتحويل أمواله من قبل من جاء بعد بن بلة، في مذكراتك لم تتوقفي طويلا عند حيثيات هذه القضية؟ أنا لا أبني أفكاري على الإشاعة، لان البلد الذي يدار بالإشاعات، هو بلد مريض، في بداية الاستقلال كانت الجزائر تمر بأزمة كبيرة وكان صندوق التضامن من أحسن المبادرات التي قام بها الرئيس بن بلة، وقام فيها الشعب الجزائري بدوره على أحس ما يمكن، الإشاعة السيئة والمغرضة والتي لها أهداف سياسية، لن نستطيع القضاء عليها، إلا بالوعي السياسي. ما روج عن الصندوق كان إشاعات وبقيت حالة مرضية في الإنسان الجزائري الذي تعوّد أن ينتقد كل شيء ويشكك في كل شيء. إذا كانت إشاعة، فمن أطلقها وما الغرض منها؟ ربما من أطلقها كان يهدف للإساءة للرئيس بن بلة وربما حتى الرئيس بومدين فكل شيء كان يوظف سياسيا. كان لك موقف مشهور من ثانوية ديكارت، وقد ذكرت في الكتاب، أنها انحرفت عن مهامها المسطرة في اتفاقية إفيان كيف؟ فهل رفعت بصفتك وزيرة، يومها، تقارير عن تجاوزات المسؤولين وانحراف خط هذه المؤسسة التربوية؟ بطبيعة الحال، رفعت تقاريرا... والرئاسة شكلت فريق عمل بذلك الشأن، وتوجيهات الرئاسة هي التي أقرت بتحول ثانوية ديكارت من حي المدنيّة واخترنا لها مركز البحث والبيداغوجيا ”مصطفى خالف” في الأبيار كمؤسسة تربوية أجنبية تستقبل أبناء الجالية الأجنبية في الجزائر. ^ لكنها أيضا كانت تستقبل أبناء المسؤولين الجزائريين؟ بطبيعة الحال، أبناء بضع المسؤولين ومن بينهم إطارات الوزارة التي كنت اعمل بها فضلوا المدرسة الفرنسية، لأنهم لا يؤمنون بالمدرسة الجزائرية ولأنهم كانوا يحضّرون أبناءهم لمدارس أخرى بالخارج. رفضت التوقيع على منحة علاج لسويسرا للجنرال العربي بلخير، الذي كان يومها مدير ديوان الرئيس الشاذلي بن جديد ألم تخافي من ردة فعله وهو رجل المرحلة الذي يخشى منه الكل ؟ أبدا؛ فبالنسبة لي العربي بلخير كان يؤمن بنفس الأفكار التي كنت أنا أؤمن بها، فقد كان المسؤول المباشر بعد الرئيس وكان سيتفهمني. وهل تفهّمك؟ أكيد، بل صار يحترمني أكثر وبقيت علاقتنا طبية إلى أن توفي رحمه الله. كيف استطعت إقناع بومدين بحق المرأة في الخدمة العسكرية،، وهل لقي اقتراحك هذا معارضة أو تأييدا؟ كان ذلك طرحا جديدا وشاذا بالنسبة لكثير من الأشخاص وكنت أرى أنه أمر طبيعي في بلد يجب أن نصل فيه إلى المساواة الكاملة والمطلقة بين النساء والرجال والتي يقرها الدستور، وجاء الاقتراح متزامنا مع نكسة جوان 1967 وهذا ربما ما شجع بومدين على تبنيه وتحقيقه على الأقل للفوج من المتطوعات، كانت من بينهن صديقتي حميدة نجاري .. كنت أنا أول وزيرة وكانت هي أول ضابطة. كنتِ الكاتبة الوحيدة في أول مؤتمر لاتحاد الكتاب الجزائريين وأنت من اقترح مالك حداد للرئاسة، لماذا مالك حداد تحديدا... هل لأنه ابن قسنطينة وكيف اقتنع بومدين برأيك فيه؟ البعض صنف بعدها مالك حداد في حزب السلطة واتهم بالتخلي عن مبادئ المثقف، هل هذا صحيح؟ لا أبدا، ليس لأنه ابن مدينتي، لو كنت أقيم وزنا للجهوية لما رفضت اقتراح العربي بلخير بخصوص تعيين محمد صالح منتوري على رأس مديرية الضمان الاجتماعي؛ رغم انه من مدينتي وفضلت عليه محمد الصغير باباس، كنت أدرك يومها طبيعة الصراعات بين المعربين والمفرنسين وتصورت أن وجود مالك حداد على رأس الاتحاد، سيجعل منه مؤسسة قوية وجامعة لكل الحساسيات، لأن مالك كاتب وطني وله قلم جميل إبداعيا يكتب بالفرنسية ويحب العربية وقد اقتنع الرئيس بومدين بهذا الاقتراح، وليس صحيحا أن السلطة أخذت مالك حداد على العكس فرغم مرضه إلا انه قدم خدمات جليلة للحقل الثقافي. تنازلت عن رئاسة الاتحاد للشيخ بوعمران لأن ”الوضع كان متعفنا”، حسب قولك في المذكرات، في إحالة زمنية لعهد الرئيس الشاذلي، ما هي مؤاخذاتك على ذلك العهد ؟ نحن نعاني من حالة مرضية ونشكك في كل شيء، الرئيس الشاذلي كان عصريا وتقدميا ومتطورا فكريا وأنا لا أحب استعمال الكلمات الكبيرة لأنني سأفقده وطنيته كمجاهد وكمناضل. من ناحية أخرى؛ كان مسؤولا طبعا على تلك المرحلة لأنه كان رئيسا وكل من حوله كانوا مسؤولين لكن لا يجب أن نسقط عليه خصاله. هذا ظلم في حقه. ما منعه من الاستمرار في نهج بومدين؟ في البداية، كنا مستمرين في نهج البناء الثوري الذي سطره بومدين؛ ثم تغيرت الأمور، لماذا ؟ لست أدري.. ربما لم يكن الشاذلي قادرا على ذلك. وربما كان يريد تغيير المسار، فلكل رئيس شخصيته والشاذلي ليس طبق الأصل لبومدين وليس بومدين صورة طبق الأصل عن بلة.. وشخصيا لم أكن من الذين يحاولون البحث عن تفاصيل التفاصيل. بعض القيادات النسوية تتهمك بأنك وراء إلغاء عطلة الأمومة للمرأة وعرقلة تعديلات قانون الأسرة، هل لك أن تعودي بنا قليلا إلى حيثيات هذه القضية؟ لو حسبنا الأسابيع الخاصة بعطلة الأمومة في القانون الجديد نجدها أطول من القانون القديم، ولكن هناك من يسعى للدفاع عن أفكاره باتهام الآخرين، أما بالنسبة لقانون الأسرة فعندما نوقش في المجلس الشعبي الوطني، كنت ضد إلغاء النص القرآني وقد أوجدت أطروحات أخرى للقضاء على تعدد الزوجات دون المساس بالنص القرآني، عن طريق منح الترخيص من طرف القاضي والتشديد في الأسباب. زوجة الرئيس الراحل هواري بومدين أنيسة بومدين، كانت من المساندين للتعدد، هل يعني هذا أن الفكرة كانت من وحي الرئيس؟ لا... الفكرة لم تكن من وحي الرئيس، لأنه لم يكن قد تزوجها بعد وقد كانت يومها محامية دافعت عن رأيها كما دافع الآخرون عن آرائهم، منهم المجاهدة الزهرة ظريف بيطاط، التي وقفت في المظاهرات المنددة بهذا القانون خارج البرلمان الذي يرأسه زوجها. ذكرت أيضا أن الوزير الأول في عهد الشاذلي عرقل مشروع ميترو الجزائر لكنك لم تسمّه هل كنت تقصدين عبد الحميد إبراهيمي ؟ نعم؛ هو بالذات ”عبد الحميد إبراهيمي” وكان الصالح قوجيل هو صاحب المشروع. كنت المرأة الوحيدة ضمن أول وفد في جزائر الاستقلال يزور فرنسا مع آيت مسعودان وعميمور وطالب الإبراهيمي وغيرهم، كيف كان إحساس المجاهدة وهي تطأ أرض المغتصب؟ لم أشعر باستقلال الجزائر، إلا لما كان الوفد الرسمي وسط الاليزيه والأحصنة من اليمين واليسار والأعلام الجزائرية ترفرف، كان الإحساس الأول بالفخر لا يمكن أن أصوره وأنا على قدي المتواضع صرت أرى نفسي عملاقة في باريس. الطاهر وطار لامك لأنك ذهبت لتمثيل الجزائر في حفل تكريم آسيا جبار يوم توجت بجائزة السلام في برلين وبكت آسيا جبار على ”شال الوطن” الذي وضعته على كتفيها هل يمكن أن تصفي لنا موقف آسيا جبار يومها؟ كانت لحظة مميزة، لان آسيا جبار فرحت لحد البكاء عندما ذهبنا لتمثيل الجزائر وقد رافقتنا يومها والدة الكاتبة، والحركة التي قمت بها عندما وضعت على كتفيها شالا جزائريا، اعتبرت أنني يومها كنت جزائرية وأقوم بتكريم جزائرية تشرفنا في المحافل الدولية وقد لامني الكثير منهم المرحوم الطاهر وطار الذي قال لي كيف لابنة ابن باديس أن تذهب لتكريم آسيا جبار، لكنني أخبرتهم أن آسيا جبار كانت تستشهد في كلمتها التي ألقتها بمناسبة تكريمها بالترميذي والغزالي ولا يحق لنا أن نسقط عنها جزائريتها فقط لأنها تغربت وعلينا أن نبحث في الأسباب التي جعلت آسيا جبار لا تعود إلى الجزائر عوض أن نفتح عليها النار. هل مازالت للسيدة زهور ونيسي نفس لممارسة السياسية ؟ لا أبدا ومهما كانت المناصب، فأنا أفضل أن أقرأ ما لم أقرأه من المكتبة الضخمة التي عندي، لأن المناصب السياسية تحتاج للروح الشابة والجهد والقوة والإصرار وهذا لم يعد موجودا عندي، بقي لي فقط أن أكتب وأقرا. أبدعت في رسم قسنطينة بحميمة، كيف هي علاقتك اليوم بهذه المدينة؟ عندما أدخل قسنطينة، أشعر كأنني أدخل الجنة رغم أن المدينة تريفت وأزقتها صارت مزابل لكن العلاقة ما تزال بيني وبينها قائمة، قسنطينة ليست مدينة عظيمة لكنها مدينة فذة وليس مثلها أي مدينة أخرى. لو عاد بك الزمن إلى الوراء، هل كنت ستختارين نفس المشوار، يعني هل من شيء ندمت عليه اليوم؟ ربما كنت سأكون متحفظة في بعض المواقف وربما سأكون أكثر ايجابية في مواقف أخرى، لكن المسار بشكل عام أنا راضية عليه كل الرضا، لأنني إنسانة متصالحة مع نفسي وذاتي وأفكاري ولا أعتقد أن ثمة شيء ما أندم عليه اليوم.