في نسبة تصويت عالية وصلت إلى 60 في المائة، وفي انتخابات خالية من العنف، دون حوادث أمنية كما أعلنت الداخلية التونسية، انتكست حركة النهضة الإخوانية في تونس وحلت خلف ”نداء تونس” الجبهة صاحبة التراث الوطني البورقيبي التونسي. حسب بعض المؤشرات الأولية، التي أقرّ بها قيادات من حركة النهضة، فإن ”نداء تونس” بقيادة الباجي قايد السبسي حصلت على 85 مقعدا، النهضة 69 مقعدا، الجبهة الشعبية 12 مقعدا، الاتحاد الوطني الحر 17 مقعدا، آفاق تونس 9 مقاعد، فيما توزعت البقية على بقية الأحزاب والتشكيلات. حركة ”نداء تونس” حديثة التكوين، حيث أسست عام 2012 وهي رد فعل على هبوب رياح الإخوان على تونس، بالتزامن مع هبوبها في مصر واليمن وليبيا، وهي مظلة تجمع مكونات الدولة التونسية بصيغتها البورقيبية الوطنية العلمانية. نسخة الإسلاميين التوانسة كانت دوما تقدم بوصفها النسخة الأكثر تطورا وتقدما وجرأة في الاجتهاد والعصرنة، وهي بالفعل تتفوق على مثيلاتها في مصر والأردن، مثلا، ومن يطالع تنظيرات راشد الغنوشي، رمز الحركة، يجد الكثير من الطلعات التأويلية الجريئة. لكن مع هذا كله، ظل الجدار التونسي الحصين عصيّا على الإغراء النهضوي الإخواني، بكل مرونته وسلاسته، ثمة نخبة شديدة الوعي بفكرة الوطنية العلمانية، تملك رؤيتها الخاصة للإسلام والوطنية، محصنة تجاه أي مناورات فكرية وسياسية لجماعات الإسلام السياسي، ومن هنا كانت استعادة التوازن عقب هبوب العاصفة ومن ثم الاحتشاد فالتقدم، وكان ذلك عبر صندوق الانتخابات، وكانت معركة سياسية واضحة المعالم بين فريقين، ومن هنا كان اختفاء حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية برئاسة المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت، والتكتل من أجل العمل والحريات برئاسة بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي، شركاء جماعة النهضة، فقد غاب الحزبان عن المراتب الأولى، وبالكاد حصل كل منهما على مقعدين أو ثلاثة. ”النهضة” لن تزول من المشهد، فقد حلت ثانية، لكنها زالت عن منصة القيادة، وأصبحت جزءا من كل حاكم عليها ومحكومة به. تجربة النهضة السياسية خلال مرحلة ما سمي بالربيع العربي هي الأكثر نضجا وصبرا ومرونة، هذه حقيقة، ربما من أجل ذلك لم تخرج من المشهد بطريقة الطرد والنبذ، بتصويت شعبي هائل ودعم ساطع من الجيش والشرطة، كما جرى مع الجماعة الأم في مصر. مصر حاليا تخوض حربا سافرة ضد جماعة الإخوان، وتعتبر الجماعات الإرهابية في البلاد أجنحة عسكرية للجماعة الأم. تكرّس هذا أكثر بعد إرهابيات سيناء الأخيرة، قتل فيها 30 ضابطا ومجندا بالقوات المسلحة، وأصيب 29 وفجرت سيارات الإسعاف نفسها! مصر غاضبة ومستفزة من هذه الاستباحة، وإدارة الرئيس السيسي تكسب المزيد من الشرعية في المواجهة، والجماعة تزداد عزلة بسبب غضب المصريين منها، ولذلك صدر قانون جديد يتيح للجيش المصري البقاء في الشوارع حتى نهاية 2016 واعتبار الهجوم على منشآت الدولة جريمة ينظرها القضاء العسكري. موج الإخوان الآن ينحسر بصور متعددة في تونس ومصر.. وليبيا.