”غدا، تونس”، ”تونس الأمل”، ”ارحل”، ”التحقيق 14 جانفي”، ”أنقذوا تونس”، ثلة من العناوين بالعربية وبالفرنسية، التي تزين رفوف المكتبات التونسية وتحتل واجهاتها، تسلّط الضوء على تونس بعد الثورة في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى تكشف أخطاء النظام السابق. وفي استطلاع قامت به ”الفجر” بالعاصمة تونس، رصدت فيه أهم التغيرات التي طرأت على الكتابات التونسية بعد ثورة الياسمين. ربما تتعدد العناوين، ويختلف الكتّاب، لكن هناك اتفاقا حاصلا على مستوى نقد الفترة السابقة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وتقييم وتحليل الوضع الحالي بعد مرور ثلاث سنوات على ثورة 14 جانفي، ممّا يدلّ أيضا على تحرر المبدعين في الكتابة وتحرر دور النشر هي الأخرى التي كانت مراقبة بشكل ما، من طرف الحكومة السابقة، فلمعرفة هذه الأمور والخفايا الخفية، قادتنا جولة إلى مكتبة ”الكتاب”، الواقع بنهج لحبيب بورقيبة، أكبر شارع في العاصمة التونسية، وخلال تنقلنا في أرجائها الواسعة وتصفحنا لكتبها المعروضة على الرفوف، بدا أنّ ما يلفت الانتباه هو كثرة الإنتاج بخصوص كتابات ما بعد الثورة بعيدا عن الكتابات الأدبية، فجلّها جاء لتحليل للوضع الراهن والاختلافات السياسية واستشراف مستقبل تونس أمنيا واقتصاديا سيما بعد انخفاض نسبة السيّاح بهذا البلد الذي يعتمد في اقتصاده بشكل أساسي على السياحة. ومن بين الكتب نجد ”تونس، الأمل”، ”وأخرى تحمل شعارات الثورة مثل كتاب ”إرحل”، وكذا عمل ”14 جانفي، التحقيق”، لعبد العزيز بلخوجة وطارق شخروخحو، لإضافة إلى عناوين عدّة مثل ”جريدة برلماني، رافق بورقيبة من 56 إلى 62”، لمحمد لمين شعبي، ”من أجل إعادة تأسيس يسار تونسي”، لصاحبه بكار شريب وغيرها من العناوين والمقالات التي تتناول راهن ومستقبل تونس بعد 14 جانفي 2011. سلمى جباس: لم تعد قيود تفرض على الكتابة وللإجابة عن بعض التساؤلات بخصوص هذا الموضوع، اقتربنا من مديرة المكتبة سلمى جباس التي شرّحت التغير في كتابات ما بعد الثورة ”التغيير الذي لمسناه هو أن التونسيين اهتموا كثيرا بتاريخ وحضارة تونس، بينما بصفة أكثر التغيير ميزّ الكتب السياسية، أمّا باقي الكتب العلمية والفكرية فقد زادت وانتشرت بصورة كبيرة”. وأضافت سلمى ”كتب الإبداع والقصص والرواية تراجعت، هناك كتب كثيرة عن فترة الثورة في الفترة الأولى، حيث وجدت العديد من الكتب لكنها لم تصدر وصدرت بعد الثورة مباشرة”، لتؤكد في معرض حديثها أنّ فترة بورقيبة عرفت بروز عديد الكتاب، لكن خوفهم جعلهم لا ينشرون أعمالهم، وهو ما حصل حيث نشروها بعد الثورة”. وأشارت المتحدثة أنّ كلّ الأنواع مباحة وكل أنواع الكتب موجودة وهذه أكثر حاجة، كما تعكس القراءات التي لم تعد عليها أية مراقبة أو عرقلة، والذي اعتبرته بمثابة أكبر مكسب للحرية. وفي خضم انتشار الإرهاب والتطرف قالت سلمى ”هناك كتب متطرفة تستوردها الجمعيات تباع أمام المساجد تدعو للإرهاب والتطرف، السلطات لا بد أن تلتفت إليها وتقنن الأمر”. وفي سياق حديثها عن الكتاب الجزائري كشفت بأنّه لا يصل تونس إلا عن طريق دور نشر عربية أو أجنبية، ليست جزائرية، وهو ما لاحظناه بوجود كتب واسيني لعرج ومحمد أركون والأمير عبد القادر. مرجعة السبب إلى انعدام تصديره وبالتالي لا يمكنهم استيراده، فكما قالت ”بودنا أن نحظى بكتب جزائرية وهي كتب تهمنا ونجدها في معرض الكتاب الدولي نشتري منها القليل، كتب الجزائريين موجودة عبر دور نشر أجنبية وعربية”. هادية المقدم: الكتاب اليوم أكثر حرّية بدورها أوضحت مديرة الآداب بوزارة الثقافة التونسية هادية المقدم بأنّ الكتاب في تونس بعد الثورة ظهر بأكثر حرية ونشرا، حيث لم تكن هناك قيود تعرقل كتابته، باعتبار أنّ الكتب التي صدرت كانت سياسية أكثر منها إبداعية، وذكرت ”نحنّ إلى كتب الإبداع وخاصة في الرواية، هناك نقص مسجل واضح في الإنتاج، بينما لاقى الكتاب السياسي رواجا وبرزت ظاهرة الكتابة حول الثورة ومذكراتها، ونعتبرها ظاهرة طيبة وفيها حركية كبيرة في النشر وتطور كبير، لغياب مراقبة بعد 2011 من طرف وزارة الداخلية. وفي السياق كشف هادية عن وجود إستراتيجية بإنشاء مركز وطني للكتاب شبيه بالموجود في الجزائر لحلّ مشاكل الكتاب المتعلقة بالتصدير والترويج ومشاكل التوزيع داخل الجمهورية التونسية، خاصة وأنّ عدد المكتبات التجارية في تقلص وبالتالي لابد، حسبها، من إعادة دورها وتعزيز مكانة الكتاب الأدبي والثقافي. عادل حاجي: بعض الكتابات نزلت إلى الحضيض ووافقها الرأي عادل حاجي مكتبي، قائلا ”بعد الثورة، هناك جملة من الإصدارات القيمة، فبشكل مباشر انصب الهمّ الثقافي والكتابة بصفة عامة حول نظام بن علي المخفي ونظام الاستبداد الذي كنا نعتقد أنه يخفي جملة من الحقائق، فكأنك مدار الكتابة حول ثورة تونس وغير ذلك، ثم بعدها تحولت الكتابة إلى طبيعة الأحداث التي رافقت هذا الحراك، الانتفاضة التي شهدتها تونس وتناول الكتّاب كل الأحداث التي عرفتها تونس خلا 3 سنوات الأخيرة. فيما أكدّ كذلك على الاهتمام بالكتاب التاريخي والسياسي والفكري، بحيث ارتقت الكتابة إلى المستوى النظري والمعرفة الحقيقية التي تنأى عن الانفعال بما هو يومي وبما هو حدثي، إلى كتاب يؤسس لمعرفة حقيقية. وتأسف عادل لحال القارئ التونسي الذي لم يقم بمصالحة نفسه مع الكتاب من خلال تأثره بالأحداث، مما أدى إلى تقلص علاقته بالكتاب وعاد الكتاب بالتالي للسجن والكاتب إلى توهمات بعيدة عن المعرفة. وأقرّ محدثنا أنّ الكتابة في المسائل السياسية اتخذت منحيين هما نزولها إلى درجة السب والشتم والتهكم والسخرية وهو ما يسيء للعمل الإبداعي، وتنزل به إلى الحضيض على حدّ تعبيره، وكذا وجود أعمال أخرى تحاول لأن تؤسس لمعرفة تنأى عن الإسفاف والنقل الواقعي والتسجيلي. ألفة يوسف: مجمل ما كتب سياسي من جهتها، ترى الكاتبة ألفة يوسف كتابات ما بعد الثورة، أنّها تتعرض إلى الواقع السياسي التونسي، لكنّها مختلفة، فهناك من يراها انتفاضة أو ثورة داخلة في إطار تحويل متصل بالأزمة العربية أو الانقلاب المقنّع الذي يسمى ثورات، بينما تؤكد على جانبها الإيجابي بالنظر إلى أنّ مجمل القراءات أصبحت مسموحة وتكتب بحرية، فباستطاعة الكاتب التونسي أن يكتب رأيا ويقدم كاتب آخر رأيا مختلقا عنه.