هلا توقّف ”الثوار” السوريون لحظة، وراقبوا ما يحدث على ضفاف النيل، والدماء التي سالت من جديد، وانقسام الشعب المصري إلى صفين متقاتلين، بعدما جمعهم ميدان التحرير في الثورة على نظام مبارك. هلا توقفوا وانتبهوا لما يحدث في تونس من فوضى، ومن ضياع لآمال الملايين في الحرية وفي النهوض بأوطانهم، وعوض أن يجنوا أزهار الربيع المشؤوم، وجدوا أنفسهم يضيعون الطريق نحو الخلاص ونحو الرقي من جديد. على سوريا التي مازالت تدفع يوميا بالعشرات من الضحايا في صف المعارضة وفي صف الشعب الذي لا يعنيه لا النظام ولا أعداؤه أن تتعظ من تجربة ”الثورات” العربية المزعومة، وتستخلص الدرس من مصر مرسي، وتونس الغنوشي، وليبيا التي يندب شعبها اليوم حظه التعيس، نادما على الثورة التي تخلص بها من القذافي، فإذا به يجد نفسه فريسة لإرهاب لا يحمل عنوانا أو صفة، وكل يوم ينهض سكانها على أخبار الفجائع والاختطافات والاغتصاب، والتناحر القبلي، وتونس التي كانت مرجعية في الدستور وحرية المرأة وشعبها مثالا عن الإنسان العربي المتمدن، صارت خرابا وتولاها منافقون يتربصون يوميا بشعبها ويعدون له المكائد التي حتما ستغرق البلاد في سنوات دم ونار ستكون أبشع من تلك التي غرقت فيها الجزائر منذ فترة. أقول هذا لأن التآمر اليوم على سوريا ليس من أمريكا وبريطانيا وقطر والسعودية وحدها، فهذا مؤسس الجيش السوري الحر الفاقد لكل حرية، رياض الأسعد، يدّعي بأن الأسد يمهد لاستخدام الأسلحة الكيماوية، وجاء هذا الكلام ممهدا الطريق لما تستعد له أمريكا وفرنسا وبريطانيا والغرب عموما، لتوجيه ضربة قاصمة لظهر النظام السوري. فقد بدأت الآلة الإعلامية الغربية الأسبوع الماضي تتحدث عن استعداد الأسد لاستعمال السلاح الكيماوي، مثلما سبق وقام به قبله صدام حسين ضد الأكراد، والمصيبة أن الغرب يجد له دائما العملاء ليسهلوا له المهمة، والأسعد واحد منهم. فماذا جنى العراق من التدخل الأجنبي بحجة السلاح النووي غير الخراب؟ والهدف من نعيق الإعلام الغربي، أن أمريكا التي انتهت انتخاباتها الرئاسية الشهر الماضي، وضعت في أجندتها القضية السورية التي تعتزم الفصل فيها نهائيا، خاصة وأن وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس صرحت منذ أيام للواشنطن بوست بأن النزاع في سوريا ينذر بانهيار منظومة الشرق الأوسط المتعارف عليها وقدوم قوى ل اتخدم المصالح الأمريكية، والحرب الأهلية في سوريا قد تكون المشهد الأخير في انهيار الشرق الأوسط، بالصورة المتعارف عليها، أي أن سوريا تقف حجر عثرة في طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سهرت كوندي طويلا على إعداده. ليبحث السوريون عن حلول لنزاعاتهم بعيدا عن الغرب، وبعيدا عن لغة السلاح التي لم تحصد إلا مزيدا من الأرواح يوميا، وليجلسوا إلى طاولة الحوار، لأن ما يهددهم بعد التخلص من الأسد أنهم سيقعون فريسة لمجموعة لا تقل دموية عن الأسد، ولا تعترف لا بالديمقراطية ولا بالتداول على السلطة، جماعة مشروعها مهرب من الجاهلية وليس من سنوات التنوير الإسلامي، مع أنهم يدعون الإسلام. ليتعظ قادة المعارضة السورية من الأزمة المصرية وما هي مقبلة عليه مصر من فتنة وطائفية تنذر بحرب أهلية ستكون شرسة وطويلة المدى، ولينظروا إلى المستنقع العراقي والحرية التي أهدته إياها أمريكا... فالربيع العربي أكذوبة ضحكت بها هيلاري وقبلها كوندي على العرب، لكنهم لا يفقهون!!