في الجزائر أرادوا لي أن أكون الشابة كريمة وفي فرنسا سعوا لتحويلي إلى ليو فيري عندما فازت في بداية هذه السنة بجائزة أحسن ألبوم في السويد، تساءل الكل عن تلك الشابة الجزائرية التي حملت بصوتها تراث بلادها إلى العالم. كريمة نايت فنانة متعددة المواهب مطربة راقصة وملحنة، رغم نجاحاتها وتميزها عبر العالم لكنها ماتزال تلك الشابة الخجولة التي غادرت الجزائر في بداية 2000 باحثة عن نفسها. تتحدث كريمة عن تجربتها بتواضع وتحفظ كبير وتؤكد أنها دائمة الانتقاد لنفسها لتصحيح تجربتها بحثا عن الجديد، وهي في ذلك رحالة لا يهمها المكان بقدر ما يهمها الهدف الذي تسعى إليه. خلال الجلسة التي جمعتنا بها اكتشفنا أن كريمة ماتزال تلك الطفلة العفوية في كل تصرفاتها، دائمة البحث عن جوهر الفن في كل ما تقدمه دائمة الحلم بما هو أفضل. كريمة نايت تغني ترقص وتكتب أغانيها وتلحن، أين تجدين نفسك أفضل من بين كل هذه الفنون؟ الرقص والكتابة عندي وجهان لعملة واحدة، الموسيقى اختياري منذ الصغر والرقص هو شريك في مسار الحياة، الموسيقى ليست مجرد هواية بالنسبة لي. منذ صغري كنت أعشق الموسيقى و في وقت مبكر - كان عمري 6 سنوات - كنت أمارس رياضة الجمباز وتعودت على أجواء المنافسة والرغبة في الظهور منتصرة. في هذا السن استوقفتني صورة في التلفزيون لفتيات بلباس أبيض في فرقة ما، منذ ذلك اليوم رغبت أن أكون في ذلك العالم. لاحقا اكتشفت أن الرقص أحسن وسيلة للتعبير عن النفس وحالة المجتمع في صيرورته، لذا اخترت الرقص المعاصر، خاصة أن الرقص إذا اقترن بالمسرح فإنه يعلمنا تربية الذوق واستخراج إمكانيات الفنان التعبيرية. بالنسبة للكتابة لا أعتبر نفسي محترفة لكن أحب كتابة الأشياء التي أحس بها وأريد خوض التجربة لاحقا في الكتابة للآخرين. بدأت مسارك المهني والفني من الجزائر في 1997 لكن بعدها غادرت مباشرة إلى الخارج، ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه المغادرة؟ الفنان مفتوح على العالم ويقارن نفسه بما يوجد عند غيره، من عادتي أن أسطر أهدافا بعيدة وأسعي إليها وأغير المكان طبقا لما يقتضيه بلوغ الهدف ولا أبالي بالمكان أكون فيه. ذهبت إلى القاهرة ومنها إلى فرنسافالسويد فسويسرا، وقد أغير المحطة. أنا رحالة أبحث عن الإضافي في حياتي. عندما غادرت الجزائر كانت الأبواب مغلقة في وجهي هنا، غادرت في بداية سنة 2000 ولم تكن الوضعية حينها تسمح للفنان بالظهور و العمل خاصة في تخصصي ”الرقص المعاصر”، ذهبت مع دار الأوبرا المصرية على أساس أن أبقى سنة فبقيت عشر سنوات تعلمت خلالها أشياء كثيرة، هناك تطورت في الرقص الأكاديمي وتجربتي مع فتحي سلامة مكنتني من تطوير قدراتي في الغناء. كانت لك أيضا تجربة في المسرح، هل تعاملك مع الخشبة هو الذي منحك طريقة خاصة في التعامل مع الأغنية خارج الإطار التجاري أو الابتذالي؟ قبل أن أغادر الجزائر كانت لي تجربة مع فوزية آيت الحاج في المسرح وخضت أيضا تجارب سينمائية، فوزية آيت الحاج عرفتني كراقصة وشجعتني على التعرف على نفسي كممثلة من خلال ”نوبة في الأندلس” و”رحلة حب”، وبعدها عملت مع المخرج علي تنخي في فيلمه الموسوم ‘'الفراشة لن تحلق ثانيا'' 1997 مع هشام مصباح وعثمان بن داوود، وبعدها غادرت إلى القاهرة صحيح تجربتي في المسرح ربت فيّ الذوق والعمل على بناء الإحساس، فالغناء دائما يكون تعبيرا على حالة جسدية معينة والعكس أيضا. الطابع الذي تؤديه كريمة نايت يبتعد بعض الشيء أن الطبوع المعروفة في المشرق العربي ويقترب أكثر من الغرب. رغم ذلك كانت انطلاقتك من مصر على أي أساس اخترت القاهرة كنقطة بداية؟ وهل كان تعايشك هناك سهلا؟ عندما ذهبت رفقة المسرحية ”رحلة حب” إلى مهرجان المسرحي التجريبي في القاهرة، التقيت بوليد عوني، مدير الفرقة، هناك، وكان يشتغل على سيناريو لأوبرا أطفال الحجارة واقترح علي دور فيروز. شجعني بن تركي كثير والأستاذ بوليفة الذي كتب لي أغنية ”ضوي ضوي يا ڤمرة” لكني حتى تلك الفترة لم أكن متأكدة من استعدادي لخوض التجربة في مهرجان جرش التقيت مرة أخرى بوليدي عوني الذي أعاد طرح الاقتراح علي أن أجرب معهم شهرين، ومن شهرين إلى ستة أشهر ومن بعد إلى سنة والسنة صارت 10 سنوات. في القاهرة منذ البداية عملت على الاحتفاظ ببصمتي كجزائرية، لكن في الأوبرا لم تكن هناك فرق يبين جزائرية ومصرية، وحتى دار الأوبرا المصرية خلال تلك الفترة أرادت فتح أفاقها على التجارب الغربية فكان هناك موسيقيين وراقصين ومسرحيين من فرنسا وأمريكا وانجلترا في القاهرة. هذا ما شجعني أنا على الحفاظ على الجسور بين الشرق والغرب واستفدت كثيرا من هذا الجانب كراقصة. أما كمغنية فقد أصررت على جزائريتي منذ البداية ولم أكن أرد تكرار تجربة ”مصرية” لن أقدم فيها أي إضافة لي وللجمهور، واستقبلت بشكل جدي في القاهرة، ولكن الإعلام في مصر حتى يتبناك يجب أن تحاولي أن تكوني مصرية.. يوم تحصلت مثلا على الجائزة الدولية في 2004 في المسرح التجريبي كتبوا عني” الجائزة الوحيدة لمصر كانت عن طريق اليد الجزائرية”، و القنوات حاورتني على أساس أنني آتي إلى القاهرة لأول مرة ولم يقبلوا أنني أعمل في أوبرا مصر منذ عشر سنوات، وبعد الجائزة لم تكن هناك أي متابعة لي في الإعلام على عكس ما كان من قبل. من القاهرة إلى السويد، كما يقال من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب واختلاف في الجغرافيا والثقافة والتفكير، أي فرق بين التجربتين وأيهما قدمت لكريمة فرصتها الحقيقية؟ لم أكن يوما محسوبة على الشرق ولا على إفريقيا ولا على الغرب أيضا. عندما كنت في الجزائر كنت منفتحة فنيا على كل هذه الاتجاهات خاصة الغرب وإفريقيا، وعندما ذهبت إلى القاهرة لم أقطع تلك العلاقة، ولما انتقلت إلى الغرب كانت لديا استعدادات للاندماج. بعد ألبوم ”وحداني” في القاهرة جاء الألبوم المنفرد الذي طال انتظاره، لماذا كل هذه المدة في إصدار البوم رغم الانتشار الذي تلقاه أعمال كريمة نايت في الغرب خصوصا؟ لأنني أشتغل دائما على نفسي وأنتجت ألبومي من عرق جبيني بنفسي ليس لدي تمويل أو جهة داعمة. أجمع المال من أجل دفع مستحقات التسجيل و من أجل دفع حقوق الموسيقيين الشيء الذي يضمن لي المواصلة اليوم أنني وجدت أناس مؤمنين بي. وهناك أيضا كل الأبواب مفتوحة على كل شيئي حتى لو كان هناك بعض المشاكل المتعلقة بالفضاء العام و الهوية، لكنني لم أسعي يوما للشهرة المتسرعة وأخذ كل وقتي في الكتابة والتلحين والبحث عن التمويل. بقيت 3 سنوات و أبحث عن مصادر التمويل لتغطية جميع نواحي، فخلصت إلى أني مولت ألبومي من كدي وعرقي ودفعت تذاكر سفر لمواقع تصوير الألبوم وحقوق الموسيقيين عن طريق عقود عملي المختلفة في المسرح و الفرق. ليست بنت مليونير و لا أعتمد على أحد في هذا الجانب. في فرنسا قدمت لي عدة مقترحات وفرص لكن فُرض علي التخلي على بعض المبادئ وتقديم تنازلات لكن رفضت.. فإذا كانوا في الجزائر أرادوا لي أن أصير الشابة كريمة، ففي فرنسا قالوا لي لماذا لا تقدمين ليو فيري على الطريقة الشرقية. كما احتجوا على اعتمادي على موسيقيين من السويد، في فرنسا واجهت الشوفينية الفرنسية التي تسعى إلى إبقاء الثنائية التاريخية جزائري - فرنسي في دائرة الاستعمالات الفنية، وهذا أنا رفضته بشدة لأنني أقدم فنا ولا يهمني أي شيء آخر، و قد رفضت مثلا التنازل على الأغنية التي مطلعها” اللهم صل وسلم..” في السويد. أيضا كان يجب أن أكافح من أجل عدم إسقاط هذه الأغنية من الألبوم، فقد قيل لي لماذا ألبوم من 13 أغنية لنكتفي ب12، فالرقم 13 عندهم نذير شؤم، و عندما جئنا لحذف أغنية اقترحوا حذف تلك التي مطلعها ”اللهم صل وسلم”، لكني رفضت فقد أحسست أنني لو حذفتها كنت سأتخلى عن مبدأ، لكن اليوم جميع الموسيقيين يفتخرون بها في أي مهرجان أو حفل نفتتح بها العرض. يتعامل البعض مع الرقص على أنه شيء إضافي وخارج عن سياق الأغنية ، لكن من يتابع كريمة نايت يستنتج أن الأمر مختلف معها. ما هي الرسالة التي يحملها الرقص لديك؟ الرقص هو فن وطريق للحب وأسلوب حياة، ويجب أن ننسى كلمة ”شطاح” التي تحيل إلى معيار و حكم قيمي وسياق اجتماعي يحط من قيمة هذا الفن. لابد من سياسية واضحة في هذا الجانب. في برج الكيفان كانت مدرسة يدرس فيها الروس وتخرجت منها أجيال وأسماء محترفة، لكنها تراجعت فتراجع المستوى. يجب أن تعيد النظر في الجانب الدراسي وحتى الفلكلور الذي نبتذله اليوم بشكل لافت يجب أن يستغل في تقديم الأفضل. كل أغانيك مستمدة من الواقع المعاش في الحياة، هل يعني أن كريمة لا تثق كثيرا في الأغاني الحالمة؟ تجذبني الأزمات لأنني أرغب في تقديم وإنتاج الآمال من عمق هذه الأزمات من خلال تسليط الضوء عليها، هناك كفاح ونضال طويل في الحياة يجب إدراكها لاكتشاف لذة الفوز بها. الإنسان في رحلة بحث دائمة لاكتشاف الذات والتعرف على نفسه. يحب أن نبدع دائما ونتوقف عن الاعتقاد أننا وصلنا وتعلمنا. عندما أقف على الخشبة أشعر أن الصوت يبني رويدا رويدا في تناغم مع العرض الجسدي ولا ينبع دفعة واحدة، في العادة أعيد رؤية أعمالي لانتقدها وأبدأ دائما بالسلبيات لتحسين أدائي، مع العلم أنني عفوية جدا على المسرح أتقيد فقط بالخطوط الكبرى بعدها ارتجل على المسرح حسب الحالة. عيشك في الغرب لم يجعل منك امرأة منفصلة عن واقعها ”العربي”، ما هي رسالتك كامرأة عربية تؤدي فنا هو في نظر البعض أقرب إلى الغرب وفي واقع يعادي كل ما هو مؤنث؟ نعم أشعر أنني أمام مسؤولية من خلال فني تجاه جمهوري، ومن يريد أن يجعل مني نموذجا، فقد راسلتني مثلا شابة من باب الوادي و قالت لي هل يمكن أن أنجح في هذا المجال مع كل العوائق الاجتماعية التي تعترضني؟ قلت لها أنني طرحت نفس السؤال عندما كنت صغيرة. يجب أن نخلق الوسائل ونذهب إلى الفرصة عوض انتظارها. لهذا فأغنيتي ”من دون كرامة” استلهمتها من وضعية الفنانات في الفيديو كليب، فقد صرنا نماذج متطابقة لصور مستوردة من الغرب ابتذلنا كرامة الفنان على حساب قضايا كبرى. مثلا أجد أن صورتي في الفيديو كليب ليست أهم من الموضوع الذي سأقدمه في الأغنية. هل من مشاريع جديدة في الأفق؟ بعد الحادث الذي تعرضت له أثناء تقديم إحدى العروض في سويسرا، أنا الآن ممنوعة من الرقص لمدة 9 أشهر، لكن بإمكاني أن أواصل الغناء وقد أديت حتى الآن 24 مهرجان من بين 32 جولة منتظرة في إطار العقد الذي يربطني بمؤسسة في سويسرا. وخلال الفترة التي أقضيها في العلاج أغتنم الفرصة لكتابة أغاني الألبوم الذي يصدر. سأكون أيضا ضيفة المهرجان الدولي للسينما في ميونيخ، حيث سأسلم جائزة السلام للفائزة هيفاء منصور، كما كنت أيضا ضيفة في حفل الفنان السينغالي يوسندور الحائز على أحسن جائزة. فيما عادت لي جائزة أحسن ألبوم كان ظهوري إلى جانب يوسندور أول ظهور لي مع كبار الفنانين في العالم مثلت السويد في هذا الحفل. إلى جانب هذا أدرس مشاريع سينمائية عرضت عليّ من المغرب و الجزائر. تجربة المغرب لم يرسل لي بعد السيناريو لدراسته. وبالنسبة للاقتراح الذي جاءني من الجزائر يتعلق الأمر بفيلم راقص للمخرج جاد أنيس، لكن المشكل أن التواصل والجدية منعدمة، لذا فالأمور تجري ببطىء ولا شيء مؤكد حتى الآن.