يئس الكثير من المرضى الذين يعانون من حالات صعب على الأطباء واستعصى علاجها، فلجأ أغلبهم لأناس يزعمون أن لهم قدرة خاصة على شفائها بما اصطلحوا على تسميته ب”الڤطيع”، والذين يتمكنون من إراحة معاناة هؤلاء ببعض الأعشاب والخلطات المتبوعة ببعض الطرق المحددة، وأحيانا تعويذات وآيات قرآنية أشبه ما تكون بالرقية. سيدات وعجائز وفي بعض الأحيان رجال وشيوخ توارثوا هذه القدرة، وإن صح القول” الموهبة”، من آبائهم وأجدادهم الذين لقنوهم طريقة يقال أنها كفيلة بعلاج عدد كبير من الأمراض التي استعصى على الأطباء شفاءها أو التخفيف من حدة آلامها ومعاناتها، فالشقيقة والربو والإكزيما، داء الصرع، والعديد من الأمراض الأخرى لم يجد حاملوها علاجا نافعا يريحهم من معاناتهم إلا اللجوء لهؤلاء الأشخاص الذائع صيتهم، والذين خلقوا لأنفسهم عالما خاصا وبيئة مهيأة لاستقبال مرضى كل ما يرجونه هو التعافي على أيديهم، بعض ممارسة بعض الطقوس المصحوبة ببعض الخلطات العشبية البسيطة. قائمة الأمراض المعالجة طويلة لا تقتصر الأمراض التي يعمل بعض هؤلاء الأشخاص الذين يشهد لهم بالقدرة على العلاج بطريقة شعبية بسيطة، على الشقيقة والروماتيزم وعرق لاسا، بل عمد آخرون إلى تجربة علاج أكثر استعصاء منها، على غرار البوصفاير، الإكزيما، الربو والأمراض التنفسية. وفي بعض الأحيان يجرؤ بعضهم على التعامل مع بعض الأمراض الخطيرة والنادرة كأمراض نقص المناعة وبعض أنواع السرطانات. أكد أغلب المواطنين الذين التقت بهم ”الفجر” على اختلاف أعمارهم وتباين مستوايتهم العلمية والثقافية، أنهم يثقون في هؤلاء الأشخاص المعروفين بقدرتهم على ”الڤطيع”، وذلك بعد تجربة صدق بعضهم، وبناء على شهادات المقربين ممن جربوا الشفاء على أيديهم. ففي ذات السياق تؤكد وهيبة أنها تماثلت للشفاء من مرض ”الشقيقة” بعد أن قصدت ”خالتي فاطمة” بأعالي العاصمة، والمعروفة بقدرتها على تخليص المرضى من معاناة هذا المرض بالذات. وعن الطريقة التي استخدمتها لذلك تؤكد محدثتنا أنها جد بسيطة، فبالقليل من زيت الزيتون وبعض حركات التدليك شفيت من مرضها. ومن جهته أكد عبد الفتاح أن أحد الشيوخ بولاية بجاية قام بتخليصه من الحساسية المفرطة، والتي لم يجد الأطباء شفاء لها سوى بعض الأدوية المخففة. وبدوره أكد محدثنا أن ما قام به ذلك الشيخ بعيد كل البعد عن الشعوذة، مشيرا إلى أنه يتمتع بقدرة خاصة تجعله يشفي المريض بالحساسية والربو بعدة خطوات بسيطة وغير مكلفة، وذلك بعد 3 أو 4 جلسات فقط. سر المهنة متوارث أبا عن جد بحثنا عن سر مهنة المداواة بالأعشاب أو ما يسمى ب”الڤطيع”، قادنا إلى بعض الأشخاص الذين ذاع صيتهم في المنطقة التي يسكنون بها، وعرفوا بقدرتهم الخاصة على علاج أكثر الأمراض التي صعب شفاؤها على الأطباء المختصين. وجهتنا الأولى كانت أعالي العاصمة بوادي قريش، أين التقينا الحاجة زهرة، التي استقبلتنا في بيتها العتيق وراحت تروي لنا قصة انجذابها لهذه المهنة التي مارسها والدها وجدتها منذ زمن بعيد، وأشارت الحاجة زهرة إلى أنها لم تدخل مدرسة ولم تتعلم حرفة، غير أنها قادرة على تحديد نوع المرض وشدته فور فحصها للمريض. وعن الطريقة التي تستعملها تؤكد محدثتنا أنها لا تقرأ أي تعويذات ولا تقوم بأي أمور مرتبطة بالشعوذة، فكل ما تقوم به هو خلط بعض الأعشاب الطبيعية المعروفة بفعاليتها في بعض المواضع، مع القليل من التدليك الموضعي، بعد اكتشاف العلة وحصر مكانها بالضبط. وفي ذات السياق، كان لنا اتصال مع عمي مولود، الذي اختصر لنا مهنته في كونها إرثا عائليا كان له شرف نيلها من والده، وأضاف أنه طور ما تلقاه من أجداده بكثرة البحث في هذا المجال، من خلال مخالطة من هم أدرى منه وأكثر تمكنا. وأشار محدثنا إلى أن العلاج الطبيعي الذي يقوم به لا يحمل أي آثار جانبية، ولا يشكل أي خطر على حياة المريض، في حالة عدم تمكنه من علاجه. المجال لا يخلو من المشعوذين والدجالين.. لا يخضع مجال المداواة بالأعشاب لأي قانون ينظم هذه الممارسات، لاسيما التي تتم في المنازل بعيدا عن أعين الرقابة، وبالتالي فُتح المجال للكثير من الدجالين والمشعوذين للتلاعب بآمال المرضى وإخضاعهم لطلباتهم، وذلك من خلال استعمال طرق غريبة في العلاج، مع فرض شراء مواد وأعشاب تقرأ عليها بعض التعويذات وتمارس عليها الخزعبلات، كطلب إحضار أنواع من لحوم الحيوانات أو شراء الحناء وأكياس الملح والفلفل الأسود، وغيرها من المواد التي أكد لنا العارفون بهذا المجال أن تستعمل للسحر والشعوذة فقط. فمن غير الممكن للمداوي الطبيعي بالأعشاب استعمال هذه المواد، مع تلاوة بعض الكلمات والتعويذات الغريبة. .. وللعلم رأي في الموضوع أكدت أستاذة العلوم الشرعية، حسيبة راشدي، أنه لا ضرر في التداوي بالأعشاب أو ما يسمى ”الڤطيع” إذا كان الأمر لا يتعدى تلاوة الآيات القرآنية والأدعية النبوية، إضافة إلى بعض الأعشاب الطبية التي ثبت نفعها في مجالات مرضية معينة. غير أن الإسلام - حسب محدثتنا - يحرم اللجوء للسحر والشعوذة في كل الأحوال. وعن طريقة كشف الجانب التحايلي لهؤلاء تقول الأستاذة حسيبة:”إذا تمتم المعالج بكلام غير مفهوم، أواتضح أنه خارج عن نصوص القرآن والأدعية المعروفة، إضافة إلى بعض الطقوس الغريبة، كأن يفرض على المريض إغماض عينيه أو تنويمه، فيجب التأكد أنه يمارس الشعوذة. كما أن طلب شراء وإحضار مواد غريبة كلحوم الحيوانات وبعض المواد التي لا تمت بالطب بصلة، دليل كذلك على نية المعالج في استعمالها للدجل”.