احتلت الذكرى ال100 للمجازر التي اقترفها العثمانيون في حق الأرمن سنة 1915، كل وسائل الإعلام، التي راحت تتباكى على ضحايا المجازر البشعة. واجتمع أحفاد الضحايا في عواصم العالم وأشعلوا شموعا على أرواح الأجداد وجددوا القسم بألا ينسوا ما لحقهم على أيدي أجداد أردوغان. في مصر مثلما في لبنان وفي العراق وفي عواصم الغرب، تذكر الجميع بشاعة القتل والتجويع والاغتصاب، فهذه تحكي كيف أن أخوات جدتها رمين بأنفسهن في الفرات حتى لا يقعن أسيرات ويغتصبن، وهذه تحكي كيف تحولت جدتها الأرمينية من ديانتها المسيحية لتعتنق الإسلام حفاظا على حياتها. قصص تدمي القلب، وتقلب جزءا من مواجع الإنسانية، ويقف العالم المنافق ناكرا للمجازر المقترفة في حق الإنسانية، نفس العالم الذي يغض البصر اليوم على ما يحدث في اليمن، وفي سوريا وفي العراق. مأساة العراق الذي ما زال أرمنه وأيزيديوه ومسيحيوه مثلما مسلميه هناك يدفعون ثمن كل الحماقات، باسم الدين أحيانا، وباسم الديمقراطية أحيانا أخرى. نعم مجازر رهيبة تلك التي تخزنها الصور المهربة من بلاد الأرمن وتركيا، والتي تخزنها ذاكرة أحفاد هذا الشعب الذي عاش تجربة فظيعة حاولت أن تجتث جذوره وتمحو هويته، لكنها ليست أكثر بشاعة من كل المجازر الأخرى المقترفة في المستعمرات الإفريقية بيد فرنسا الاستعمارية. تحدث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس، وهو يدين هذه المجازر، ويطالب الأتراك بالاعتراف بما اقترفه أجدادهم، ونسي هولاند أن أجداده اقترفوا ما هو أبشع من المجازر التي استهدفت الأرمن، 132 سنة من الاستعمار في بلادنا حاول خلالها أجداد هولاند إبادة شعب بكامله، اغتصبوا أرضه وحاولوا طمس هويته وحرقوا قرى ومداشر بكاملها وجربوا كل أنواع الأسلحة المحرمة في حربهم ضد الثوار الجزائريين. ونفس المآسي ألحقت بشعوب أخرى في كاليدونيا الجديدة ومدغشقر والمستعمرات الأخرى، وما زالت هذه البلدان تعيش الويلات، إذ ما زالت تدفع ضريبة للمستعمر، وما زالت فرنسا تدبر الانقلابات وتحرم هذه البلدان من الاستقرار الأمني والاقتصادي، ما زالت تمتص ثرواتها وتمنع عن شعوبها الأمن والأمل. هل اعترفت فرنسا والبلدان الاستعمارية الأخرى بجرائمها في الجزائر والفيتنام ومدغشقر وتونس والكونغو وكل من ذاق الأذى بأيدي دعاة الحضارة والحرية حتى يتشدق رئيسها اليوم ويدين المجازر المرتكبة في حق الأرمن؟ نعم، فظيع هذا الإرث العثماني الذي ما زال عالقا في رقبة الدولة التركية، ومن حق الأرمن أن يطالبوا تركيا بالاعتراف والاعتذار وحتى التعويض، مثلما أجبرت ألمانيا على دفع دين النازية لليهود، لكن ليس هولاند أو أي رئيس أوروبي آخر من حقه أن ينصب نفسه وصيا ومحاميا على الأرمن. حاربوا النظام التركي وأردوغان سفاح سوريا كيفما شئتم، لكن ليس باستغلال مآسي الأرمن، فأيديكم ملطخة بدماء الملايين من المغتصبين والمشردين والقتلى، ولا يحق لكم إدانة هذه الجرائم فقد اقترف أجدادكم جرائم أبشع منها؟!