بعد أكثر من 33 عامًا، دعوني (لطفًا) أن أقر لكم بأن العراق قد مني في عمليات دزفول - الشوش، وعمليات عبور القوات الإيرانية لنهر الكارون، وإجبار القوات العراقية على الانسحاب إلى خط الحدود، بهزيمتين شنيعتين، بينما كانت تقارير الاستخبارات قد أعطت صورة مسبقة (دقيقة للغاية) عن النيات والقوات والخطط الإيرانية. مع ذلك، حقق الإيرانيون نصرًا ساحقًا في هاتين العمليتين الكبيرتين، وقد أعدم صدام عددًا من كبار القادة في حينه. غير أن الجبهة الداخلية بقيت متماسكة، لمجموعة عوامل؛ منها قوة النظام والاستبداد والشعور العام، ولم يتمكن أحد من السياسيين من التصريح بكلمة واحدة لا تأييدًا ولا معارضة. ومن عاش تلك الظروف الصعبة لا يمكن أن تهتز أمامه صورة العراق أمام مجموعات مسلحة وفئات سياسية ضالة ومجموعات حرامية من بعض المسؤولين، ولكن. حقيقة الحال، لم تعد الحرب بين العراق و”داعش”، الذي تعددت ذيوله بشكل مثير ويلعبون على المكشوف، فالحرب أخذت أبعادًا أخرى خطيرة. والذين ركبوا موجة التمهيد لدخول ”داعش” إلى الفلوجة قبل 17 شهرًا، وإلى الموصل وتكريت وأطراف بغداد قبل 11 شهرًا، عادوا مرة أخرى بثوب جديد تحت لواء التصدي للإرهاب، وهو لواء رديف ل”داعش”، أو يمثل صفحة أخرى من صفحات الحرب، وتستقبلهم واشنطن بصفة وأخرى! والذين غدروا بالمناطق المبتلاة باحتلال ”داعش”، لا يزالون يحظون بدعم محلي وتسهيلات من رئاسة إقليم كردستان، ويتنقلون بين العواصم بجوازات سفر عراقية وغير عراقية، بينما صدرت أحكام إعدام بعشرات أو مئات من رفاقهم في مصر، والمؤسسات العراقية مغلولة اليدين إلى درجة تدعو إلى الأسى. وفي حالة لا مثيل لها في كل دول العالم، يتمتع ”داعش” بمؤيدين بواجهات مختلفة وبطرق متعددة، لا تقل خطورة عن مجموعاته القتالية، ومنهم نواب في البرلمان أجادوا استخدام الإعلام لشن حرب نفسية على القوات المشتركة وفلسفة العلاقة بين فروعها، ونجحوا فعلاً في إحداث صدمة غيرت معادلات نصر كبير إلى حالة مهارشة وانكفاء في حالات أخرى. وتتلاحم العلاقات بين ذيول ”داعش” وتأخذ أبعادًا فنية ليغطي بعضهم نشاطات وخطايا ومخالفات الآخر. ومن بين أعضاء الحكومة والبرلمان وبعض الوزارات السيادية يجري تقديم التسهيلات بشكل مفضوح ومثير، لتصل في المحصلة إلى صوب ”داعش”. وبينما يواصل رئيس إقليم كردستان جهوده للتسويق للانفصال عن العراق، رغم تعقيدات الحدود وغيرها من المعضلات، تعمل أطراف أخرى تحمل هوية عرب العراق على بدء المراحل الأولى لتكوين مطالب الانفصال، ابتداءً بمطلب أقاليم إدارية، ثم يجري التوسع بالمطالب لتكوين حرس خاص بكل منطقة، وهكذا يتفتت العراق ويجري إفراغ حمم حروب ستمتد لعشرات السنين، وإلا ما الفرق بين المحافظة والإقليم الإداري؟ ففي الحالتين، الحرامية يعبثون بالموازنات تحت عين الرقيب وبغياب الحساب بسبب المعادلات السياسية وشراكة النهب العام، عدا بعض الذين كتب الله لهم النزاهة على قلتهم. فمن يحسد من؟ المنطقة الرخوة في العراق ليست أرضا بمفهومها المجرد، بل هي فلسفة نظام حكم فاشلة بنيت وفق دستور يمكن تحريفه وتصريفه، فالحكم مقيد بما يسمى اتفاقات الشراكة واتفاقات تشكيل الحكومة، وكأن المتحدثين لم يخالفوا أهم نصوص الكتب السماوية، خصوصًا في المال الحرام، واستغلال المواقع على حساب لقمة عيش الفقراء ودواء المرضى وحاجات المعوزين. المنطقة الرخوة تتمثل بتآمر الأقربين بعضهم على بعض من أجل القفز إلى موقع أعلى، فضعفت قدرة أصحاب القرار على اتخاذ القرارات الحاسمة في وقت الحرب، التي يتوقف النجاح فيها على القرارات الحاسمة في الوقت والمكان اللذين يتطلبان اتخاذ قرارات الردع. وإذا ما اتخذ القائد المعني قرارات الردع يشهر عليه سيف الاعتراض المراد له الإسهام في تقسيم كعكة العراق المحرم طعمها على الفقراء، الذين لهم حصة الفقر ولغيرهم ثروات العراق، لكن الله ذو انتقام على أمل أن يطبق الانتقام في الدنيا ليكونوا عبرة للناس. غير أن من حق ”داعش” أن يحسدوا العراق على وجود ملايين العراقيين من المصممين على الدفاع عن بلدهم وتحقيق النصر وإعادة توحيد بلدهم وفرض هيبته ولو بعد حين، وللأمهات العراقيات فضل عظيم على بلدهن، فلولا شحنهن المعنوي لأبنائهن ما بقي العراق، غير أن المؤسسات العراقية لم تصل إلى مستوى تكريم الأمهات. وفيق السامرائي – عن الشرق الأوسط