في المال حقوق كثيرة غير الزكاة أجملها المولى عز وجل في قوله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}(البقرة 177). ومدح الله عز وجل أقوامًا، فقال في شأنهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (الإنسان 8)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحسن صفات المسلم أن يطعم الطعام، ويفشي السلام، ويصلي بالليل والناس نيام. هذا في رمضان وفي غير رمضان، ولكن ثواب الصدقة والإحسان، وإفطار الصائم في رمضان مضاعف؛ لأن ثواب الأعمال في رمضان يضاعف أضعافًا كثيرة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”، رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الصائم تصلي عليه الملائكة، إذا أُكل عنده حتى يفرغوا”، وربما قال: “حتى يشبعوا” رواه الترمذي. وقال: حديث حسن، ويُسنُّ الدعاء لصاحب الطعام بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أفطر عنده سعد بن معاذ رضي الله عنه على خبز وزيت. ثم قال: “أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلَّتْ عليكم الملائكة”. رواه أبو داود بإسناد صحيح. وينبغي أن يكون إعداد مثل هذه الموائد التي يطلق الناس عليها اليوم “موائد الرحمن” من الصدقات والتبرعات، ولا يصح أن تكون من مال الزكاة؛ لأن مصارف الزكاة محددة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}. (التوبة 60). وإعطاء الزكاة تمليك للفقراء والمساكين وغيرهم، أما الطعام فإباحة للمحتاجين وغيرهم، وقد عرفنا أن في المال حقوقًا سوى الزكاة؛ فهذا الإعداد لمثل هذه الموائد من حقوق المال غير حق الزكاة.