القصة عراقية، عربية، إقليمية، دولية، ولم يسقط النقاب عن وجه بعينه، بل سقط عن وجوه وطنيين مزيفين، وعن مدعي كفاءات وقدرات خارقة، وعمن عرقلوا تسليح الجيش العراقي وملأوا الدنيا بتظاهر الرعب مما سيحدث، وسقط عن وجوه الجهلاء وتجار السياسة.. فلم يتعرض بلد لهذا العدد الكبير والخطير من ”المؤامرات”؛ فالمؤامرة كانت حاضرة فعلا في كل فعل حدث حتى أصبح الشك قائما في التصرفات والأفعال العفوية. مع ذلك، سيعود العراق قويا مستقرا شريطة تحجيم دور السياسيين المتآمرين والمتسترين بشعارات هي الأخرى ”تآمرية”. بعد كل تلك الممارسات البوليسية والديكتاتورية التي عاشها العراقيون خلال 35 عاما من حكم صدام حسين، لم يجرؤ خلالها أحد على لفظ كلمة تمس هيكلية الدولة والنظام، خرج بعد التغيير من يستغل ثغرة نظام المحاصصة، الذي ثبت أنه من بين أسوأ النظم السياسية، ليشكك في مفهوم الوحدة الوطنية والمجتمعية، بخطط تحرض على العنف علنا، ولسوء حظ هذه المرحلة من تاريخ العراق يبقى هذا النمط من المخربين بعيدا عن المساءلة القانونية، بسبب الحصانات التي أقرت في حالة جور على الأوطان ولمتطلبات الإرضاء السياسي العقيمة. في الواقع الذي لا هروب منه، كانت المناطق التي سقطت بيد ”الدواعش” تتمتع بدرجة عالية من نظام الحكم اللامركزي، وكان كل أفراد الأجهزة الأمنية من شرطة محلية وأمن من أبناء تلك المدن، وكان رؤساء الوحدات الإدارية منتخبين وليسوا مستوردين أو جرى تصديرهم من محافظات أخرى. وهذا يثبت أن الحكم غير المقيد من النظام اللامركزي يؤمن مناخا للفساد وضعف الأمن، وما المطالب بإضعاف دور المركز إلا شكل من مؤامرات تفكيك هيكلية الدولة، وهذه ليست شهادة تزكية لسلطة المركز، التي عليها المحافظة على سلطة عالية من القيادة والسيطرة. من أين يتدفق آلاف - وربما عشرات آلاف - الأجانب للالتحاق بالمنظمات الإرهابية في سورياوالعراق؟ وأين هو تأثير السياج الحدودي التركي؟ وهل يعقل أن تكون أجهزة الأمن والاستخبارات التركية المركزية والمحلية على هذا المستوى من الغفلة، لا سيما أن الحدود التركية - السورية بقيت ضمن مناطق التحذير الأمني بسبب الصراع المرير مع حزب العمال الكردستاني المدعوم من قبل النظام في سوريا منذ ربع قرن؟ وما هي الإجراءات العقابية التي فرضتها تركيا على ”داعش” والمنظمات الإرهابية الأخرى؟ ولماذا لم تظهر دلائل تنسيق أمني واستخباراتي مثمر مع العراق في مجال مكافحة الإرهاب؟ ولماذا وقفت تركيا إلى جانب إقليم كردستان في تصدير نفطه خلافا لإرادة الحكومة العراقية، بينما لا يزال أكراد تركيا بعيدين عن ممارسة هويتهم الثقافية؟ ومن أين حصل ”الدواعش” على هذه الكميات الضخمة من الأعتدة قبل سقوط الموصل ولم تعلن حالة نقص واحدة في هذا المجال؟ مسألة التعويض عن العتاد خلال الحرب تعد من المسائل الخطيرة، خصوصا أن ”الدواعش” بقوا في حالة حرب مستمرة، ينتقلون من معركة إلى أخرى، فلم يتوقفوا على أي من الجبهات، وهذا يتطلب كميات كبيرة من العتاد على شكل قوافل من السيارات لا يمكن إخفاؤها، ومصادر تجهيز مستمرة وقادرة على الإنتاج والتوريد، وهذا لا يمكن تأمينه من خلال عمليات التهريب أو من غنائم المعارك وما يمكن الاستيلاء عليه. وعندما نراجع تاريخ الحروب كثيرا ما نجد إخفاقات في عمليات تعويض العتاد، وهو ما لم يعلن عنه بالنسبة ”للدواعش”، فمن هي الجهة التي تمكنت من تأمين هذا الجانب رغم شدة المعارك؟ ومن جانب آخر، لم يجرِ تطبيق الاتفاقية الأمنية العراقية - الأميركية، ولم تضرب الطائرات الأميركية طلقة واحدة على ”الدواعش”، إلى أن أوشكت أربيل أن تقع في مرمى نيرانهم، على الرغم من أن العاصمة بغداد الهدف الاستراتيجي الخطير أصبحت هدفا قريبا! وهل يجوز فعلا عدم وجود استراتيجية أميركية للتصدي لخطر ”داعش”، وقد مضى عليه أكثر من عامين على الساحة السورية؟ وألا يضعف هذا ثقة حلفاء أميركا في ما يمكنهم التعويل عليه من إسناد أميركي؟ ولدحر الإرهاب، على العراقيين الحصول على آلاف الدبابات والمدرعات، وتحويل الزائد منها بعد استقرار الأمن إلى مصانع صهر الحديد، والاهتمام بمضاعفة أعداد الهليكوبترات الهجومية وطائرات الهجوم الأرضي، وتعزيز قدرات الاستخبارات وتعليم ضباط أجهزة التحليل فن ”تخيل” الأحداث، وقبل هذا، تعلم فن حب بلادهم.