تمكنت قوات الشرطة بالرويبة من توقيف شخصين في العقد الثاني من العمر، يقيمان بولاية الجزائر، لتورطهما في قضية سرقة هاتف نقال في حالة تلبس. عملية توقيف هذين الفاعلين كانت بناء على مكالمة هاتفية من أحد المواطنين مفادها تعرضه لسرقة هاتفه النقال من طرف شخصين بمحطة القطار، حيث بمجرد تلقي المكالمة تنقلت ذات القوات على جناح السرعة إلى مكان الواقعة، أين تمكنوا من إلقاء القبض على المتورطين وبحوزتهما الهاتف النقال. وبعد تقديمهما أمام وكيل الجمهورية تم إيداع أحدهما رهن الحبس. وخلال محاكمتهما اعترفا بالجرم المنسوب إليهما طالبين العفو، ليلتمس لهما النائب العام لدى محكمة الرويبة عاما حبس نافذا ودفع غرامة مالية. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتبلور الشخصية القومية والكيانية الروسية، ظن كثيرون، ولبرهة من الزمن، أن روسيا ربما لا تعود إلى الحياة إلا بعد عقود، غير أن ما حدث كان أقوى وأسرع من التوقعات، إذ اكتشف الروس قبل غيرهم ما هي أقصر وأضمن الطرق لتجاوز تبعات انهيار الدولة العظمى، وبلوغ وضع لروسيا تكون فيه قطبا دوليا... مع كثير من المكاسب وقليل جدا من الخسائر. إن كلمة السر فيما حدث، هو أن روسيا تخلت عن الأحلام الإمبراطورية التي أطاحت بالاتحاد السوفياتي، تلك الأحلام التي أهدرت طاقات البلد الغني والمهم تاريخيا، على إنفاق مشتت وغير مجدٍ، دفع ثمنه المواطن الروسي ومعه أشقاؤه من مواطني جمهوريات الاتحاد السوفياتي وما كان يسمى آنذاك دول المنظومة الاشتراكية. إن الأحلام الإمبراطورية، التي اعتنقها القادة الشيوعيون، أثقلت كاهل الدولة العظمى، وكانت تأخذها من هزيمة إلى أخرى، ومن خسارة فادحة إلى خسارة أفدح. لقد دفعت الدولة العظمى أثمانا باهظة في الشرق الأوسط، إلى أن خرجت مطرودة من أكبر دولة فيه وهي مصر، ودفعت قبل ذلك وبعده، أثمانا في نفوذ معنوي لا لزوم له ولا طائل من ورائه في أفريقيا إبان أوغستينو نيتو ومنغستو، وغيرهما ممن كان قادة الكرملين يراهنون عليهم كسدنة للتجربة الماركسية اللينينية في القارة السمراء. ودفعوا ثمن دخولهم أفغانستان وثمنا أفدح في خروجهم منها، ناهيك بالعبء الأساسي والمهلك الذي حملته الدولة العظمى وحملت شركاءها في أوروبا الشرقية أعباءه التي لم تنهض منها إلا حين التحقت بعدو الأمس واصطفت على الطابور للحصول على نعمه ومزاياه. كانت تجربة فاشلة بكل المقاييس، ليس فقط على صعيد الخسارات التي لحقت بروسيا وشقيقاتها، وإنما على صعيد أوسع، شمل العالم كله، والنظام الدولي الذي وقع في الفوضى والارتباك جراء انهيار القطب السوفياتي، واستفراد الولاياتالمتحدة بوضع القطب الأوحد، وها هي الأخرى تنوء تحت أثقال هذا الوضع، وتدفع أثمانا باهظة لقاء الاحتفاظ به أو حتى إعادة تنظيمه. حين تخلى الاتحاد السوفياتي عن أحلامه الإمبراطورية بفعل الانهيار، وجدت روسيا نفسها أمام حتمية قراءة أسباب الفشل، والعمل على تفاديها بسياسات بديلة، فرأت أن حكاية الدب الثقيل الحركة والإيقاع والمفترس بغباء، الذي ألقى الحجر الضخم على صاحبه ليقتل الذبابة العالقة على رأسه، هذه الحكاية لم تعد مناسبة، بل إنها كلمة سر التخلف واللاجدوى، فاستبدلت بإيقاع الدب الثقيل، إيقاعا آخر نراه الآن، ليس في المجال البديهي للنفوذ الروسي داخل الاتحاد ومع أشقاء الأمس، وإنما في الحياة الدولية بأسرها. كان الاتحاد السوفياتي يزاحم أميركا في الشرق الأوسط، وجرى استغلاله من قبل نظم غير جديرة، والآن وبفعل التخلي عن الأحلام الإمبراطورية وإيقاع الدب جاءت أميركا تسعى إليها، فإذا بها وبمجرد إعمال العقل، تأخذ حصتها في العالم، بل إنها طورت هذه الحصة، دون تعسف المكتب السياسي للحزب في موسكو تجاه مواليه في دول وارسو، ودون إهدار للثروة في تسليح شبه مجاني لنصف العالم، وإنفاق ضائع في الهواء على كيانات ما كان لها أن تعمر يوما واحدا دون أن يأتيها الخبز الطازج يوميا من موسكو الجائعة، وألمانيا الشرقية المغلوبة على أمرها. إن روسيا وحلفاءها الموضوعيين غير القسريين، تتقدم في معاقل الأميركيين، ليس بفعل براعة ال”كي جي بي” ولا بفعل الأحزاب الشيوعية التي كانت موسكو بالنسبة لها مجرد مكان للاستجمام وإصدار البيانات، ولا بفعل كل ما كان يؤدي إلى مضاعفة ثقل الدب الثقيل أصلا، وإنما بفعل عاملين مهمين: الأول: التواضع.. والدخول إلى الكيانات الحالية من أبوابها الشرعية ومن خلال احتياجاتها الأساسية. الثاني: اللاتواضع الأميركي الذي دخل طور الانتفاخ المبالغ فيه، فوفر للدب السابق الذكي والبسيط فرصا ثمينة لجمع المكاسب من وراء تعثراته وفجواته. أخيرا... فإن التقدم السريع لموسكو في الحياة الدولية وإعجابنا به، لا يعني إطلاقا أننا نوافق على كل ما تعمل.