أقرّ حزب ”النهضة” الإسلامي التونسي بالهزيمة في الانتخابات.. صحيح أن الجماعة لم تفقد كثيرا وبقيت تملك حصة الثلث في البرلمان التونسي، لكنها بالتأكيد لم تربح أصوات ناخبين جدد، بل وتقدمت عليها قوى أخرى غير إسلامية، مما يعني أن قاعدة ”النهضة” الأوسع والتي يعد الدين عمادها قد أصيبت بصدع كبير. لكن إقرار ”النهضة” بما حدث في الانتخابات بقي تكتيكا، ولم ينعكس على نقاشات القاعدة أقله في المشهد الإعلامي المحتضن للحزب أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي عند شرائح إسلامية كثيرة من مناصرين أو كتاب أو متحمسين على امتداد الخارطة التي ينتشر عليها مناصرو الإخوان المسلمين. عبر ”تويتر” و”فيسبوك” بوشرت حملة شرسة من قبل بعض الكتاب والناشطين الإسلاميين سواء عبر المشاركة في أخبار ومقالات أو تعليقات وتغريدات تصب جميعها في خانة تختصر نتيجة الانتخابات التونسية بخلاصة قوامها أن تحالفات ضد النهضة نفذت انقلابا أعاد المنظومة القديمة وأن البلد سُلّمَ إلى حزب علماني قريب من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. طبعا تحتاج القراءة المقابلة إلى شيء من العقلنة والهدوء والتأمل بشكل متوازن بكيفية البناء على التخبط الذي وقع به الإسلام السياسي في الدولة المهد للربيع العربي. يتجاوز المتفكرون في أسباب خسارة ”النهضة” في تحميلهم بعض رموز النظام السابق مسؤولية ما آلت إليه الانتخابات أن الهزيمة التي أصابت الإخوان المسلمين في تونس تحققت عبر مسار انتخابي فعلي وليس عبر انقلاب عسكري كما حدث مع التنظيم الأم في مصر رغم كل المزاج الشعبي المعارض للإخوان هناك. لكن لا شك أن قراءة نتائج انتخابات تونس تحتاج ما هو أبعد من الفرح بتراجع مشروع إسلام إخواني وما هو أعمق بالتأكيد من مجرد تقدم فريق يحمل شعارات علمانية ليبرالية تشوبها بعض التناقضات.. فالانشغال الإعلامي والسياسي وانغماس الرأي العام في المنطقة بأسرها بتحليل الحدث الانتخابي التونسي لا يجب أن يغفل حقيقتين، الأولى أن التجربة العلمانية للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة لا تزال متجذرة في تونس مجتمعا وفكرا وقوانين، والثانية هي أن تونس من البلدان الأكثر تصديرا للمقاتلين مع تنظيم ”داعش”. ترجمت هذا الواقع المتناقض تغريدة نافرة أطلقتها شابة تونسية على حسابها عبر ”تويتر”، إذ وضعت الشابة خريطة لتونس قسمتها إلى نصفين كتبت في النصف الأول الشمالي منها تونس وفي النصف الثاني الجنوبي كتبت ”تونستان” ودعت إلى وضع جدار عازل بين الاثنين. بين هاتين المعادلتين ستقيم التجربة التونسية الجديدة. نعم، تعدّ التغريدة الفظة والنافرة للشابة التونسية جرس إنذار للفائزين في الانتخابات، ذاك أن تونس التي عاقبت الإسلاميين هي نفسها التي أرسلتهم إلى ”داعش”. تكرار تجربة الإقصاء التي مارسها الإخوان المسلمون سيعني تكراراً للعقاب الذي تعرف تونس أن تمارسه بحق كل من يحاول أن يقصي شرائح منها.. الحاجة لإنضاج الخيار البورقيبي وتكييفه مع معطيات الزمن يحتاج إلى حكمة في الممارسة وإلى تبصر بالتجربة.