المانشافت في الوقت المناسب حققوا أولى المكاسب رغم مرور تسع سنوات كاملة على نهاية الحرب الكونية الثانية، إلا أن آثارها بقيت تخيم على القارة العجوز التي لم تجد بديلا عن سويسرا التي بها مقر الفيفا، وأيضا لأنها كانت محايدة ولم تتأثر بشكل ملموس بإفرازات الحرب، لذلك كانت البلد الأوروبي الوحيد القادر على احتضان دورة 1954 التي تتزامن مع ذكرى اليوبيل الذهبي لإنشاء الفيفا، وقد نجحت الفيفا أيما نجاح والنقطة السلبية الوحيدة كانت في الأسلوب المعتمد في الدور الأول، حيث كان معقدا جدا فكان بدعة لا إبداعا، ولذلك لم يتم اللجوء إليه مرة أخرى لكونه وزع المنتخبات ال16 على أربع مجموعات ليلعب كل منتخب مباراتين وفي حال تساوي من يتواجد في المرتبتين الثانية والثالثة بالنقاط يلعبان مواجهات السد ليتأهل الأول مع الثاني وفي الدور الثاني تتم الغربلة بنظام خروج المغلوب. في المجموعة الأولى تأهلت البرازيل ورافقتها يوغسلافيا، أما الثانية فقد اكتسح المجر كل من اعترضه في طريقه ألمانيا 8-3 ثم كوريا الجنوبية 9-0 وهو ما أجبر ألمانيا على لعب مقابلة فاصلة مع تركيا فازت بها 7-3 وتأهلت، وفي المجموعة الثالثة تألق حامل اللقب الأورغواي ورافقته النمسا، أما المجموعة الأخيرة فقد شهدت صراعا مريرا بين المنتخبات الأربعة انتهى بتفوق الإنجليز، فيما التأشيرة الثانية تطلبت مباراة فاصلة بين أصحاب الأرض وإيطاليا انتهت لصالح الطرف الأول 4-1. تواصل غيث الأهداف في الدور ربع النهائي الذي شهدت أولى مبارياته أعلى نتيجة في المونديال لحد الآن النمسا 7 سويسرا 5 وفي المباراة الثانية تجاوز الأوروغواي حاجز الإنجليز 4-2 وهي نفس نتيجة مواجهة المجر على حساب البرازيل، رغم غياب بوشكاش، فيما نجحت ألمانيا في تخطي حاجز يوغسلافيا لتقابل جارتها النمسا في الدور الموالي وتسحقها 6-1، أما مواجهة المجر ضد الأوروغواي فقد كانت أكثر شراسة وفيها تكبد حامل اللقب أول خسارة له في النهائيات 4-2 ليكون النهائي أوروبيا بين ألمانيا والمجر اللذين التقيا في الدور الأول وفازت المجر بنتيجة ساحقة 8-3، ولهذا فقد كانت كل الترشيحات تصب لنجم الدورة بوشكاش ومن معه الذين تمكنوا من تسجيل هدفين في أقل من عشر دقائق، لكن الألمان عرفوا كيف يهتدون للتعادل بسرعة ثم تمكنوا من كبح جماح الآلة المجرية، وفي الوقت المناسب (د84) تمكنوا من تسجيل هدف الفوز، ولم تتمكن المجر من الرد عليه نظرا للاستماتة الجرمانية التي سمحت لهم بتحقيق أول تتويج أمام دهشة كل العالم.
البطاقة الفنية للمباراة النهائية (ألمانيا الغربية 3 - المجر 2)4 جويلية 1954 ملعب دورف بيرن، جمهور غفير زهاء 60 ألف متفرج الحكم: لينغ (انجلترا) الأهداف: بوشكاش (د6)، تسيبور (د8) للمجر مير لوك (د10)، راين (د18 + د84) لألمانيا التشكيلتان: ألمانيا الغربية: توريك، بوسيبال، كولماير، إيكل، ليبريتش، راين، ميرلوك، فالتر 1، فالتر 2، شيفر. المدرب: هير بوغر المجر: غروشيش، بوزانسكي، لانتوس، بوجيك، لوران، زاكرياش، تسيبور،=، كوشيش، هيديكوتي، بوشكاش، توث. المدرب: سيبس البطل الأولمبي سقط في اللحظة الحاسمة المجر... ملك بلا تاج دخلت المجر هذه البطولة وهي المرشحة رقم (1) لطلب اللقب في ظل العطاء المتميز الذي كانت تقدمه، وتحقيقها للبطولة الأولمبية قبل الدورة بمدة بسيطة، إضافة إلى النجوم الكبار الذين كانوا يمثلون المنتخب المجري أمثال ناتدرو، هيدجكوتي، بوشكاش وساندور وكوسيس. ولعل ما زاد من ترشيح النقاد لهم فوزهم في عام 1953 على المنتخب الإنجليزي في ويمبلدون، وهي الخسارة الأولى للمنتخب الإنجليزي على هذا الملعب، ولكن عالم الكرة لا يؤمن بالتقدير بل يؤمن بما يدور داخل المستطيل الأخضر خلال ال (90) دقيقة، ولعل من سوء حظ المجريين أن يلتقوا بالمنتخب الألماني رغم أنهم قد سحقوهم في الدور الأول بثمانية أهداف كاملة، لكن في المباراة النهائية والتي تعتبر من أجمل مباريات كأس العالم، استهلها المجريون بهدفين في شاك ألمانيا ولاح في الأفق بزوغ بطل جديد، إلا أن الألمان كان لهم رأي آخر فقد قلبوا النتيجة إلى ثلاثة أهداف مقابل هدفين وسط دهشة الجميع. فازوا على خصم هزمهم بثمانية في الدور الأول الكبرياء الجرماني يرفض الانحناء بعد أن حرم المنتخب الألماني من المشاركة في بطولة كأس عالم الأولى التي نظمت بعد الحرب العالمية الثانية بالبرازيل، وذلك بسبب موقف ألمانيا من الحرب، لم يقطع المدرّب القدير سيب هيربيرغر اتصالاته مع لاعبيه، بل على العكس تماما. فقد واصل عمله كمدرب انتظارا للمونديال القادم الذي استضافته سويسرا عام 1954 وخاض المنتخب الألماني المباراة الأولى ضد البلد المضيف سويسرا، وكانت هذه المباراة فاتحة المهام للكرة الألمانية الجديدة، حيث نجح المنتخب الألماني في الفوز في هذه المباراة التي حضرها ما يقارب ال115 ألف متفرّج بهدفٍ نظيف. ورغم صعوبة المهمة في النهائي أمام المنتخب المجري الكاسح، إلا أن الكبرياء الألماني تمكن من خطف الدورة رغم أنهم قد خسروا في الدور الأول أمام البطل الأولمبي بنتيجة غير مسبوقة 8 - 3. نوستالجيا خضرا بلومي... وأسعد بكاء لم تكن الضغوطات التي تعرض لها المنتخب الوطني قبل مواجهته المونديالية الأولى ضد ألمانيا الاتحادية هينة، فبعد أن أخفق الخضر في العرس القاري الذي سبق المونديال بثلاثة أشهر وتقهقرهم في الكان من مرتبة الوصيف بنهائيات نيجيريا 1980 إلى إنهاء دورة ليبيا 1982 في المركز الرابع وبخسارتين أمام غانا وزامبيا، كانت مواجهة الماكينات الألمانية قد أسرت العقول وهددت القلوب بالتوقف، ففي وقت كان منتخبنا الشاب يستعد لمقابلة العمر أمام بطل أوروبا، كان هذا الأخير يرى في المباراة الأولى أمام الجزائر مجرد تحصيل حاصل، لدرجة أنه يوم قبل المباراة أي في 15 جوان 1982 وفي وقت كان فيه لاعبو الخضر في قمة التركيز والتحضير النفسي لتحضير أي سيناريو للمباراة، كان لاعبو المنتخب الجرماني قد تنقلوا للشاطئ لقضاء يوم استجمامي، على اعتبار أن مباراة الغد في متناولهم وأن أبطال أوروبا سيكتسحون ممثل الكرة الأفرو عربية عاديا، لكن الواقع الميداني كذب مزاعم الألمان وسطعت المواهب الجزائرية، التي بعد أن أنهت المرحلة الأولى بالتعادل السلبي كان عليها التأكيد في الشوط الثاني الذي خاضه الخضر بأعصاب فولاذية، وبعد تسع دقائق فقط تمكن ماجر من افتتاح النتيجة، لكن الألمان سرعان ما أدركوا التعادل، وفي رد فعل مثالي وغير مسبوق، تمكن حامل الكرة الذهبية الإفريقية لخضر بلومي من تسجيل أغلى أهدافه، وهو ما جعله يركض بسرعة البرق على طول الملعب وهو يذرف دموع الفرح، بعد أن فجر فرحة هيستيريا في قلوب مشجعي الخضر وقتها. وعن تلك الفرحة قال بلومي: ”لقد كنت سعيدا جدا لاستعادة أمل هزم العملاق الألماني وفي نفس الوقت بكيت...إنها فعلا أسعد ”بكية” في حياتي...”. البرازيل والمجر تجاوزا كل الخطوط الحمراء قمة كروية أم في الرياضات القتالية ! اشتركت البرازيل بأقوى فرقها في البطولة ولكن قامت الحرب بينها وبين المجر بدايتها كانت في الملعب، ونهايتها في حجرة الملابس! في المباراة المقامة بينهما.. والتي انتظر فيها الجمهور الكثير والكثير من فنون الكرة.. والمتعة.. أحرز (هيديكوتي) أول هدف للمجر لكنه.. فقد تبانه !! إثر تمزيق أحد مدافعي (البرازيل) له.. وقبل نهاية اللقاء بأربع دقائق تحول الملعب إلى حلبة للملاكمة كل اثنين يتلاكمان!! وفي الدقيقة الأخيرة للمباراة سجلت المجر هدفاَ رابعاً؛ لتفوز 4/2 واستمر الشجار داخل حجرة الملابس... ! كوتشيس من نجم في الأولمبياد إلى هداف للمونديال أحدثت المجر في العرس العالمي ببيرن ثورة في عالم الكرة المستديرة باستحداثها لطريقة لعب مكنتها من تطويق كل منافسيها والجمع بين الأداء الباهر والنتائج الثقيلة، وقد سطع نجم هدافها ساندرو كوتشيس الذي سجل (11) هدفا ليحتل المرتبة الأولى في سباق الهدافين، وبدأ كوتشيس لعب كرة القدم في نادي كوبانياي في موسم 1943/1944، وفي الموسم الذي تلاه انتقل إلى نادي فيرينكفاركوش، ولعب معهم لمدة خمسة مواسم، وفي عام 1950 انتقل إلى نادي إيدوسز، ثم انتقل إلى نادي هونفيد في عام 1950، ولعب معهم حتى عام 1957، وفي موسم 1957/1958 انتقل إلى نادي يونغ فيلوس زيورخ. بعدها قامت الثورة المجرية 1956، وانتقل بعدها إلى إسبانيا مثل العديد من زملاؤه بالمنتخب، وقد اختار نادي برشلونة الإسباني، ولعب له منذ عام 1958 وحتى عام 1965، وشارك خلال تلك الفترة في 75 مباراة وسجل 42 هدفا، وأعير في عام 1961 إلى نادي فالنسيا الإسباني. وقد شارك كوتشيس مع منتخب المجر في 68 مباراة وسجل 75 هدفا دوليا، وكان ضمن المنتخب الفائز في الميدالية الأولمبية لكرة القدم في عام 1952. بعد معجزة بيرن بوشكاش: لا يمكن أن يحصل لي أسوأ من هذا النهائي سقط لاعبو المجر أرضا إثر الصدمة التي تكررت معهم في نهائيات كأس العالم 1950 ضد البرازيل. وقال نجم الفريق بوشكاش بعد أعوام من هذه البطولة: ”لا يمكن أن يحصل لي أسوأ ما حصل ذلك اليوم”.” بالفعل كانت هذه المفاجأة من العيار الثقيل وتحوّلت فيما بعد إلى فيلم يحمل اسم ”معجزة بيرن”. وقد أجبر هذا الفيلم المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر على البكاء تأثراً بهذا الحدث العظيم، عندما شاهد أوّل عرضٍ له عام 2003.
أصداء من الدورة أسرع هدف سجل في الدقيقة (2) عن طريق التركي سوات في مرمى ألمانيا. المجر سجلت أعلى نسبة أهداف وبلغت (27) هدفا. بلغ مجموع الأهداف التي سجلت في هذه المسابقة (138) هدفا بمعدل (5.38) أهداف في كل مباراة. حضر المباريات (143000) مشجع بمعدل (36270) مشجعا في كل مباراة وكان نصيب النهائي (60000) مشجع. سُجّل في البطولة 138 هدفاً.. وهو رقم ضخم وقياسي، ولم يتحطم حتى 1990.. والفضل في هذا الرقم يرجع للمارد (المجري) الذي سجل وحده 27 هدفاً!!