لم تكن هذه القصص البليغة القوية فقط تسلية وتقوية لقلب الرسول كما قال تعالى: “وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك” (120) (هود)، بل كانت ولا تزال هذه القصص الصادقة مصدر القوة ورباطة الجأش والأمل المشرق الوطيد، والثقة القوية بالنجاح والفوز والفلاح والانتصار على المعارضين، للدعاة والعاملين الذين يعملون على نهج النبوة وعلى طريق الأنبياء، ويقومون بالدعوة إلى الإيمان والعمل الصالح وتقوى الله، ويصبرون على الأذى.. وقد غيَّرت البعثة المحمدية هذا الوضع في الجاهلية وقلبته رأساً على عقب، فاكتسحت العالم المتمدن كله موجة قوية من الإيمان والطلب لله تعالى، وإنهاض الأمم من كبوتها، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، واتجهت إلى هذه الغاية همم أهل العزائم وكفاية أهل المواهب، وذكاء الأذكياء، وسليقة الأدباء، وقريحة الشعراء، وسيوف الأقوياء، وأقلام العلماء، وعبقرية النبغاء، وكثر المتميزون في هذا العالم الذي لم يكن يعرف غير ضرب واحد وغير طراز واحد من الإنسانية وهو عابد النفس وأسير الشهوة وصريع الهوى. إن كل فرد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين معجزة مستقلة وآية من آيات النبوة، ومأثرة من مآثرها الخالدة، وبرهان ساطع على عظم الرسالة المحمدية، وإن شاعراً لم يتخيل بخياله الخصيب وقريحته الفياضة، ومقدرته الشعرية، أوصافاً أجمل، وسيرة أعطر، وجمالاً أكمل مما وجد في هؤلاء الأصحاب رضي الله عنهم، ولو اجتمع أدباء العالم في صعيد واحد، فعرضوا نموذجاً إنسانياً رفيعاً لم يصل بهم الخيال إلى ما وصل إليه الواقع في حياة هؤلاء الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين الذين نشأوا في حجر النبوة وحضانتها، وتخرجوا في مدرستها.