اعترافات قاتل إقتصادي كتاب ل”جون بيركنز” العميل السابق لوكالة الامن القومي الاميركية ، يقدّم فيه شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث وإغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل هاليبرتون و بيكتل مواردها بحجة التنمية. يقول بيركنز ان القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون أعلى الأجور، ليبتزوا رؤساء الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها. وكان بيركنز نفسه أحد هؤلاء القتلة،جنّدته (سي آي إيه) سرّاً، وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الاستراتيجية الأميركية. وكانت مهمّته تتركّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي، يضمّ الحكومات،والشركات في الوقت نفسه العمل على تسكين أعراض وآثار الفقر إجراءات ظاهرية خادعة. وترك الكاتب وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة- الذي كان هو نفسه يوما واحد منهم – من خلال كتابه اعترافات قاتل اقتصادي، وأهداه إلى روحَي رئيسين سابقين، لدولتين من دول امريكا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس، والرئيس الأسبق لبنما عمر تورِّيخوس، وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على حدِّ وصف الكاتب، ذلك “لأنَّهما وقفا في وجه الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة عن طريق نهب ثروات بلدانهم الطبيعية . والذي ذهب هو بنفسه اليهما وحاول ابتزازهما ولكنهما رفضا ، فتعرضا للاغتيال بأسقاط طائراتيهما الرئاسيتان.الكتاب ترجمه الكاتب الاردني بسام ابو غزالة
الجزء الثالث 1975-1981
الفصل السابع عشر المفاوضات حول قناة بنما وغْراهَم غْرين أوجدتْ السعوديةُ مِهَنا كثيرة، أما مهنتي فكانت ماضية قُدُما. لكنّ المؤكَّد أنّ نجاحاتي في تلك المملكة الصحراوية قد فتحت لي أبواباً جديدة. وما إنْ حلّ عام 1977، حتى كنتُ بنيتُ لي إمبراطوريةً صغيرةً تضمُّ من الموظفين حوالي عشرين مهنيا مقرُّهم الرئيسيُّ في مكتبنا في بوسطن، ومجموعةً من المستشارين من الدوائر والمكاتب الأخرى في شركة مين، منتشرين حولَ العالم، كما أصبحتُ أصغر شريك في تاريخ الشركة البالغ مئة سنة. وبالإضافة إلى لقبي ككبير الاقتصاديين، لٌُقِّبْتُ بمدير الاقتصاد والتخطيط الإقليمي. وكنتُ أُحاضرُ في هارفرد وأماكن أخرى، وكانت الجرائدُ تطلبُ مني مقالاتٍ حول الأحداث الراهنة.1 كذلك كنتُ أملك يختاً شراعياً راسياً في ميناء بوسطن إلى جانب السفينة الحربية التاريخية “كُنْستِتْيوشن”، الملقّبة باسم “أُولد آيرُنْسايْد”، والمشهورة في إخضاعها القراصنةَ البربر بعد الحرب الثورية بمدة قصيرة. كنتُ قبل بلوغي الأربعين أقبضُ راتباً ممتازاً وأملكُ ثروةً واعدةً بوضعي في عداد الندرة من أصحاب الملايين. صحيحٌ أنّ زواجي تداعى؛ لكني كنتُ أقضي وقتي مع نساء جميلات ساحرات في قارات عدة. جاء برونو بفكرةٍ لمحاولةٍ مبتكرةٍ في التنبّؤ: نموذجٍ اقتصاديٍّ رياضيٍّ معتمدٍ على كتابات رياضيٍّ روسي ظهر عند انعطاف القرن. ويتضمنُ النموذجُ تخصيصَ احتمالاتٍ ذاتيةٍ للتوقعات بأنّ بعضَ قطاعاتٍ محددةٍ من اقتصادٍ ما سوف تنمو. وقد استطعتُ أنْ أرى أن هذا يُمكنُ أن يكون أداةً مثاليةً لتبرير معدّلات الزيادة المنفوخة التي كنا نحبُّ أن نعرضها للحصول على قروض كبيرة. وقد سألني برونو أن أفكِّر فيما يُمكنني فعلُه بهذه الفكرة. جئتُ إلى دائرتي برياضيٍّ شابٍّ من معهد مساشوستس للتقانة (إم.آي.تي)، هو الدكتور ناديبورام بْراساد، ووضعتُ تحت يده ميزانية. فقام، خلال ستة أشهر، بتطوير طريقة ماركوف للنماذج الاقتصادية الرياضية. ثم وضعنا معا سلسلة من الأبحاث الفنية التي عرضت ماركوف كطريقة ثورية للتنبؤ بأثر الاستثمار في البنية التحتية على النمو الاقتصادي. كان لنا ما أردنا تماما: أداةٌ “تُثبتُ” علمياً أننا نُسدي خيراً إلى الدول بمساعدتها في طلب القروض التي لن تستطيع سدادها. أضفْ إلى ذلك أنه ما من أحد سوى اقتصاديٍّ رياضيٍّ ماهر يملك الوقت والمال يُمكنه فهمُ خفايا ماركوف المعقدة، أو مساءلةُ استنتاجاتها. وقد نُشرت أوراق البحث من قِبَلِ عدة منظمات محترمة، وقمنا بعرضها رسميا في مؤتمراتٍ وجامعاتٍ في عدد من الدول. فغدت الأوراقُ مشهورةً في نطاق المهنة كلِّها – ونحن معها.2 التزمنا، عمر توريجُس وأنا، بكتمان اتفاقنا السري. تأكّدتُ من أنْ تكونَ دراساتُنا صادقة ومن أنّ توصياتنا تأخذ الفقراءَ بعين الاعتبار. وبالرغم من أنني كنتُ أسمع بعض الهمهمات من أنّ تنبؤاتنا في بنما لم تكن ملتزمةً بالمعايير المنفوخة المعتادة، بل كانت تشي بالاشتراكية، فالحقيقةُ أنّ شركة مين بقيت تكسب العقود من حكومة توريجُس. وقد تضمنت هذه العقودُ العقد الأول – تقديم خطط رئيسية مبتكرة تشمل الزراعة وقطاعات البنية التحتية الأكثر تقليدياً. كذلك كنتُ أراقبُ من بعيد حين بدأ توريجُس وجيمي كارتر يتفاوضان حول معاهدة القناة. أثارتْ مفاوضاتُ القناة اهتماما كبيرا وعواطف جياشةً حول العالم. فقد كان الناس في كل مكان ينتظرون ليروا ما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستفعل ما يعتقد سوادُ الناس في العالم أنه الحق – أي السماح للبنميين بالسيطرة – أو أنها بدل ذلك سوف تُعيد وضعَ “بيان المصير” بصيغةٍ عالمية، وهو الذي هزّه تهافتنا في الفيتنام. وقد بدا للكثرة من الناس أن رجلا معقولا وذا رحمةٍ قد انتُخِب لرئاسة الولاياتالمتحدة في الوقت المناسب تماما. بيد أن معاقلََ المحافظين في واشنطن ومنابرَ اليمين الديني كانت تصرخُ شاجبة. كيف لنا أن نتخلّى عن هذا الحصن الدفاعي الوطني، عن هذا الرمز الإبداعي الأمريكي، عن هذا الشريط المائي الذي يربط ثروات أمريكا الجنوبية بنزوات المصالح التجارية الأمريكية؟ في أثناء رحلاتي إلى بنما، كنت معتادا على النزول في فندق كنتننتال. لكنني في زيارتي الخامسة انتقلتُ إلى فندق بنما عبر الشارع بسبب أعمال التجديد في الكنتننتال والضجيج الذي يُحدثُه البناء. وقد انزعجتُ من ذلك التغيير في البداية – لأن الكنتننتال كان بيتي بعيدا عن بيتي. أما الآن فقد بدأتْ تأسرني الردهةُ الفسيحةُ حيث أجلس، بكراسيِّها من الخيرزان ومراوحها الخشبية المعلقة في السقف. وقد تخيلت فيها المشهدَ المُصوّرَ في فِلم الدار البيضاء، وتراءى لي أنّ هَمْفْري بوغَرْت سيدخل الردهة في أية لحظة. وضعتُ جانباً نسخة صحيفة نيويورك رِفيو أُف بُكس حيث انتهيتُ للتو من قراءة مقال كتبه غْراهَم غْرين حول بنما، وحدّقت إلى تلك المراوح أتذكّر إحدى الأمسيات قبلَ سنتين تقريبا. عام 1975، إذ كان عمر تورجُس يتكلمُ إلى مجموعة من البنميين ذوي النفوذ، قال متنبئاً، “فورد رئيسٌ ضعيفٌ، ولن يُعادَ انتخابُه.” كنتُ يومئذٍ من الأجانب القلة الذين دُعوا إلى ذلك النادي الأنيق ذي المراوح المعلقة في السقف. واستأنف قائلاً، “وهذا هو السبب الذي جعلني أقرِّرُ الإسراعَ في قضية القناة هذه. فقد آن الأوانُ للبدء في معركةٍ سياسيةٍ شاملةٍ لاستردادها.” كان خطابُه موحياً لي. فعدتُ إلى غرفتي في الفندق وكتبتُ رسالة أرسلتُها لاحقاً إلى صحيفة بوسطُنْ غْلوب. وحين عُدتُ إلى بوسطن، هاتفني أحدُ المحررين على مكتبي طالباً أنْ أكتب مقالا عموديا. وفي العدد الصادر في 19 أيلول 1975 من تلك الصحيفة، ظهر مقالي “ليس للاستعمار مكانٌ في بنما عام 1975”، مستنفداً حوالي نصف الصفحة المقابلة لمقال المحرر. ذكر المقالُ ثلاثةَ أسبابٍ محددةٍ لنقلِ مسؤوليةِ القناةِ إلى بنما. أوَّلُها أنّ “الوضعَ الحاليَّ غيرُ عادل – وهو سببٌ مهمٌّ لأي قرار.” وثانيها أنّ “المعاهدة الحالية تخلقُ مخاطر أمنيةً أسوأ بكثير مما لو نُقلت السيطرة إلى البنميين.” وقد استندتُ كمرجع إلى دراسةٍ وضَعَتْها “مفوضيةُ القناة البحرية”،* التي توصلتْ إلى نتيجةٍ مفادها أنّ “الحركة يمكن إيقافها لسنتين بقنبلة مزروعةٍ – على نحو يُمكن تصوره من قبل رجل واحد – في جانب سدِّ غاتُن”. وهي نقطةٌ أكد عليها الجنرال توريجُس في خطاب أمام الجمهور. وثالثُها أنّ “الوضع الحالي يخلق مشاكل خطيرةً للعلاقات ما بين الولاياتالمتحدة وأمريكا اللاتينية، وهي علاقات مأزومة أصلا.” وخلصتُ إلى ما يلي: “إنّ أفضلَ وسيلةٍ لضمان عمل القناةِ باستمرارٍ وكفاءةٍ مساعدةُ البنميين في السيطرة عليها وتحمُّل مسؤوليتها. فإن قمنا بهذا، نكن فخورين بأننا ابتدأنا عملا يؤكد التزامنا بقضية تقرير المصير التي عاهدنا أنفسنا عليها قبل 200 عام. ... كان الاستعمارُ أمرا دارجا عند انعطاف القرن (بداية القرن العشرين) كما كان عام 1775. ولعل إقرار مثل هذه المعاهدة يُمكنُ فهمُه في سياق تلك الأزمان. أما اليوم فلا مبرر لها، ولا مكان للاستعمار عام 1975. وإذ نحتفلُ بمئويتنا الثانية، يجب أن نُدرك هذا الأمر ونتصرف بموجبه.”3 كانت كتابةُ ذلك المقال خطوةً جريئة من جانبي، خاصّةً أنني قُبلتُ شريكاً في شركة مين، حيث يُتَوَقَّعُ من الشركاء أنْ يتجنبوا الصحافة، وبالتأكيد أن يمتنعوا عن نشر مقالات سياسية ناقدة في صفحات تحرير أكثر الجرائد احتراماً في نيو إنكلاند. وقد استلمتُ من خلال البريد المكتبي كمّاً هائلاً من الملاحظات البذيئة المشبوكة إلى نسخٍ من المقال، معظمها بلا توقيع. بيد أني كنتُ واثقاً من أنني تعرّفتُ على خطِّ أحدهم، هو شارلي إلِنغْويرث، مديرُ أول مشروعٍ لي في شركة مين، الذي مضى عليه أكثرُ من عشر سنواتٍ (مقارنةً بأقلَّ من خمسٍ لي) ولم يُصبحْ بعدُ شريكا. كان على ورقة الملاحظة صورة جمجمةٍ وحشيةٍ وعظمتين متصالبتين، وكانت رسالتُها بسيطة: “أحقّاً أنّ هذا الشيوعيَّ شريكٌ في شركتنا؟” استدعاني برونو إلى مكتبه وقال، “لسوف تتلقي سيلاً من الاستهجان على هذا، فشركة مين محافظة إلى حدِّ كبير. لكنني أعتقد أنك بارع. توريجُس سيُحبُّها؛ وآملُ أنْ ترسل له نسخة منها. عظيم. أما هؤلاء المهرِّجون هنا في هذا المكتب، الذين يظنُّون توريجُس اشتراكيا، فلن يهتموا بالأمر ما دام العمل جاريا في مجراه.” كان برونو محقّاً – كالعادة. كان الزمنُ عام 1977، وقد احتلّ كارتر البيت الأبيض، والمفاوضاتُ الجديةُ حول القناة جارية. وكان الكثرةُ من منافسي شركة مين قد التزموا الجانبَ الخاطئ فاُخرجوا من بنما، بينما تضاعفت أعمالنا. كنتُ جالساً في ردهة فندق بنما، وقد انتهيتُ للتوِّ من قراءة مقال كتبه غْراهَم غْرين في صحيفة نيويورك رِفيو أُف بُكس. .. يتبع
*Interoceanic Canal Commission * The Power and the Glory, The Comedians, Our Man in Havana. * Getting to Know the General 1 راجع على سبيل الامثال: John M. Perkins, “Colonialism in Panama Has No Place in 1975,” Boston Evening Globe, Op-Ed page, September 19, 1975; John M. Perkins, “US-Brazil Pact Upsets Ecuador,” The Boston Globe, Op-Ed page, May 10, 1976. 2 للاطلاع على أمثلة حول الأوراق التي كتبها جون بيركنز في مجلات تقنية، راجع: John M. Perkins et al, “A Markov Process Applied to Forecasting, Part I-Economic Development” and “A Markov Process Applied to Forecasting, Part II-The Demand for Electricity,” The Institute of Electrical and Electronics Engineers, Conference Papers C 73 475-1 (July 1973) and C 74 146-7 (January 1974), respectively; John M. Perkins and Nadipuram R. Prasad, “A Model for Describing Direct and Indirect Interrelationships Between the Economy and the Environment,” Consulting Engineer, April 1973; Edwin Vennard, John M. Perkins, and Robert C. Ender, “Electric Demand from Interconnected Systems,” TAPPI Journal (Technical Association of the Pulp and Paper Industry), 28th Conference Edition, 1974; John M. Perkins et al., “Iranian Steel: Implications for the Economy and the Demand for Electricity” and “Markov Method Applied to Planning,” presented at the Forth Iranian Conference on Engineering, Pahlavi University, Shiraz, Iran, May 12-16, 1974; and Economic Theories and Applications: A Collection of Technical Papers, with a foreword by John M. Perkins (Boston: Chas. T. Main, Inc. 1975) 3 John M. Perkins, “Colonialism in Panama Has No Place in 1975,” Boston Evening Globe, Op-Ed page, September 19, 1975.
جئتُ إلى دائرتي برياضيٍّ شابٍّ من معهد مساشوستس للتقانة (إم.آي.تي)، هو الدكتور ناديبورام بْراساد، ووضعتُ تحت يده ميزانية. فقام، خلال ستة أشهر، بتطوير طريقة ماركوف للنماذج الاقتصادية الرياضية. ثم وضعنا معا سلسلة من الأبحاث الفنية التي عرضت ماركوف كطريقة ثورية للتنبؤ بأثر الاستثمار في البنية التحتية على النمو الاقتصادي.