في الثمانينات انتقل من الشارع المصري إلى الشارع العربي تعبير ”قصة ولا مناظر”. المقصود ب”قصة” أنه فيلم يحتوي على قيمة فكرية ولديه حبكة، أما ”المناظر”، في إطارها الدلالي، فتعني مشاهد الجنس والعري. وفي العادة كان الجمهور، أقصد الأغلبية بالطبع، يفضل المناظر، حيث يبدأ في إحصاء عدد القبلات واللقطات الساخنة، ويقارنه بسعر التذكرة، وعندما يكتشف أنه أخذ بالثمن ما يريده، يشعر بالانتصار. كان يفصلنا قرابة عقد من الزمان عن عصر الانتشار الفضائي، وهي فترة تستطيع أن تطلق عليها ”العصر الذهبي لشريط الفيديو”، حيث كنا نلاحظ أنه بين كل محل فيديو ومحل فيديو آخر، محل فيديو. واكبت ذلك أشرطة يطلقون عليها ”ثقافية”، وشاهدنا فيلما مصريا يسخر منها يحمل الاسم نفسه: ”فيلم ثقافي”، المقصود بها أفلام ”البورنو”. أتذكر في تلك السنوات أثناء انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي أن الزحام في الشارع وأمام دور العرض كان يؤدي إلى توقف المرور بالساعات، حيث تعودت الرقابة أن تسمح بهامش من تلك اللقطات. المتفرج كان يحدد بوصلة الاختيار حسب ما توحي به العناوين. ومع الأيام، لم تعد هذه الأفلام تحقق أي رواج، بل إن مهرجان القاهرة السينمائي وعلى مدى يزيد على 15 عاما أصبح خارج اهتمام الناس، ولم يعد تعنيهم مشاهدة أفلامه سواء أكانت ”قصة” أم ”مناظر”، وتلك قصة أخرى. إلا أننا في السينما المحلية لا تزال لدينا أفلام تبحث عن ”المناظر”، مؤخرا عُرض في أكثر من عاصمة عربية آخر أفلام هيفاء وهبي: ”حلاوة روح”. لا يوجد شيء في الفيلم سوى أن المنتج السبكي والمخرج سامح عبد العزيز أرادا استثمار هيفاء وهبي لتسويق الصورة الذهنية التي صدرتها وروج لها الإعلام، ولا تنسَ أن أكثر من استفتاء وضعها على قمة أكثر النساء جاذبية في العالم. إلا أن السؤال: هل من الممكن أن يصمد عمل فني في دور العرض وهو لا يعتمد سوى على أنوثة البطلة؟ أسرفت لقطات الفيلم في هذا الشأن، حتى وصلنا إلى مرحلة التشبع، وتلك الجرعة الزائدة التي امتدت ساعة ونصف الساعة، لعبت دورا عكسيا، ورغم أنها ليست المرة الأولى التي نشهد فيها سماحا رقابيا في تاريخ السينما المصري، فإنك ستعثر على ما هو أكثر؛ مثل أفلام ”حمام الملاطيلي” و”5 باب” و”درب الهوى”.. وغيرها، وكانت أحداث هذه الأفلام تجري في أجواء مشابهة، وبها ما يمكن أن نطلق عليه ”تلكيك” لتقديم تلك المشاهد؛ إلا أنه، في الحدود الدنيا، كانت لدينا شخصيات درامية، ومنطق ما يغلف الأحداث، وممثلون يؤدون أدوارهم. هذه المرة مع فيلم ”حلاوة روح” أرى أن المشكلة ليست في أنهم حاولوا اقتباس فيلم عالمي شهير (مالينا)، ولكن أنهم أخفقوا في السرقة. دائما هناك حضور مبالغ فيه لهيفاء، فإذا لم يجدوا مبررا لها، استجاروا بالأحلام، فهي تحلم أنها ترقص، أو نتابعها من خلال عيون طفل يشاركها البطولة، فهو دائما ما يتلصص عليها، ويشاركه المتفرج في التلصص. يقولون إن هند رستم بوصفها رمزا للأنوثة في السينما العربية، كانت تقدم مثل هذه المشاهد، إلا أن الحقيقة أنها كثيرا ما أدت أدوارها وهى ترتدي الجلباب لتثبت أن الأنوثة ليست بالعري. البعض يطالب بمصادرة ”حلاوة روح”. لا أميل أبدا في عصر السموات المفتوحة إلى هذا الرأي؛ ولكنى أرى أن الجمهور الذي ذهب للفيلم من أجل المناظر، سوف يمل سريعا عندما لا يعثر على قصة.