سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أركون طورد بتهمة العلمانية، زوجة فرانز فانون انتحرت بسبب التهميش وديب مات في شقة تابعة لبلدية باريس عمر أزراج يروي قصة هروبه إلى لندن واعتقاله في ليبيا للفجر الثقافي:
بومدين أهان مفدى زكريا لأنه لم يمدحه العربي الزبيري ومولود عاشور سافرا إلى روسيا لسحب جائزة اللوتس مني المبدعون لا ينجحون لأن النجاح مشكلة في هذه البلاد بروتوكول العربي الزبيري ساعدني في إصدار جواز السفر للهروب إلى بريطانيا حتى قبل أن ندخل إحدى المقاهي المقابلة للبريد المركزي هروبا من جنون سماء العاصمة التي أمطرت فجأة، كان عمر أزراج قد بدأ في الإجابة عن بعض الأسئلة التي كنت سأطرحها عليه لاحقا عن قصة هروبه إلى لندن، عن صداقته مع محمد أركون، وتهميش المبدعين، عن الهوية واللغة، عن انسداد الأفق في هذه البلاد. ”لم يبقى لنا في هذا البلد إلا الحلول الفردية لقد حسمت أمري سأعود للاغتراب” من هذه الجملة بدأ حوارنا على طاولة قهوة وأمطار العاصمة المتأخرة استعاد عمر أزراج لأزيد من ساعتين من الزمن بعض ذكرياته مع البلد واللغة وكواليس لجنة تعديل الميثاق الوطني. تحدثت في كتابك الأخير ”قصة قصيدة” عن الأمازيغية وغيابها في الفضاء العام، لماذا اخترت العربية ”كغنيمة حضارة” وليس الفرنسية، رغم أن هذه اللغة تقدم تسهيلات لكتابها خاصة في مرحلة اتسمت بالصراع الأيديولوجي بين التيارات في الجزائر؟ نحن البربر عشنا اقصاءا لغويا تاريخيا على امتداد قرون، واللغة الأمازيغية لم تكن على مدار قرون مكتوبة وكان الشعب الجزائري كان له فقط نصف لسان اللسان الذي يتحدث ويعيش شفويا في الحياة لكن ليس له مدونة تاريخية وحضارية يمكن أن نرجع إليها وتكون منظومة نستعين بها لفهم عالمنا. من هنا اللغة العربية في الجزائر كانت جزء لنصف اللسان والمد الحضاري العربي الإسلامي كان فعلا ”غنيمة حضارة” لنسأل أنفسنا بموضوعة لو لم يأتي العرب والمسلمين باللغة العربية كيف كان سيكون مصيرنا ؟ كنا حتم سنكون جزء من اللغة الفينيقية التي كانت يومها اللغة الرسمية للبلد، ونحن عندما نبحث في البناء التركيبي للغة الامازيغية نجد جزء كبير من الكلمات والعبارات ذات الأصل الفينيقي، ثم سيطرت فيما بعد اللغة الرومانية لغة المستعمر وبها كتبت الفلسفة والأدب، الجزائر كانت معقلا للأول رواية في تاريخ الإنسانية ”الحمار الذهبي لأبوليوس”، وبها كانت أفضل جامعة في تاريخ إفريقيا. لهذا اللغة العربية هي ”غنيمة حضارة”، قلت هذا الكلام بناءا على تجربة حياتية عشتها في الجزائر، اذكر أنه عندما كان النقاش في الجزائر دائرا حول اللغة الامازيغية قبل أن يأخذ المشكلة بعدا سياسيا، وكنت إذاك عضوا في اللجنة الوطنية الفرعية لإعادة صياغة الميثاق الوطني، وكان معي عبد الحميد مهري رحمه الله والإبراهيمي وعبد الرحمان شيبان وغيرهم، وكان الصراع داخل هذه اللجنة على أشده حول جعل الامازيغية بندا من بنود الهوية الوطنية ،أطراف عدة لم تكن متحمسة لتكون الامازيغية ركنا من أركان الهوية، ومع الأسف المترددين كانوا أغلبهم من البربر. في اللجنة مثلا لم يكن مولود قاسم متحمسا، ولم يكن شيبان متحمسا، وعندما اختلفنا قال مهري رحمه الله ”سنحول الأمر إلى الشاذلي بن جديد”. وعندما وصل الأمر إلى الشاذلي بن جديد ثبت الامازيغية كركن من أركان الهوية الوطنية في 1986. بعدها شهدت تلك المرحلة صراعات طاحنة ودخل السجون من دخل وهمش من همش ونفي من نفي، وعندما جاء الرئيس بوتفليقة وحصل اتفاق على إقرار الامازيغية كلغة وطنية حدث تراجع في التكفل بهذه اللغة حتى في المنطقة الأمازيغية نفسها. في تيزي وزو وبجاية أسماء المحلات والشوارع تكتب بالفرنسية. أنا من الذين يعتقدون أنه يمكن أن تتعايش الثقافة العربية والامازيغية وهذا لا يعني أن الثقافة العربية هي الأقدر على احتضان التقدم الفكري المعاصر بل الامازيغية أيضا قادرة على هذا، حان الوقت للنظر للعربية ككيان حضاري وليس كوجود عرقي، ”مجموعة جاءت واستعمرت” ولا أقول فتحت لأن البلاد كانت مفتوحة ”ينبغي أن ننتقل من التفكير السلبي باعتبار العربية هي لغة المحتل، الجزائر هي ملتقى الشعوب كما قال فرانز فانون ومرة قال لي رسول حمزتوف ”أن في الجزائر التقى الغرب والشرق” الجزائر كانت مصهرا للتعدد العرقي والثقافي من اليهود والأتراك والرمان والو ندال والامازيغ والعرب وانصهرت حتى صارت عرق واحد هو ”الجزائري” لا بد أن نخرج من منطق المحاكمات والعداوة للغة العربية ونخرج من المنطق العداوة الغير مباشرة للأمازيغية أضا. في الجزائر لا يوجد لحد الآن معاجم حقيقية للغة الامازيغية. أخاف أن تصبح هذه اللغة مثل لغة المسيح التي لا توجد إلا قرية واحدة في سوريا تتحدث بها. يجب أن نبتعد عن السياسية ونبدأ في العمل الحضاري من أجل تحويل هذه اللغة إلى لغة علم، لأن العداء المجاني للعربية والعداء المجاني أيضا للامازيغية. قلت أيضا أن كتابا عارضوا ترشحك لجائزة اللوتس منهم وطار لماذا وقف وطار ضدك؟ وطار كان يعتقد أنه الأديب الأوحد في الجزائر، وعندما رشحت للجائزة وكانت للشعر وليست للنثر وكان الذي رشحني هو شخصية مصرية معروفة ”عبد الرحمان خمسي” ربت كبار الشخصيات الفنية والثقافية مثل فاتن حمامة وعبد الحليم خافض، وكان من المفروض أن يفرح أي جزائري بذلك النجاح لكن على العكس سافر وفد من اتحاد الكتاب إلى روسيا خصيصا لطلب سحب الجائزة مني. ألم تحاول أن تعرف من كان ضمن هذا؟ اللجنة معروفة تكونت من العربي الزبيري ومولود عاشور وغيرهم، ذهبوا إلى روسا لطلب سحب الجائزة لأن الاتحاد لم يرشح أزراج. نحن بارعون في إقصاء بعضنا البعض، وليست الضحية الوحيدة في هذا، أركون ومولود معمري ومحمد ديب وغيرهم ماذا حدث لهم ؟ الجزائريون لا يحبون النجاح وقد يصير النجاح مشكلة حقيقية حتى عندما تناله من الخارج. أنا مثلا منذ 6 سنوات هنا في الجزائر وخريج جامعات كبرى في بريطانيا لم يتصل بي أحد لتقديم خلاصة تجربتي للأجيال الجديدة، لأن في ذهن الجزائري الذي يحاربك أنك تريد أن تسولي على منصبه، فالمشكلة كلها في المنصب وليست في الوطن. عشت في بريطانيا 22 سنة وكان حمراوي حبيب شوقي هو الوحيد الذي اتصل بي ودعاني للجزائر. ما زلنا نفكر بمنطق القرية والناحية والجهة ولا نفكر بمنطق الوطن، وننسى أنه بدون وطن قوى لا أحد يمتلك السلطة ونحن نركض خلف المناصب التي نكيد فيها لبعضنا البعض، في حين أن السلطة الحقيقية هي سلطة روحية نستمدها من تقدم بلدنا ومكانته في العالم وافقه الجمالية والفكرية. عرفت محمد أركون وتحدثت كثيرا عن الإهمال الذي تعرض له من طرف بلده هل يمكن أن تقدم لنا تفاصيل أكثر وتتوقف عند أحداث ملموسة؟ عرفت أركون في لندن كان يحضا بنوع من الاستقبال الطيب في الجزائر كان ذلك في عهد مولود قاسم، وبعد انتهاء عهد مولود قاسم في وزارة الشؤون الدينية انتهت علاقة أركون بالجزائر لسببين سياسيين أولا لأنه قال أن الجزائر تسيطر فيها ايدولوجيا الكفاح على إيديولوجية التنمية وتحرير المجتمع من التخلف، كان يقول أن الذين يحكمون البلاد من الذين رفعوا السلاح شبه أميين لا يملكون معايير وأفق لجماليات السياسية والمعمار وبناء ثقافة جديدة. وهذا الكلام سبقه إليه فرانز فانون حيث سبق أن حذر من أن يصبح ”أصحاب البنادق هم أصحاب الوزارات”. والنقطة الثانية أركون متهم بالعلمانية، ومن اتهمه بهذا لم يقرأ كتاباته، لأن المسئولين سماعيين للتقارير التي يكتبها أنصاف الأميون، فاتهم أنه يدعو فقط لفصل الدين عن الدولة، وهنا أعيد هؤلاء إلى مرحلة 1947 عندما كتاب البشير الإبراهيمي أكثر من 90 صفحة منشورة يدعو فرنسا إلى فصل الذين عن الدولة. وهذا لا يعني اضطهاد الدين بقدر ما يعني نزع الدين من أيدي النظام السياسي حتى لا يتاجر به، وحتى لا يجعله أفيون لتنويم الجماهير وإبعاده عن المتاجرة. العلمانية مشتقة من العلم، وتدعو إلى استخدام أحدث ما توصل إليه العقل البشري لفهم أسرار الكون والدين نفسه، ونجد ابن رشد نفسه يدعو إلى ضرورة تأويل الوحي من طرف خاصة الخاصة وهم العلماء والمفكرون.العلمانية تعني إعادة الدين إلى الشعب وإخراجه من أروقة النظام السياسي، وجعل الشعب يعيش الذين كثقافة. في الجزائر لا يوجد لحد الآن معاجم حقيقية للغة الامازيغية. أخاف أن تصبح هذه اللغة مثل لغة المسيح التي لا توجد إلا قرية واحدة في سوريا تتحدث بها. أركون عندما ينزع السحر على الكثير من الآيات القرآنية لا يعني أنه يكفر لكنه يريد أن يدرس الفرق بين ما هو بلاغي وبين ما هو حقيقي في داخل القران، وعندما يتحدث عن معركة تدوين القران ”هناك أربع نسخ للقران مختلفة في ترتيب الآيات” هذا من حق العالم ولا يعني أن أركون كافر. والمشكلة الثالثة أن الذين تصدروا المشهد في الجزائر كانوا يغارون من نجاح ونجومية أركون وهو من المثقفين القلائل الذين استطاعوا وان يقيموا علاقة مثقفة ونقدية مع الثقافة الغربية، وكان يعتز دائما بجزائريته. اذكر أنني مرة سألته في لندن وقلته له كيف حالك مع الجزائريين؟ فأجاب” هل تقصد السلطة أم الشعب؟ الشعب أمي لا يقرأ، أما السلطة فأعاملها بطريقة مهذبة أذهب من باريس إلى المطار ومن المطار إلى والدتي في القرية ثم أعود من المطار إلى حيث أنا لا أزعجهم ولا يزعجونني. وليس أركون فقط هو من دفع الثمن، جاك دريدا كان يصرخ في الغرب انأ جزائري ولدت في الجزائر لكنهم اخذوا منزله وهمشوه مرة سئل من طرف مجلة فلسفية شهيرة” الفلسفة الجذرية” هل ما زلت تصر على انك جزائري فقال ”الجزائريون أقنعوني أنني لست جزائري”، ومحمد ديب مات في منزل تابع لبلدية باريس ولم يقدم له أي شيء رغم أنه كتب ثلاثية ”الحريق والدار الكبيرة” التي كانت بداية تشكيل الوعي الوطني قبل الثورة، وكذلك عاش ياسين سكيرا ومهمشا. لو عاش فرانز فانون إلى ما بعد الاستقلال لما بقي في الجزائر، ابن فانون إلى يومنا هذا ما زال موظفا متعاقدا في السفارة الجزائرية في باريس ويعامل كأجنبي وزوجته انتحرت في الجزائر لصعوبات التي واجهتها. القضية ليست كقضية أشخاص لكنها ثقافة متجذرة في الجزائر، أنصح الناس بعدم النجاح لأنك إذا نجحت ستعاقب. هل ما زلت مصرا على عدم ذكر اسم الشخص الذي ساعدك على استخراج جواز السفر للهروب إلى لندن؟ السيد الذي ساعدني في الهروب إلى لندن اسمه حشيشي وكان بروتوكول الدكتور العربي الزبيري ولم أذكر اسمه في الكتاب حماية له. ذكرت في كتابك أن الرئيس الشاذلي عقد اجتماع وزاري خصيصا من أجل القصيدة التي أثارت حفيظة الآفلأن، لكنه كان ضد خلق شهداء جدد، غير أن جماعة الحزب أصرت على عقابك هل يعني هذا أن الحزب كان أقوي من الرئيس؟ ولماذا أصرت جماعة الحزب على الإنتقام منك؟ الكل يعرف أن الرئيس الشاذلي أوتي به إلى الحكم، ولم ينتخب ولم يكن يتمتع بشرعية شعبية. كما أن الحزب لم يكن موحدا أيضا، كان عبارة عن أجنحة متصارعة، وكل جناح يحاول أن يقصى الآخر. والكولونيل بن عودة الذي أصر على عقابي كذب الرئيس الشاذلي في حياته على أساس أنه لم يكن قائدا للناحية الشرقية، يعني أن الصراعات التي كانت بينهم في الثورة نقلوها إلى السلطة بعد الاستقلال. كنت من الذين قالوا أن الحزب يدمر من الداخل لأن أول انحراف حصل فيه هو التخلي عن عقيدة التحرر الوطني التي قامت على البعد الاشتراكي، فلو لا عقيدة الجماعة الوطنية لما نجحت الثورة ،في الفترة التي كتبت فيها تلك القصيدة كان الحزب يبيع الأملاك ويجنح إلى الرأسمالية المتوحشة ونحن اليوم ندفع ثمن تلك المرحلة والسياسية. والذين كانوا ضد هذا التوجه تم إقصائهم وتخلصوا منهم وتمت تصفيتهم ،كانت جماعة الحزب تعادي ما كان يسمى باليسار الجزائري. الحزب اليوم لم يتغير، في السابق كان الصراع حول القضايا الكبرى مثل الإسلام، وتوجهات البلاد والمواقع، أما اليوم صار الصراع على منصب الأمين العام. كيف يمكن أن نلخص حزب قاد الثورة في أمنيه العام؟ عندما تغيب العقيدة الفكرية والسياسية للحزب يصبح الأمين العام وحده العقيدة. في كتابك أيضا توقفت عند حادثة بومدين أهان مفدى زكريا هل يمكن أن تذكر لنا تفاصيل ردة فعل الشاعر، لأن هناك من يقول أن سبب غضب بومدين من مفدى زكريا تعود لمعلومات وصلته عن طموح هذا الأخير في تولي منصب وزير ثقافة ؟ لا أدري إن كانت فعلا معلومات صحيحة، لكن أعتقد أن مفدى زكريا أكبر من أي وزارة، هذا الرجل الذي كان يصيح من سحن بارباروس بصوت الجزائر كيف يمكن اختصاره في وزارة؟ أنا حضرت المشهد وكان معي عدد كبير من الشعراء العرب وعندما سلم مفدى زكريا على بومدين قال له ماذا تكتب؟ أجاب مفدى قصيدة عنوأنها ”بنت العشرين” فقال بومدين ”بنت العشرين تزوجت وعندها راجل” وفهم مفدي زكريا أن بومدين يقصيه وأن الجزائر لا تعنيه وانسحب مفدي وتألمنا كلنا لهذا الموقف. أعتقد أن الرئيس بومدين أراد أن يعاقب مفدي لأنه مدح بورقيبة ومحمد الخامس والحسن الثاني ولم يمدحه هو ولكن نسي بومدين أن هذا المدح لم يكن مدحا شخصيا لهؤلاء لأن مفدي كان يستخدم شعره لاستقطاب محبي الثورة الجزائرية ومساعدتها بالسلاح الذي كان يمر عبر الحدود من المغرب وتونس وليبيا، وقد كتب في مرحلة صعب كان فيها يلعب دور دبلوماسي بشعره، وأنا أتحدي أي واحد يقول أن مفدي مدح هؤلاء من منطلق شخصي، وبومدين هنا كان ضحية الثقافة السماعية عند قادتنا. بخصوص القصيدة التي أثارت حفيظة قادة الآفلان هناك من يرى انك بالغت كثيرا في تصوير المضايقات التي تعرضت لها حتى زتيلي قال أنه هو الذي صحح لك القصيدة وألقيت بشكل عادي في ملتقى بسكرة؟ بالنسبة للعربي الزبيري رغم صداقتي معه في ذلك الوقت لم يبدى أي موقف لمناصرتي، وهو رجل من رجال السلطة ولا يمكن أن يقف ضدها. أما بالنسبة للزتيلي فانا أعلق على الشعراء الحقيقيين ولا اعلق على إنصاف الشعراء. كنت من رواد مقهى اللوتس وأنت واحد من المحسوبين على تيار اليسار لكنك تقول أن اليسار الجزائري كان يسار موضة فقط هل يعني هذا أننا أخطأنا منذ البداية في تحديد شكل النظام الذي تتبناه الجمهورية بعد الاستقلال؟ إذا استثنيانا فرانز فانون كمثقف، لم يكن هناك مثقفون بالمعني العصري والحداثي لليسار في الجزائر، القيادات التي كانت في الجزائر هي قيادات فلاحين ليس لهم عمق فكري لا اشتراكي ولا ماركسي ولا حتى ليبرالي، في رأي الجزائريون الذين في السلطة لا يفهمون الاشتراكية ولا الماركسية لأنها قبل أن تكون شعارا اقتصادي اجتماعي هي فلسفة. فلا يمكن تأسيس فكر ماركسي بدون العودة إلى مصادرها من الفلسفة الألمانية بشقيها المادي والفكري. والتطبيقات التي حدثت في النظم الاشتراكية إذا لم تدرس الجدل والدياليكت في الطبيعة والفيزياء والبيولوجيا لا يمكن سحبها إلى الحياة السياسية بكل صراحة نحن قادنا الأميون على المستوى الفكري والعاطفة الوطنية لا تكفي وحدها لقيادة أمة. وإذا أردنا أن نبي جزائر لا بد من العودة إلى فكر فرانز فانون لأنه أقر بالخصوصية الفكرية الجزائرية،كما يجب أن نعود إلى المناقب السلوكية لابن باديس، وكذا نمط الإنتاج الإفريقي الأسيوي في فكر مالك بن نبي لأنه طرح مشكلات كبيرة جدا لم تمت صياغتها وجدولتها في الحياة السياسية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، ومصطفى الاشرف الذي يقول أن الجزائر بدأت بطور الأمة ثم ذهبت إلى طور المجتمع، أي بدأنا بالقيادة ولم نبني الشعب. لدينا قامات فكرية لكنها همشت واضطهدت. بعد كل هذا السنوات من الغربة في أي اتجاه تقرأ الأوضاع؟ بعد هذه السنوات الستة التي عشتها في الجزائر وجدت الوطن بلا قيادة، بلا وحدة شعب، وجدت الأنانية وليست الفردية لأن الفردانية تعني استقلال الفرد في قراراته دون أن تتحول إلى كابوس يزعج الآخرين. في خضم غياب أي بوصلة وأي إتجاه في السياسية والتربية والإدارة والعلاقات العامة لا أرى برنامجا أو مشروعا لبناء جزائر حديثة. نحن نعيش على 90 في المائة من عائدات النفط والذي يستعمل من طرف السلطة لإطفاء كل القدرات الإبداعية لدى الجزائريين، لقد صرنا متكلين على الريع وهمشنا الفكر والإبداع. وعلى المستوى السياسي انتقلنا من مرحلة الحزب الواحد إلى عهد الأحزاب المتعددة التي تتحدث بصوت الحزب الواحد، وانتقلنا اليوم إلى مرحلة الرجل الأوحد الذي يحكم كل شيء. وهذه العقلية ليست مستوردة بل هي من صميم الثقافة الجزائرية ولم يقع تجاوزها، وجريمة المثقفين في هذه البلاد أنهم يشتغلون وأعينهم على السلطة، كان من المفروض أن يشتغلوا وأعينهم على الشعب. 22 سنة غيبا في بريطانيا هل كانت هناك إمكانية العودة قبل هذا التاريخ ألا تعتقد أن النظام لو أراد فعلا تصفيتك حتى وأنت هناك لما كان عليه الأمر صعبا ؟ كان إسمي ولا يزال في القائمة السوداء بدليل أنني طلبت منذ عامين بشكل رسمي أن أنشأ مجلة فكرية في الجزائر وحول الطلب إلى النائب العام ووزارة العدل وإلى الجهات الأمنية ولم أتلقى أي جواب لا سلبيا ولا إيجيا إلى اليوم. رغم أن الأمن زار المقر الذي كان سيحتضن المجلة واستجوبني . النظام غير إستراتيجيته من التصفية الجسدية إلى التصفية النفسية وإلى التهميش المتعمد والناعم أيضا، المثقف إذا صفي سيعطي له مجد الشهادة لكن إذا همش وأبعد عن مركز الفعالية الثقافية والتخطيط الفكري هذا هو القتل القاتل. بعد عودتك من المنفى هل تصالحت مع من أساء إليك ؟ أنا لا أعادي الأشخاص حتى هؤلاء هم ضحايا وبحاجة إلى العلاج النفسي التقيت ببعضهم وسلمنا وكان ”السلام وداعا ”مثلما قال المتنبي. قبيل سقوط النظام الليبي كنت في ليبيا وقيل أنك مدحت القذافي هناك هل هذا صحيح؟ تاريخيا لعبت دورا كبيرا في إطلاق سراح 14 كاتبا حكم عليهم ألقذافي بالمؤبد وقبل سقوطه كتبت نقدا لاذعا في جريدة العرب، وكانت لي الشجاعة وذهبت وأعتقلت في لبيبا. ولم يفك أسري إلا البوسيفي مسئول الإعلام الخارجي الليبي وعمر الحامدي الذي كان سفيرا في الجزائر. أنا ذهبت إلى ليبيا للحديث مع أبناء الهوني بشان تغييرات حصلت في جريدة العرب التي أكتب فيها، و في نفس الوقت دعيت لحضور ندوة أدبية ودعتني قبيلة كبيرة معارضة لإسقاط القذافي وطلب مني الكلام في التلفزيون تحدثت وقلت ”أنا مع ليبيا الموحدة وليبيا الحوار وضد أي تدخل خارجي وخاصة الناتو أما التغيير فهو مشروع وضروري” ومن هناك ذهبنا لتعزية وزير الدفاع الليبي الذي قتل الناتو كل أحفاده وأبنائهّ، الرجل كان منهار وهو يرى شعر ولحم أحفاده ملتصق بالجدران كان صديقا بومدين رفع صورته وهو يبكي، تلك الصورة استغلت في كتابة مقال ضدي كوني ناصرت القذافي، من يعرفني يعرف أنني انتقدت القذافي في عز جاهه وقوته وقلت له كلاما في الخيمة أمام الأدباء العرب بعضهم ممن يتبجحون بنقده كان صديقا له قبل أن ينقلب عليه. قلت له ”يجب أن تفتح طريق الديمقراطية في ليبيا” أنا مع التغيير في لبيا لكن ضد الطريقة التي حدثت بها وقد أقر الليبيون أنفسهم بهذا بعدما صارت كل قدرات لبيبا وخيراتها بيد قطر والناتو وعملائهما، أعتقلت في شوارع طرابلس لأنهم اعتقدوا أنني من المخابرات الغربية لأنني أحمل الجنسية البريطانية وأخذت مني أوراقي وتدخل البوسفي والحامدي وفكوا اسري، وغادرت ليبيا دون أن أشارك في أي من الفعاليات الداعمة للقذافي. بعد 22 سنة غربة في بريطانيا ماذا أضافت لك هذه التجربة ؟ سنوات الغربة كانت ولادة ثانية لي، عندما كنت في الجزائر كنت شبه أمي على مستوى العلاقات البشرية والتكوين الفكري، بريطانيا فتحت لي فضاءات الفكر والعلم عن كثبت وبالملامسة، تعلمت في جامعتها وانخرطت في حلقات دراسية مهمة ،والتقيت بكبار المفكرين والفلاسفة وتعلمت منهم وبدأت أمحو أميتي، وهناك اكتشفت وتعلمت قيمة الجزائر في التاريخ وقرأت عن الجزائر وإنتاج زملائي هناك أكثر مما قرأته هنا. بريطانيا تحولت إلى مرآة عاكسة لرؤية نفسي ومشاكلي وعقدي ونقاط ضعفي وقوتي. قلت مرارا أنك مدين في هذا للراحل عبد الحميد مهري ؟ عندما ذهبت إلى مهري ووجهي بالغرز قال لي رحمه الله خذ راحة خارج الجزائر تنساهم وينسوك، أنا لا استطيع أن افعل لك أي شيء هذه قضية أمنية وعندما ذهبت إلى بريطانيا بعد سنتين لحق بي عندما نحي من جبهة التحرير قلت له أهلا وسهلا لقد لحقت بي قفال لي ”راني طولت”. هل تنوي الاستقرار نهائيا في الجزائر أو مغادرتها نهائيا ولماذا؟ أشعر أن علاقة الصفاء بيني وبين الجزائر تكون أفضل عندما أكون بعيدا ولا يوجد بيني وبينها هؤلاء الطغاة والحاقدون على الثقافة والفكر، أرى الجزائر أجمل بعيدا عنها أفضل أن اكتفي بالزيارات وسأعود إلى بريطانيا وربما تتغير الجزائر، هذا البلد يستحق الأفضل، أنا عشت الثورة رأيت وأنا طفل كيف يسقط الشهداء، وبأي ثمن حررت البلاد، كيف قاومت النساء واضطهدن واغتصبن عندما استعيد تلك الصور النبيلة أقول أن الجزائر تستحق أن تكون دولة عظيمة.
جريمة المثقفين في هذه البلاد أنهم يشتغلون وأعينهم على السلطة، كان من المفروض أن يشتغلوا وأعينهم على الشعب كنت من الذين قالوا أن الحزب يدمر من الداخل لأن أول انحراف حصل فيه هو التخلي عن عقيدة التحرر الوطني التي قامت على البعد الاشتراكي