تعرضت للكثير من المضايقات بسبب صداقتي مع معمري رغم ما نسب للكاتب والباحث مولود معمري من تدخل في أمور السياسية وسعيه لتأليب منطقة القبائل على النظام لكن التاريخ، أثبت أن هذا الرجل ظلم كثيرا في بلده لأنه قضى حياته باحثا في الثقافة والأنثروبولوجيا، مسكونا بهم البحث وتطوير الثقافة الأمازيغية في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، ولم تكن يوما السياسية من ضمن اهتماماته كما يؤكد على ذلك الشيخ مولاي أصيل مدينة تيميمون الدليل الشخصي للدا المولوذ لأكثر من سبع سنوات، وهي المدة التي قضاها معمري في البحث وتدقيق تراث الاهليل الذي صار بفضله فقط في قائمة التراث العالمي. يتحدث الشيخ مولاي عن لقائه لأول مرة بمولود معمري في 1971 فيقول: ”تعرفت على مولود معمري بفضل الباحث الفرنسي بيار روجيه الذي يشتغل رفقة مولود معمري، كباحث في التراث الموسيقي، تلقى مكالمة من سيدة بريطانية تطلب منه المساعدة في تسجيل الموسيقي البدوية في الصحراء الجزائرية. عندما قدمت هذه السيدة إلى الجزائر أعطتها وزارة الداخلية تصريحا بالتسجيل ووضعت تحت تصرفها دليلا سياحيا في الطريق قام الدليل بإسماع بيار روجيه موسيقى قال إنه سجلها في ”ڤوربي” بمنطقة شروين تيميمون، أعجب بيار روجيه بالموسيقى وقال إنه يجب أن يستمع إليها الدا المولود. عندما حمل بيار روجيه التسجيل إلى صاحب ”الربوة المنسية” بقي مشدوها، فمن جهة هناك اللغة الأمازيغية، ومن جهة أخرى الموسيقى ذات اللمسة الخاصة، وهناك الابتهالات الدينية، فطلب من بيار روجيه العودة إلى شروين لتسجيل موسيقى الاهليل، لكن عند وصول الباحث الفرنسي رفض السكان أن يلبوا طلبه لأنه كان أجنبيا ذا عيون زرق. ومن عادة الأمازيغي دائما أن يكون متحفظا تجاه من لا يعرفهم يقول الشيخ مولاي. فما كان من بيار روجيه الذي رفض العودة إلى الدا المولود خالي الوفاض أن يقصد رئيس الدائرة ليساعده وعندما أخبره الباحث الفرنسي بأمره، قال له لماذا تذهب إلى شروين لتسجيل الاهليل وهو موجود هنا، وكنت أنا من اتصل برئيس الدائرة وساعدته في تجهيز فرقة لتسجيل الاهليل. وذات يوم من عام 1971 دق مولود معمري باب بيتي على الثامنة والنصف صباحا ولم أكن قد عرفته من قبل، كنت فقط أسمع باسمه ككاتب وباحث كبير، يومها اكتشفت مولود معمري الإنسان ولم نفترق طيلة سبع سنوات قضاها معمري في تسجيل ودراسة موسيقى الاهليل، وله يعود الفضل في إخراج هذا التراث إلى العالمية. كان يزورني في بيتي أو أذهب أنا إليه في العاصمة لترجمة ما يتم تسجيله، ولم نفترق إلى غاية وفاته رحمه الله. يواصل الشيخ مولاي شهادته بشأن مولود معمري، فيقول: ”لم أقتنع يوما بوفاة معمري بحادث سيارة. كيف يمكن أن يسقط جذع الشجرة فقط على سيارة الدا المولود في طريق وطني تعبره الكثير من السيارات باستمرار؟ الدا المولود الإنسان كان يحب النكتة والنقاش المفتوح، كان إنسانا وديعا يتقن الإصغاء للآخر مهما كان الموضوع. عندما يستغرق في موضوع بحثه يكون إنسانا صارما، ولكن عندما ينتهي يمكن أن يتأقلم مع الشرائح العمرية وجميع الناس أيضا. الدا المولود - يقول الشيخ مولاي - لم يكن يهتم إطلاقا بالسياسة، فطيلة سبع سنوات التي عرفته فيها لم يحدث على الإطلاق أن تحدثنا في أمور السياسية كان كل همه ثقافيا بحتا. يواصل الشيخ مولاي حديثه: ”تعرضت للكثير من المضايقات بسبب صداقتي مع معمري، الكثيرون كانوا يعتبرونه معارضا ويحشر أنفه في السياسة، لكن الحقيقة غير ذلك معمري لم يهتم بالسياسة لا من بعيد ولا من قريب، كان يريد تطوير وإخراج التراث الثقافي الجزائري إلى الأضواء”.