اختتمت، أمس، قمة دول عدم الانحياز، بعد يومين من الجدل السياسي الذي غلب عليها طابع الجدل الإعلامي، بينما استقرت مشاورات الدول التي شاركت في القمة عند المواقف المنحازة لصالح المعارضة السورية بحجة دعم القضايا الإنسانية، خصوصا بعد الكلمة ”المثيرة للجدل” التي ألقاها الرئيس المصري محمد مرسى، والتي جاءت بضوء أخضر فرنسي، أشار فيها إلى أن قضايا الأمن والاستقرار لا يمكن التعامل معها بعدم الانحياز، وذلك على حساب مبدأ منظمة دول عدم الانحياز التي تشدد على ضرورة الخروج بمواقف محايدة في الصراعات التي تأخذ طابع دولي كما هو شأن ”الأزمة السورية”. انقسمت آراء السياسيين حول قرارات القمة التي أوصت بالالتزام بالمبادرة المصرية والإيرانية من بين العديد من المبادرات التي عرضت لحل الأزمة السورية. وينظر إلى المبادرة المصرية إلى أنها خففت من القرارات التصادمية مع مبادئ القمة، بينما يرى العديد من المراقبين أنها مبادرة تحمل إرادة غربية بشأن الأزمة السورية تصب في مصلحة المعارضة وتمهد لحل التدخل العسكري لما تحمله من قرارات مبطنة تؤيد المخطط الفرنسي البريطاني الذي يتكتم على انتهاكات المعارضة و”الجيش السوري الحر” التي تنشط بالتعاون مع التنظيمات الجهادية في مقدمتها ”تنظيم القاعدة”. كما أن المبادرة جاءت من دولة كان لها حكم مسبق من الأزمة السورية، وهو ما استغله رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي في اتهام الرئيس المصري بكسر مبادئ الحركة خلال الكلمة التي ألقاها واصفا النظام السوري بأنه ”نظام قمعي يجب أن يسقط”. وأدت القضية السورية التي كانت على رأس أجندة قمة دول عدم الانحياز التي احتضنتها إيران، إلى ”كسر” المبادئ الأساسية لحركة عدم الانحياز، سيما فيما يخص المبادئ العشرة فيما يعرف بمبادئ العشرة لباندونج. وحسب نص البيان الختامي الذي صدر أمس عن القمة وسط عدم وجود معارضة حقيقة من داخل دول القمة على قراراتها، فإن قمة طهران عاجلت الأزمة السورية من زاوية واحدة بما يخالف مبادئ الحركة التي تأسست عليها الحركة منذ 1955 لتؤكد على ضرورة احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها، عبر تعزيز مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها واحترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقًا لميثاق الأممالمتحدة. كما أدى تزامن قمة طهران مع الأزمة السورية ”الأكثر تعقيدا” في مشهد ”الربيع العربي” لتعدد الأطراف المتنازعة، كما يؤكد على ذلك المبعوث الأممي الجديد لسوريا الأخضر الإبراهيمي إلى تراجع دور الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز وبروز دور جديد لإيران تحديدا، والتي سيكون لها دور كبير في الأزمة السورية، كما تنص على ذلك المبادرة المصرية التي سيترب عليها تشكيل مجموعة اتصال تضم أربع دول عربية وإقليمية هي مصر والسعودية وإيران وتركيا، بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، فيما قررت دول عربية أخرى الالتزام بالحياد كما هو شأن الجزائر التي تعزيز التعاون بين أعضاء حركة عدم الانحياز وبلدان مجموعة 77 على أن يشكل ”أولوية مطلقة” بالنسبة لأعضاء المجموعة، كما قال رئيس مجلس الأمة الجزائري عبد القادر بن صالح في كلمة ألقاها باسم مجموعة 77 + الصين خلال قمة حركة عدم الانحياز المنعقدة بالعاصمة الإيرانيةطهران أن مجموعة 77 والصين ”مجندة من أجل تعزيز التعاون المثمر القائم مع حركة عدم الانحياز من خلال لجنة التنسيق المشتركة”. وقامت قمة عدم الانحياز التي تأتي على هامش العديد من الجهود الدولية التي تبحث حل للأزمة السورية التي دخلت بعد 17 شهرا من المواجهات المسلحة نفقا مظلما، بحسب العديد من المراقبين، يصعب الخروج منه دون حسم عسكري، بمناقشة العديد من القضايا مثل القضية الفلسطينية، إلا أن الأزمة السورية كانت الأبرز وسط عجز مجلس الأمن والأممالمتحدة والعديد من المبادرات العربية التي سبق وأن طرحتها جامعة الدول العربية، وهو ما يجعل جهود قمة دول عدم الانحياز تواجه تحديات كبيرة خصوصا بعد التلميحات الجديدة التي أوردها زير الخارجية البريطاني وليام هيج مؤخرا، مشيرا إلى أن بلاده تناقش مع فرنسا التي ترأس الآن مجلس الأمن خيار التدخل العسكري لإقامة مناطق آمنة للمدنيين.