نزل وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ضيفا أمس على أمير قطر، في زيارة فجائية، أياما بعد الاتفاق النووي الموقع الأسبوع الماضي بين إيران والغرب، الاتفاق الذي أفزع المملكة السعودية، إلى درجة صرح الوليد بن طلال أكبر أثريائها، بأنه سيتفق مع إسرائيل ضد إيران نكاية في أمريكا والغرب على تقاربه من إيران. فمن الطبيعي أن تحذو إمارة قطر حذو أمريكا، وتفتح أبوابها لإيران، فهي تأتمر بأوامر واشنطن وتقوم على أحسن وجه بالدور المسند إليها، مثلما فعلت أيام “الربيع العربي”، ثم إنه لحد الساعة ما زالت قطر رغم الانقلاب الأبيض على أميرها السابق، الذي أتاح للأمير الجديد خيارات سياسية أخرى غير خيارات والده، ما زالت الداعم للإخوان، مثلما يثبت ذلك توجه “الجزيرة” التي ما زالت تردد شعار “يسقط يسقط حكم العسكر” وترفع أصابعها الأربعة إلى السماء في إشارة بائسة إلى عودة مرسي إلى الحكم في مصر. ومثلما يقول المثل الشعبي “صديق صديقي، صديقي هو الآخر”. وإيران الشيعية هي صديقة الإخوان بامتياز، ليس فقط منذ اقترابها من الرئيس المخلوع مرسي، وليس منذ زيارة رئيسها السابق أحمدي نجاد إلى القاهرة، وزيارته الأزهر الشريف الذي رفع داخله اثنن من أصابعه بإشارة النصر، النصر للحلم الشيعي القديم بتشيع الأزهر، من خلال صلة القرابة التي كانت قائمة بين الإخوان والشيعة أيام المرشد حسن البنا، هذا الأخير الذي كان حلمه الكبير توحيد الشيعة والسنة تحت راية الإخوان، ومن خلاله تبعث الخلافة الإسلامية الموحدة ويكون هو الخليفة وليس فقط الداعية. ومن هنا نفهم الغطاء العقائدي الذي يمكن لقطر أن تعطيه لهذه الزيارة، عكس السعودية التي كانت تنظر بعين الريبة للتقارب الشيعي الإخواني، ولم تتنفس الصعداء إلا بعد الإطاحة بمرسي، فسارعت إلى مساندة السيسي، والسلطة الجديدة في مصر. السعودية اليوم اقترفت إحدى الكبائر عندما بدأت تعلن صراحة أن إسرائيل الصهيونية أقرب إليها من إيران الشيعية، وهي مستعدة لمساندة إسرائيل إن كانت هذه ستشن حربا على إيران. وإسرائيل لن تشن حربا على إيران، لأن الاتفاق الإيراني الأمريكي سيصب في النهاية في مصلحة إسرائيل، فإسرائيل وأمنها ومصالحها خط أحمر في السياسة الخارجية الأمريكية وليذهب الجميع بنفطهم وغازهم وعمائمهم إلى الجحيم. فما تمثل لسعودية بالنسبة إلى أمريكا إلا سوقا للسلاح ومصدرا للنفط وبالأسعار التي تحددها أمريكا لا أكثر. أما التقارب الأمريكي الإيراني، ليس فقط لأن إيران قوة نووية أصبحت تخيف أمريكا، فسعت هذه لاحتوائها مثلما يعتقد البعض. إيران هي أيضا حضارة فارس، وهي مصانع للسيارات، ومصدر للسجاد والتحف الفارسية الفاخرة. هي مضيق هرمز، وخليج فارس الذي اعترفت الأممالمتحدة بفارسيته. هي الحضارة العريقة والرقي الاجتماعي، والمطبخ الفاخر، هي رصيد من الثقافة الإنسانية عمره آلاف السنين، ولا يمكن لأية قوة من العالم أن تمحوه بجرة قلم. وهذا ربما ما يجهله بعض العرب، الذين يرعبهم المد الشيعي إلى درجة الارتماء في أحضان إسرائيل.