يبدو أنه مكتوب على الجزائريين المعاناة في غرف المستشفيات العامة والخاصة على حد سواء. ففي الوقت الذي تعجز المستشفيات العمومية عن توفير العلاج لآلاف المرضى بسبب ”نقص الإمكانيات”، هاهي الآن المستشفيات الخاصة تعجز هي الأخرى عن تقديم خدمات راقية نظير الأثمان الباهضة التي تفرضها على المرضى الذين يجدون أنفسهم في دوامة لا نهاية لها وبين خيارين أحلاهما مر. من المفروض أن المريض الذي يقصد العيادات الخاصة بغرض العلاج، يحظى بأفضل خدمات الرعاية والعلاج، كونها مؤسسات استثمارية هدفها تحقيق الأرباح وكسب أكبر قدر من الزبائن مثلما هو حال العيادات الخاصة في مختلف أنحاء العالم، إلا أنه ليس حال عياداتنا الخاصة التي تفتقر للعديد من الخدمات بداية بمصالح الاستعجالات.. فلا توفر هذه العيادات العلاج الاستعجالي للمرضى بل تكتفي بالعمل 8 ساعات يوميا كأنها مؤسسة إدارية ولا تضمن إلا استعجالات التوليد فقط، خاصة إن تعلق الأمر بالعمليات القيصرية نظرا لأثمانها المرتفعة مقارنة بعمليات التوليد العادية. الدكاترة غائبون.. والمريض مجرد زبون أكد عدد كبير من المرضى الذين تحدثوا إلى ”الفجر” بإحدى العيادات الخاصة بالعاصمة، أنها لا تختلف إطلاقا عن المستشفيات العمومية بل خدماتها أسوء منها في كثير من الأحيان، رغم الأثمان الباهضة التي تعتمدها. وأوضح لنا بهذا الخصوص، محمد، أن أطباء العيادات الخاصة غير ملتزمين بجدول زمني معين لفحوصاتهم بل وفق أهوائهم، ما يستحيل على المريض إعادة الفحص عند الطبيب نفسه إلا نادرا، ما يجبره بقبول أي طبيب آخر لمراجعة الفحص والذي غالبا لا يولي اهتماما كبيرا للمريض ويكتفي بنصحه إكمال وصفة الطبيب الأول فقط. وفي المقابل، أكدت لنا مريم التي صادفناها بالعيادة، أن مثل هذه المؤسسات تبذير للأموال مقابل مستوى متدن جدا للخدمات، مقارنة بتلك التي تضمنها العيادات الخاصة في الدول الشقيقة مثل تونس، مؤكدة أنها عازمة على العلاج بالعيادات التونسية، طالما أن عياداتنا الخاصة غير قادرة على ضمان العلاج في ظل العجز التام الذي تتخبط فيها مستشفياتنا العمومية. وأضافت محدثتنا أن أغلب هذه العيادات تفتقر لطواقم طبية كاملة، فأغلبها يركز على خدمات التوليد فحسب بسبب ما تدره من أرباح. ”إي.أر.أم” جهاز ب15 مليار سنتيم في غير متناول المستثمرين ولعل من بين أهم الأجهزة الطبية التي أضحى الطب الحديث لا يستغني عنها جهاز الكشف بالرنين الميغناطيسي، أو كما يعرف ب”إي أر أم”، إلا أنه غائب تماما في مثل هذه العيادات التي تتفنن في تعليق اللافتات الاشهارية لاحتوائها على جميع الاشعة، إلا أننا نتفاجأ بعدها أنها لا تتوفر على جهاز ”إي أر أم” الذي يعرف ارتفاع الطلب عليه بشكل متزايد. ورغم أن سعره لا يتجاوز 15 مليار سنتيم، إلا أن المستثمرين في قطاع الصحة يعجزون عن تزويد عياداتهم به.. ليبقى مجرد مشروع لاقتنائها، وهو الأمر الذي وقفنا عليه بأكثر من 10 عيادات خاصة بالعاصمة والبليدة.. لنتساءل عن سبب عزوف أصحاب العيادات من اقتناء هذا الجهاز، فإن كان بسبب السعر يمكن لهم الحصول عليه بقروض بنكية بشكل ينهي معاناة مئات المرضى الذين ينتظرون أدوارهم لشهور بالمستشفيات العامة، ولأسبوع كامل بعيادات الأشعة التي تتوفر عليه، علما أن 3 عيادات فقط بالعامة هي التي توفير خدمات الكشف بالرنين المغناطيسي. ورغم توّعد وزارة الصحة والسكان أصحاب العيادات الخاصة، وبشن حملة تطهير واسعة للقطاع الخاص، إلا أن التجاوزات في حق المرضى لاتزال قائمة سواء ما تعلق بالأخطاء الطبية أوفرض أسعار خيالية على المرضى المغلوبين على أمرهم، والذين يجدون أنفسهم بين مطرقة المستشفيات العمومية وسندان العيادات الخاصة..