سيناء التي ضُمخت أرضها بدماء الجنود المصريين، وسيناء التي دفن فيها جنودنا أحياء في حرب ال67، وسيناء التي اجتاز الجيش المصري بقيادة عز الدين الشاذلي قناة السويس حتى وصل إليها، وسيناء التي سجل فيها عبد المنعم رياض وجنده بطولات باهرة أذهلت العدو، وسيناء التي مات عبد الناصر بحسرة احتلالها، وسيناء التي وضعها أنور السادات تحت الرعاية الإسرائيلية في الصلح المشؤوم والاعتراف المذموم، عادت هذه الأيام لتطفو على سطح الأحداث ولتشهد معارك مشبوهة وتحركات مريبة، وأصبحت ساحة لزوابع وأعاصير لا يعرف لها استقرارا ولا يتبين لها هدفا عند الكثيرين، أما النخبة الواعية والتي تقرأ ما وراء السطور فإنها تعرف الكثير والكثير. ونعود بعد هذا لطرح السؤال المبرر ونقول ما ذا يجري في سيناء وما هذا الحراك الذي تشهده رمالها ومن الذي يقف وراء ما يجري ؟ وحتى نتمكن من الإجابة لابد من الإشارة إلى أن اتفاقية الصلح مع العدو تقضي بأن تبقى سيناء تحت المراقبة الصهيونية في الوقت الذي يمنع فيه على مصر أن تحتفظ فيها بأكثر من 700 شرطي مجردين من السلاح أو شبه مجردين، ويبقى لإسرائيل حق الإشراف والمتابعة والمراقبة، وبالأمس عندما حمي وطيس معارك مجهولة الأطراف سمحت إسرائيل لمصر باستقدام قوة محدودة للقضاء على ما ظهر فيها من تمرد لبعض المسلحين الذين تجهل هوياتهم حتى اللحظة كما تجهل الطريقة التي تمكنوا فيها من التسلل إلى سيناء، وكانت المناوشات وكانت الفوضى واختلطت الأوراق وتعددت العناوين ويوم أمس الأول شهدنا منظرا تظهر عليه بصمات إخوانية نصروية قاعدية مشتركة كما ظهرت عليها آثار ما يجري في سوريا والمنظر يصور أكثر من عشرين جندي مصري مكبلين وقد تم إعدامهم رميا بالرصاص، ومعنى هذا أن المسلحين لا يحتفظون بأسرى ولا محتجزين يمكن من خلالهم سلوك طريق للتفاوض، وفي العلم المخابراتي الذي لا نعرف شيئا من أسراره وأبجدياته يرى رجاله أن القتل دون الأسرى يقصد منه إظهار القدرة على البطش وإخفاء معالم الباطش وآثاره حتى لا تعرف هويته، لأن التفاوض حول أسرى أو معتقلين أو حتى مختطفين لابد وأن يؤدي إلى معرفة الطرف الآخر، وهنا تشير المصادر إلى إمكانية أن تكون إسرائيل والموساد وراء الحدث والغاية يمكن أن نقرأ بعض عناوينها من تلك التسريبات المعلوماتية التي تتسرب على هامش المفاوضات العبثية التي تجري في ظل خنوع وتسليم ظاهرين لوفد السلطة الفلسطينية وتصلب وثبات للطرف الآخر على مواقفه وثوابته المعلنة وغير المعلنة حول التوطين والمستوطنات وحدود ال67 وحق العودة والبقية معروفة والخيوط متشابكة، وكلها تؤدي إلى نتائج حاسمة واضحة، ولكنها كلها تتعلق بأمن وسلامة إسرائيل. وهنا نطرح التساؤل وتتغير المعادلة ونقول : من الذي مكن المسلحين من التسلل إلى سيناء ؟ فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟