لن يكون هناك تدخل عسكري في شمال مالي. هذا ما قاله أمس قائد قوات "أفريكوم" الجنرال "كارتر أف هام" في ندوة صحفية بسفارة أمريكا بالجزائر. فأمريكا مثل الجزائر، لا تريد تدخلا عسكريا في شمال مالي، وتفضل الحوار مع الجماعات المسلحة، وقد باشرت الجزائر فعليا هذا الحوار بلقائها وفدا من أنصار الدين أول أمس بالجزائر. وهكذا تخيب آمال فرنسا في المنطقة، فرنسا التي لوحت منذ أيام بضرورة التدخل عسكريا في شمال مالي، قبل أن يتراجع وزير خارجيتها ويصرح بأنه لن يكون هناك تدخل عسكري في الساحل. كما سيخيب أمل الوزير الأول المالي "شيخ موديبو ديارا"، الذي نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أنه وجه طلبا للغرب، لفرنسا تحديدا، بإرسال الطائرات والقوات الخاصة لشمال مالي للقضاء على الجماعات المتشددة، وأيضا لقمع أية حركة انفصالية في المنطقة. أمريكا فوضت الجزائر بمسألة الساحل، بالطريقة السلمية، لأن للجزائر خبرة في التعامل مع الجماعات الإرهابية بحكم تجربتها المكتسبة في حربها على الإرهاب، لأن أمريكا التي تعالج الكثير من الجبهات التي فتحتها في العالم من أفغانستان إلى العراق، إلى ليبيا، لا تريد في الوقت الراهن، فتح جبهة جديدة، هي تعرف أنها لن تقوى على السيطرة عليها، بسبب المنافسة الفرنسية هنا. فكلما كانت هناك أزمة ما في الساحل، إلا ووجدت فيها آثار الخلط الفرنسي هناك، لأن فرنسا ترى أن الساحل هي منطقة تأثيرها من دون منازع، ولا تريد أن تتخلى على هذا المجال الحيوي إلى أية قوة أخرى، حتى وإن تعلق الأمر بأمريكا نفسها. ومثلما تقف فرنسا الدولة في جهة السلطات المالية وتبحث لها عما يبرر أمامها تدخلا عسكريا، إما بسبب رهائنها المختطفين في منطقة الساحل، أو بسبب مصالحها الاقتصادية هناك، ومنها مصالح شركة "أريقا" التي تستغل الأورانيوم الإفريقي. هناك أيضا آثار لفرنسا غير الرسمية المتغلغلة عناصرها في الجماعات الإرهابية، وفي تنظيم القاعدة تحديدا، مثلما أكدته الأسبوع الماضي وسائل إعلام فرنسية. لا أدري كم من الوقت ستستغرقه إعادة السيطرة على منطقة الساحل أمام التنافس الفرنسي الأمريكي على المنطقة، في الوقت الذي انتشرت فيه الأسلحة الليبية، وأسلحة المهربين، وكم سيستغرق من الوقت أمام الجزائر، لتتمكن من تحرير رهائنها وتفرض خياراتها على جماعات إرهابية لا تعترف بالحدود ولا بالدول ولا بقوانين غير القوانين التي تفرضها هي بحد السلاح. لكن الوضع يبقى في غاية الخطورة في هذه المنطقة الهشة، خاصة بالنسبة إلى الجزائر التي استنفرت كل قوتها على طول حدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية، وهذا في حد ذاته سيشكل بالنسبة إلينا "حرب استنزاف" غير معلنة، ستؤثر سلبا لا شك على الوضع الداخلي، ولهذا لا يكفي إسناد أفريكوم دور حل مشكل الجماعات الإرهابية في الساحل إلى الجزائر، ما لم تقدم أمريكا دعما إلى الجزائر بالمال والسلاح؟!