أبصق على الشمس أدير ظهري لتونس عاشقة وكسولة لأنني أتذكر . "يمينة مشاكرة جوان 1960 " منذ أن بلغني خبر وفاة صاحبة ”المغارة المتفجرة”، الأوراسية النابعة بالحب، الغارقة في فوضى الكلمات، المتشبثة بجذور تاريخها الجريح. منذ أن بلغني خبر وفاتها - يمينة مشاكرة - وأنا أدندن أغنية للمطرب الفرنسي ”جيلبار بيكو”: ”عندما مات الشاعر، بكاه أصدقاؤه، بكاه كل العالم، دفنوا نجمته في حقل قمح، فأزهرت بنفسجا”. آه! يا ابنة الأوراس الأشم، يا ابنة القمح والفرح، هل ستدفنين مثل شاعر في حقل قمح، وتزهرين بنفسجا؟ أراك زهرة رافعة أعطافها نحو الشمس، مثل وردة عاشقة! أراك زيتونة أمازيغية، ضاربة عروقها في أرضنا الجريحة، ينير زيتها ليالي الأمل، جريحة مثل روحك التي لم تحتمل الخيانة، عندما غيرت قافلتنا الطريق، فتاهت بوصلتها واختارت الجنون قناعا، حتى لا تحصد الانكسار. من كان سيكترث لجنونك.. لعقلك؟ من كان سيسمع صرخة روحك المعذبة؟ من كان سيهتم بك، وبي، وبالأخريات؟ لكنهم اليوم جاءوا يزفونك إلى مثواك الأبدي على صوت النحيب والزغاريد... لا! الشاوية لا تموت! إنها فقط تغير المقام، مثلما تغير ملحفتها، وإبزيمها وجبين الفضة المتدلي على شعرها! لا! لم تمت الكاهنة! فهي تخرج كل ليلة من بين صفحات التاريخ شاهدا على همجيتهم وبؤس تاريخهم؟! يمينة لست أنت المجنونة، هم المجانين بقناع عاقل! الكاهنة - ديهية - الشاوية هي الأخرى لم تكن مجنونة لما حرقت الأرض والزرع، وفجرت خوابي الزيت والعسل، وأذرت القمح للريح! إنهم هم المجانين، لم يفهموا ترانيم أشعارك، لم يفهموا كيف لملكة بربرية أن تحمل على كتفها كنانة الرماح لتحمي أرضها وشعبها وعرضها؟! يمينة لست أنت المجنونة، فقط ألم الحب وعمق الجرح ووجع القصيدة. لا! لا تندبوا غياب الفقيدة، لا تتحسروا عن يتم القصيدة! لا مكان لبرقيات التعازي. كان الأولى أن ترسلوا باقات الورود والبسمات، وشيئا من العطر والشموع لتبديد ظلمة غرفتها بالمستشفى! كانت في حاجة إلى جليس، إلى يد تلملم خصلات شعرها المبعثر مثل جراح نفسها! كانت بحاجة إلى عين ترى جمال أعماقها المتدفق بين كلمات أشعارها! كانت بحاجة إلى صديق يجلس إلى جنبها عند عتبة الباب مثلما هي عادة الشاويات، يبرم لها سيجارة شاوية حارقة، يراقص قلبها، مثلما تراقص نظرتها دخان العرعار المتصاعد إلى اللانهاية. لا! الشاوية لا تموت! فقط غيرت الرفقة والمكان! لتتماهى أكثر وأكثر مع تربة، مع أرضنا الطيبة، وتعود إلينا أقحوانة باسمة ذات ربيع!! هنيئا للحقول بعطرك، هنيئا للأبدية بروحك، بشعرك وبأنسك