باستقلال فيدرالية مالي وجزيرة مدغشقر تدخل "المجموعة الفرنسية" في طور جديد لا تضمن معه وحدتها وخضوعها للسلطة الفرنسية، وبالرغم من جميع التحرزات التي شملتها الاتفاقيات فإن فرنسا غير مطمئنة على مصير مجموعتها التي يتجاوز أعضاؤها مع الدول الإفريقية التي باتت تحت السيطرة البريطانية والتي تتحدى باستقلالها الحقيقي استقلال مالي وبقية أعضاء المجموعة، وهذا ما يجده القارئ في الفصل الذي نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية. تم التوقيع على الاتفاقيات الملغاشية الفرنسية أولا والمالية الفرنسية ثانيا، وبموجب هذا الاتفاقيات اكتسبت أقطار كانت في الماضي خاضعة لسلطة أجنبية - اكتسبت السيادة الدولية وستصبح بعد أشهر قليلة أعضاء في الأممالمتحدة بترشيح من فرنسا، وبهذا أيضا تبدأ مرحلة جديدة في حياة "المجموعة الفرنسية". ولكن هل يجوز لنا أن نتكهن بأن المجموعة في صفتها الجديدة ستحتفظ بكيانها ولا تتفكك تحت تأيثرات خارجية كما جرى بالنسبة للمجموعة في صبغتها الأولى كما سطرها دستور 1958؟ إن قادة "مجلس التفاهم" المتألف من جمهوريات ساحل العاج والداهومي والنيجر كانوا ينتظرون نشر الاتفاقيات الملغاشية الفرنسية قبل أن يحددوا موقفهم الخاص ومطالبهم بخصوص وضعيتهم داخل المجموعة، ولكن الأمر الذي لاريب فيه هو أنهم سينجرون إلى تقليد المواقف التي اتخذها قبلهم قادة مدغشقر ومالي، ذلك أن الضغط والمناورات الصادرة عن كل من سيكوتوري وكوامي نكرومة تجبر الم.هوفويت بوانيي على اتباع نفس الطريقة والمطالبة بالاستقلال على طراز مدغشقر ومالي، فدولة غانا مثلا لا تتوقف عن تجديد الاستفزازات إزاء جمهورية الطوغو كما أنها لا تتوقف عن تجديد الحملات ضد التجارب الذرية بالصحراء، وفي نفس الوقت تمنح دولة غانا حق الالتجاء السياسي في ترابها لأعضاء الحكومة التي تنازع سلطات ساحل العاج على مملكة سانوي. وأما غينيا فإنها تأوي فوق ترابها كل المعارضة لحكومة الم. هوفويت بواني الذين ألفوا (لجنة وطنية لتحرير ساحل العاج)، وقد بلغ التوتر في المناطق الشمالية من ساحل العاج بسبب استفزازات غينيا بلغ حدا اضطر معه الم.هوفويت دي بوانيي إلى توزيع الأسلحة على قدماء المحاربين حتى يدافعوا عن البلاد في تلك المناطق. وعلى العكس من توتر العلاقات بين غينيا وغانا من ناحية ودول المجموعة من ناحية أخرى، فإن تقاربا يبدو في الأفق بين النيجر التابع لفرنسا ونيجيريا التابعة لبريطانيا، وفي هذا المجال فإن تعاون الدولتين المتجاورتين سيتبين في أشغال استثمار نهر النيجر، وقد أعربت سلطات نيجيريا الشمالية في عدة مناسبات عن رغبتها في ربط اتصالات شبيهة بالرسمية مع سلطات النيجر، وليس من شك أن استقلال نيجيريا في شهر أكتوبر المقبل سيكون له أثر بعيد على سياسة المسؤولين السياسيين في النيجر، أما مسألة التوحيد بين القطرين التي يطالب بها صف المعارضة في النيجر فإنها من غير شك من باب الخيال، وعلى العكس من ذلك، فإن الصحافة في نيجيريا أكثرت من الحديث هذه الأيام حول الوحدة بين نيجيريا والداهومي. هذا وإن إفريقيا الوسطى نفسها التي بقيت منذ زمن بعيد خارج التيارات السياسية الكبيرة، وقعت نفس القانون أي أنها لا تجد بدا من المطالبة بالاستقلال بالرغم من تكاثف أدغالها وقلة سكانها وبعدهم عن التأثيرات الحضرية والسياسية، من ذلك الإعلان عن قرب استقلال الكونغو البلجيكي كان له صدى بعيد في الكونغو الفرنسي، كما أن قادة الأقطار الأربعة الموجودين داخل المجموعة أخذوا يبحثون عن طريقة للتغلب على خلافاتهم والتوصل إلى التوحيد بين دولهم، هذا وإن الحديث عن الاضطرابات الدامية التي تجري حاليا في إفريقيا الجنوبية لا يمكن أن يكون تاما إذا لم نتذكر تصريحات السيد لومومبا زعيم الكونغو البلجيكي الذي أكد لجريدة باريسية صباحية أن كفاح الكونغوليين من أجل الاستقلال سيستمر إلى أن يتحرر إخوانهم في جنوب إفريقيا. وخلاصة القول أن التأثيرات تلعب دورا رئيسيا في تطور القارة السوداء، بحيث لم يعد في إمكان أي زعيم أن يمنع الأهالي الإفريقيين من الدخول في المسابقة نحو الاستقلال، وهكذا فإن الشعارات والأوامر تجتاح القارة عبر الحدود الصناعية بسرعة عجيبة مثيرة في كل مكان المطالب الوطنية.