كتبت صديقة سورية على جدارها بالفايسبوك أن أهلها بحلب وسكان حلب بصفة عامة لا يعانون من القصف وهدم البيوت، والحصار المضروب عليهم والأمراض فقط، وإنما يعانون من الجوع أيضا. نعم سكان حلب يجوعون في هذا الصيف وفي هذا الشهر الذي يسمونه شهر الرحمة والشهر الفضيل وغيرها من الأسماء التي كذبها جنون الحرب. سوريا التي كانت ملجأً للمظلومين، ومائدة للجائعين، صار سكانها يجوعون في عقر دارهم، وليس فقط بالمخيمات التي قالت عنها الأممالمتحدة إنها المأساة الإنسانية الأخطر بعد مأساة رواندا. لكن هذا لا يهم أمراء الحرب واللاعبين بمصير الشعوب. لن يهتم القطريون والسعوديون الذين مولوا الحرب في سوريا وأرسلوا الأسلحة والميليشيات المتعددة الجنسيات للقتال في سوريا، بأمر هؤلاء العالقين بين نارين، في حمص وحلب الشهباء. لن يهتموا لهؤلاء فهم لا يفقهون معنى كلمة إنسانية، لا توجد في قواميسهم التي لا تعرف إلا مفاهيم النفط والمال والتجارة بالأعراض... لن تنقل فضائيات الحرب وصحف أمريكا وأوروبا مآسي أطفال سوريا، بطونهم الجائعة وأحلامهم المكسورة وأسرهم المشتتة، إنهم مجرد خسائر جانبية، لكن الخسائر الجانبية فاقت الهوامش المحددة لها في مخططات الدمار المعدة للمنطقة، مثلما فاقت الخسائر الجانبية في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى كل تصور. مع ذلك لم يعرف العراق الاستقرار والحرية والديمقراطية، فقط هدمت بنيته التحتية والفوقية، وتحول إلى بؤرة نفايات، ومستنقع بأتم معنى الكلمة. المصيبة أن الحرب في سوريا، بل الدمار الحاصل في سوريا بدأ يحتل ذيل الترتيب في اهتمامات الإعلام العالمي، الذي سارع إلى مصر موجها كاميراته وبروباغانداته، باحثا عن مواضيع جديدة للإثارة، بعدما أصبحت قصص حرب سوريا والعراق وليبيا لا تجلب الانتباه وأفلست تجارتها. هل الخطأ خطأ الأسد الذي قاوم العدوان على بلاده، وأعطى بصموده فرصة للآخرين لفهم المؤامرة؟ أم أن الخطأ خطأ المعارضة التي قبلت رفع البنادق في وجه النظام وإذا بها تنزلق وتتحول إلى ميليشيات تهدم بلادها من أجل متعة أمراء النفط الذين أعياهم الضجر من حياة الرخاء، فصنعوا لهم حروبا يروحون بها على أنفسم، مثلما يخرجون في رحلات صيد في الصحراء. كم ستستمر مأساة نساء وأطفال سوريا من أشهر، أو سنوات أخرى، لتتحرك الأممالمتحدة، ويتحرك العالم لحمايتهم ووقف الدمار الذي حل بهم وببلادهم؟! فسوريا ليست سوريا الأسد وعائلته ولا طائفته العلوية وحدها، ولا سوريا المعارضة التي تتنقل بين فنادق خمس نجوم عبر عواصم العالم. في انتظار ذلك، تبقى أسواق النخاسة التي يرتادها أثرياء الخليج في الأردن ومصر ولبنان لشراء فتيات سوريا لزواج ليلة، مستغلين مأساة أوليائهم، نشيطة. سوق الرقيق السوري، فضيحة ووصمة عار على جبين العرب، وعلى جبين الأمم المتحدة!؟