أمريكا غيرت من تكتيكاتها ولم تغير من إستراتيجيتها وكذلك إيران، ولكن ما الذي حصل في جنيف السابق لجنيف 2 ؟ إنها الحسابات الدقيقة من كلي الطرفين : إيرانوأمريكا، وقد أثبتت الأيام أن إيران دولة عظمى بمعنى أنها تعاملت مع أمريكا والغرب بطريقة ندية ونجحت، ويتساءل البعض عما إذا كانت أمريكا قد تخلت عن حلفائها كإسرائيل والسعودية ودول الخليج ؟ والجواب أيضا بالنفي ولكن الحسابات هي التي تغيرت، مما جعل أمريكا تندفع وبقوة لاستئناف محادثاتها مع إيران لطي صفحة ملف طال أمده وطال حوله جدل عبثي والمفاوضات بشأنه وفق ماعرفناه سابقا لم تعد مجدية، فأمريكا تحافظ على مصالحها وهذا حق من حقوقها وكذلك الحال بالنسبة لإيران، ولكن أن ترهن أمريكا نفسها ومصالحها لأمن إسرائيل إلى ما لا نهاية فهذا أمر قد تغيرت معطياته ونتائجه بعد مرور ستين عاما ولم يعد مفيدا، بل على العكس صار عبئا ثقيلا خاصة في ظل الظروف المستجدة في منطقة الشرق الأوسط التي ظنت أمريكا بأنها سوف تكون فيها رابحة وكانت النتيجة عكسية، ثم إن الشعب الأمريكي ومجلس شيوخه ونوابه أدركوا بشكل قاطع بأن تلك السياسة هي عبء على أمريكا التي أوشك اقتصادها على الانهيار لولا أن الضخ السعودي والإماراتي إلى بنوكها بحجة التسلح لكان الإفلاس ينتظر اقتصادها ومن ثم فإن الشعب الأمريكي قد تحرك في اتجاه حماية مصالحه، وظهر ذلك في استطلاع صوت فيه بنسبة خمسة وستين لصالح تغيير الحسابات، فرأت أمريكا أن أي حرب جديدة تخوضها في الشرق الأوسط سوف تعود عليها بالوبال وبالدمار، وهذا ما دفعها لتغيير سياستها، فبعد ما يقرب من ثلاث سنوات فإنها لم تستطع إسقاط النظام السوري رغم كل ما حشدته هي وحلفاؤها لذلك من الجند والسلاح والتدريب واللوجستية والمخابراتية والمال والإعلام، وفشلت بذلك، ولعل فشل الضربة التي لم تتم بسبب تلك الحسابات على سوريا جعلت أمريكا تعيد النظر في مواقفها فهربت للأمام، وكان ذلك في اتجاه إيران لتفاوضها بشأن ملف بقدر ما هو معقد بقدر ما هو بسيط، ورأت أن توتير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يحمي مصالحها ولا مصالح حلفائها، وأن توتير الأجواء مع إيران بالذات لا يمكن أن يحمي أحدا لأن إيران لن تستسلم وإنها لن تقف حيال أية ضربة لها من أحد متفرجة لتعلن الهزيمة أمام المعتدي، فوضعت أمريكا نصب عينها ولو مؤقتا أمرا لا يمكن تجاهله، ورأت أن السعودية وإيران لابد وأن يتفاهما أيضا وذلك لحماية السعودية، ولو أن إسرائيل تورطت مع السعودية في ضرب إيران فالنتائج سوف تكون على الشكل التالي : نفط الخليج سيشتعل، مضيق هرمز سيغلق، إسرائيل لن تكون بمنأى عن ضربات قوية صاعقة محطات الكهرباء في دول الخليج التي ربما تكون متحالفة مع إسرائيل ستدمر وكذلك محطات تحلية مياه البحر وهذا كله ممكن، فهل يكون هذا لصالح أمريكا وإسرائيل ؟ بالطبع لا ! إذن أمريكا لم تتخل عن حلفائها ولم تغير من إستراتيجيتها ولكنها أعادت حساباتها بطريقة خاصة فرأت أن التهدئة أفضل لها ولحلفائها وهذا ما ستشهده المنطقة في الشهور القليلة المقبلة في ظل توافقات وربما صفقات جديدة.