محمد الشيخ بن محمد ولد مخيطير هو الصحفي الموريتاني الذي حكمت عليه محكمة نواديبو بالإعدام لاتهامه بالردة، ودعت إلى تطبيق الحد عليه بسبب مقال نشر في جانفي الماضي لأنه مثلما ادعت المحكمة تكلم عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بشيء من التهكم. وفي قراءة للمقال الذي يتعرض فيه الصحفي إلى حوادث متشابهة اتخذ منها الرسول (صلى الله عليه وسلم) مواقف متناقضة، واستند في ذلك إلى مراجع الرواة وكتبهم. لا شيئ يدل على أن الرجل كفر أو تنكر للإسلام أو شكك في رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقط لأنه قال أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تعامل مع بني قريضة ليس كمعاملته مع أهله من بني قريش مع أن كلاهما حارباه... ولست هنا لأعيد نشر المقال الموجود على المواقع الإعلامية ولكن لفضح هذه الانفصامية التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي، الذي لا يحرك ساكنا أمام جرائم داعش وما تمارسه من هتك لأعراض المسلمات والفوضى التي ألحقوها بالبلدان العربية، ومع ذلك لا يجرؤ أحد ممن يسمون أنفسهم بعلماء الإسلام على تكفيرها، حتى أن الأزهر نفسه رفض على لسان أحد شيوخه تكفير داعش قائلا إنه لا يجوز تكفير مسلم مهما بلغت أخطاؤه. وقبلها رفض القرضاوي الذي ألهبت فتاواه الشارع العربي ودعا إلى قتل القذافي ويتحمل هو ذنب قاتله على رقبته، أن يكفّر هذا التنظيم الذي كفر ليس فقط بالإنسانية بل بتعاليم الإسلام نفسه وألحق به كل الأذى. محمد الشيخ وكمال داود، فرج فودة وكاتب ياسين ونجيب محفوظ وطه حسين ومحمد أركون، كلها أسماء حرقتها الفتاوى. ومنهم من طبق عليه الحد مثل فودة ومنهم من وقف التكفير حاجزا بين أفكارهم ومنع البعض من الوصول إليها. والقائمة طويلة، فجل العلماء المسلمين الذي تتفاخر الكتب المدرسية وتقول إن الإسلام تعزز بهم وتعدد اكتشافاتهم وأعمالهم، انتهوا على المقصلة، وكفّروا مثل ابن رشد الذي حرقت كتبه وطرد من الأندلس إلى المغرب ومات فقيرا معدما، وابن سينا والفارابي والسهروردي وغيرهم ممن كنت تقطع رؤوسهم بعد صلاة العيد تقربا لله. المصيبة إذاً ليست بالجديدة، فتاريخنا كله أنهار من الدم، ويبدو أن آلة التكفير وتهمة الإلحاد والردة والدعوة إلى هدر الدماء زاد نشاطها هذه الأيام، بعد أن صار انتشار الأفكار في متناول الجميع ولم يعد مقص الرقابة يمنع النشر أو التوزيع أو البث بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية. فتجار الدين اليوم يخافون من أن تكسد سلعتهم ويحرمون من وسيلة التحكم في الجماهير وقيادتها مثل القطعان، وسارعت باستعمال سلاح التكفير لنشر الرعب في النفوس ولمنع النور من الوصول إلى العقول. ولن تكفر داعش لأنها تساعدها على الإبقاء على سيطرتها على ذوي النفوس الضعيفة وعلى بسط نفوذها بتشجيع نشر صور مجازرها. لم تكفر محكمة نواديبو الضالعين في الفساد ومن امتصوا دماء الموريتانيين، ولم تكفر الذين يستعبدون جزءا من سكانها لا لشيء إلا لأنهم سود مع أن الإسلام منع الرق وحرر العبيد. ولم يكفر حمداش اللصوص الذين نهبوا أموال الجزائريين وهرّبوا الملايير إلى بلدان أخرى وأفقروا الجزائريين وكسروا مؤسسات البلاد، فقط كفر كمال داود لأنه تجرأ وانتقد الحكام ولأنه قال إنه جزائري وطرح نقاشا حول الهوية. كلهم داعش وكلنا على شفا حفرة من النار، يكفرنا تجار الدين أو تكفرنا مظاهر الفساد والظلم والحڤرة والمحسوبية. محمد الشيخ موعود بتطبيق الحد وقد ينتهي في حبل المشنقة إذا لم يهب أحرار العالم إلى نصرته. وداود صار ترديد اسمه في الأوساط المعربة جريمة قد تؤدي إلى التكفير. وفي السعودية محكوم بالحد على مدوّن. وفي قطر سجن شاعر. وفي تونس قتل مناضلون من أجل الحرية. وفي المغرب محكوم على أستاذة فلسفة باسجن لأنها كتبت كلاما ونشرت صورا على الفايس بوك تتهمها بالإلحاد... وهكذا هو حال العالم الإسلامي، موعود بالمزيد من الدماء منذ 14 قرنا!!