يا لهذا الزمن، صار أردوغان جزائريا أكثر من نواب البرلمان الجزائري، الذين تنكروا لحقوقنا التاريخية ولم يتمكنوا حتى من استصدار قانون يدين جرائم الاستعمار الفرنسي في بلادنا، يجبر فرنسا على الاعتراف والاعتذار... للمرة الثانية، يلجأ رئيس الحكومة التركية لاستعمال جرح الجزائر في “حربه” الدبلوماسية ضد فرنسا ساركوزي، بعد أن تقهقرت أول أمس العلاقة بين بلاده وفرنسا إلى نقطة الصفر، إثر مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون يجرم إنكار تركيا اقترافها لجرائم ضد الأرمن سنة 1915.. القضية التي كانت فرنسا تطرحها كل مرة لتسد بها الطريق أمام انضمام تركيا إلى المجموعة الأوروبية، في وقت نتبارى فيه هنا على من يقترب أكثر من فرنسا، ومن أيام فقط جمع رئيس جمعية الصداقة الفرنسية الجزائرية، جان بيار شوفانمان، مجموعة من “أتباعه” هنا، في جلسة حميمية بباريس تبحث كيفية الحفاظ على بسط يد فرنسا على الجزائر.. الجزائر التي مازالت حتى الساعة تتدخل في تعيين مسؤولين ووزراء بها .. ليس والد ساركوزي فقط الذي لديه ما يقول حول الجرائم التي اقترفها في الجزائر عندما كان مجندا في اللفيف الأجنبي هنا في الجزائر سنة 1940 مثلما ذكّره بذلك أردوغان أمس، لأن حتى الرئيس الفرنسي الراحل، فرانسوا ميتيران، كان لديه ما يقول، ولديه يد هو الآخر في المجازر المقترفة ضد الآلاف من الجزائريين، تماما مثلما كان لوبان يعذب الجزائريين في فيلا سوزيني بأعالي العاصمة. لكن اليوم ذاكرتنا ضعيفة، أكلها النسيان، بعد أن صرنا “نتبول” (معذرة للقارئ) كل مرة على حوادث التاريخ، وصار بعضنا يكفر بملة جويلية ونوفمبر، وصار الوطنيون يخجلون من أنفسهم في هذا الزمن الرديء، بعد أن نصب منتفعون ومنافقون ومداحون أنفسهم حراس صرح الوطنية. ففي الوقت الذي انتفض أردوغان ضد مكر ساركوزي، الذي استعمل قضية المصادقة على قانون تجريم ما اقترفته تركيا ضد الأرمن منذ قرن مضى، ليس حبا في الأرمن ولا في أي جنس آخر، وإنما ليصوت له نصف مليون فرنسي من أصول أرمينية في الرئاسيات المقبلة وهو الذي وجد شعبيته تتراجع في كل عمليات سبر الآراء، حيث تقول عمليات سبر آراء أخرى إن ستة فرنسيين من عشرة يعيشون في رعب وخوف من تبعات الأزمة، وإن الشعب الفرنسي صار حزينا في السنوات الأخيرة. كل هذا حدث في عهد ساركوزي، الذي يريد اليوم التغطية على فترة حكمه الكارثية بتجريم تركيا، بعدما قتل القذافي وأحرق ليبيا.. أعرف أن أردوغان لا يعنيه ما لحق بالجزائريين من مجازر على يد الاستعمار الفرنسي، الجزائر التي سلمها سلفه داي الجزائرلفرنسا لقمة صائغة، وهو الذي رفض الإنصات لقادة جيشه عندما قالوا له إنهم بإمكانهم التصدي للقوات الفرنسية في عرض البحر ومنعها من دخول الجزائر واحتلالها، وترك الجيوش الفرنسية تدخل الجزائر من غير مقاومة حقيقية باستثناء مقاومة محدودة، وإنما فعل هذا ليضرب ساركوزي بسلاحه، ساركوزي الذي يقف متناقضا مع نفسه ويقول إنه يجب ترك العلاقة التاريخية بين فرنساوالجزائر للمؤرخين، فهو من جيل لم يشارك في الحرب على الجزائر، بينما يقف من جهة أخرى مدافعا عن الأرمن مع أن مجازر الأرمن سبقت مجازر ماي 1945 بقرابة ثلاثين سنة.