منعت مصالح الشرطة وقوات مكافحة الشغب المئات من موظفي الصحة الذين نظموا وقفة احتجاجية واعتصاما أمام مقر وزارة الصحة والسكان من أطباء عامين، أطباء أخصائيين، أخصائيين نفسانيين وأساتذة شبه الطبي، من التقدم نحوها، فارضة بذلك طوقا أمنيا وحصارا شديدين، واكتفى المحتجون بترديد شعارات وحمل لافتات، مطالبين فيها وزير القطاع بالرحيل بعد ”عجزه عن التكفل بالمطالب المهنية والاجتماعية وبدل حلها استنجد بالقوة العمومية لتخويف أصحاب المآزر البيضاء من كلا الجنسين”. استجاب المئات من موظفي الصحة لنداء التنسيقية، بالرغم من اختلاف انتماءاتهم النقابية، جمعهم صباح أمس في حدود الساعة العاشرة هدف واحد، هو الاحتجاج والاعتصام والدفاع عن مطالبهم المهنية والاجتماعية التي ”لا تزال غير متكفل بها من قبل وزارة الصحة والسكان والمسؤول الأول على القطاع يدير ظهره لهم”، حسب تصريحات مسؤولي النقابات خلال الوقفة الاحتجاجية، التي شهدت حضورا مكثفا لمهنيي القطاع من مختلف الولايات على غرار الجزائر، البليدة تيبازة، وهران، البيض، ڤالمة، غرداية، أدرار، إليزي وورڤلة، مرتدين مآزرهم وحاملين لافتات كتبوا عليها مطالبهم، مرددين عبارات ”ارقد.. ارقد يا وزير.. قل لنا واش ادير”، ”الطبيب لا يمل، ولا يحمل الذل”، ”بركات من الوعود.. دعوا الكرامة تعود”، ”الصحة ماشي لاباس.. كي زياري كي عباس”... وحضرت مصالح الأمن بالزي الرسمي والمدني، مدعمة بقوات مكافحة الشغب لتحاصر الحديقة المقابلة لمقر وزارة الصحة والسكان مكان تجمع المحتجين بشاحنات الشرطة، وأمام أفراد الشرطة الذين توزعوا في محيط المكان تحسبا لأي طارئ، في الوقت الذي أخذ ممثلو التنسيقية في توضيح الأسباب التي دفعتهم إلى الاحتجاج والاعتصام الواحد تلو الآخر. وقال رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، الدكتور مرابط إلياس، في تصريح ل”الفجر”، إن ”ممارسات الوزير وتعامله مع موظفي قطاع الصحة، وعدم تكفله بمطالبهم واستفزازاته الأخيرة بعد إعلان الإضراب بتوجيه نداءات وبيانات عبر الصحف، كان الهدف منها تحريض المواطنين ليثوروا ضد موظفي القطاع وتحميلهم مسؤولية توقف العمل وإلقاء اللوم عليهم. ونحن نقول للمواطن بأن الصحة مريضة في الجزائر على مدار العام، وليس الإضراب عقابا للمرضى كما صرح الوزير، بل عليه أن يواجه مشاكل القطاع، ويعمل على حلها، لا أن يستمر في سياسة الهروب نحو الأمام متجاهلا الوعود التي التزم بها في وقت سابق بشأن مراجعة القانون الأساسي، والنظام التعويضي، وممارسة العمل النقابي ورفع التضييق عليه، حيث لا يزال العديد من النقابيين في ولايات سطيف، برج بوعريريج وأم البواقي موقوفين منذ مدة”. من جهته، قال رئيس نقابة الأخصائيين النفسانيين، الدكتور خالد، الناطق باسم تنسيقية مهنيي الصحة في تصريح ل”الفجر”، إن ”وزير الصحة أبلغ النقابات عبر الجرائد بأن الوزارة تكفلت بالمطالب، وكان من المفروض عليه أن يوجه لنا دعوة لعقد لقاء ومناقشة المشاكل لا التعامل معنا بهذه الطريقة، وهذا نزاع جماعي بين طرفين”، مضيفا أن الوزير ”رفع دعوى قضائية ضد النقابات بحجة أن الإضراب غير شرعي، والتبليغ القانوني لم يصلنا عن طرق محضر قضائي”. وأوضح أن ”الإضراب لم يعاقب المريض ولم يعطل قطاع الصحة، بل القطاع مريض طول العام”، متسائلا ”كيف لمرضى السرطان الانتظار مواعيد العلاج حتى جوان 2014، والوزير بموقفه هذا حرض المواطنين على موظفي القطاع، وبهذه الطريقة هو يسيء إلى قطاع الصحة ويضطهد موظفيه والحل والعقد بيده وبيد الحكومة”. بدوره، رئيس نقابة الممارسين الأخصائيين في الصحة الدكتور يوسفي، قال في تصريح ل”الفجر” إن ”الوزارة قابلتنا اليوم (أمس) بالتخويف بالرغم من أن الإضراب حق يكفله الدستور، والمطالب المرفوعة للوزير منذ مدة لا تزال تراوح مكانها وسنبقى نناضل حتى افتكاكها”. أما رئيس نقابة أساتذة الشبه الطبي مشري محمد، فقال في تصريح أمس ل”الفجر” إن ”وزارة الصحة تخلت عن التزاماتها وبقيت مجرد وعود كاذبة لا تسمن ولا تغني من جوع”، معلنا أن نسبة الاستجابة للإضراب لموظفي السلك بلغت حدود 48 بالمائة”. وواصل المحتجون مكوثهم في مكان الاعتصام، واستعملت مكبرات الصوت في ترديد الهتافات والشعارات، ولما حاول أصحاب المآزر البيضاء التقدم نحو مقر الوزارة بعد حالة فراغ شهدها الطوق الأمني بإزاحة بعض شاحنات الشرطة، خرج المحتجون إلى الطريق، لكنه لم يدم طويلا أمام سرعة تدخل مصالح الشرطة وقوات مكافحة الشغب التي راح أفرادها يدفعونهم نحو الخلف للرجوع إلى الحديقة مكان التجمع، وهو ما جعل الطرفين يدخلون في مناوشات ومشادات بالأيدي، تسببت في سقوط رئيس نقابة الممارسين الأخصائيين في الصحة الدكتور يوسفي على الأرض، الأمر الذي دفع بزملائه إلى الالتفاف حوله وجذبه إلى الخلف، ليتسلم بعدها مكبر الصوت ويؤكد أن ”مثل هذه الممارسات لن تزيد الأطباء وزملاءهم إلا إصرارا على مواصلة النضال النقابي حتى افتكاك الحقوق”، ليشرع المحتجون في ترديد عبارات ”نحن أطباء ولسنا إرهابيين”.