لم يعلق حزب الله مباشرة على الحكم المخفف الذي يحاكي البراءة بحق الوزير ميشال سماحة، واكتفى بمعزوفة أنه يحترم قرار القضاء. فالحزب يتصرف وكأنه غير معني بالفضيحة التي هزت لبنان الأسبوع الماضي. وهي فضيحة فعلا، فقد حكم القضاء العسكري بسجن سماحة 4 سنوات ونصف فقط تنتهي عمليا بعد 7 أشهر في القضية الشهيرة التي اعترف فيها سماحة بتورطه بنقل متفجرات وأسلحة من سوريا إلى لبنان لتنفيذ اغتيالات وتفجيرات.. نعم، لم يشعر حزب الله ولا قوى الممانعة بأنهم معنيون بأي توضيح حيال تورط حليفهم، بل حلفائهم، بجرائم في لبنان، وحاولوا تمويه الأمر بتضخيم دعائي لانتصارات وهمية إعلامية في جبهة القلمون السورية. لكن الجريمة التي كان سماحة بصددها أقوى، ومصدر القوة فيديوهات مسربة تظهر بوضوح تورط سماحة المباشر في التخطيط لعمليات قتل وتفجير بتنسيق وبإشراف من الرئيس السوري بشار الأسد والمسؤول الأمني علي المملوك. الصمت على هكذا حقائق والنفخ في صور لتلال بعيدة من منطقة القلمون السورية، حيث يقاتل حزب الله، هو فضيحة موصوفة للحزب. فهذه المرة ليست كسابقاتها، إذ جهد الحزب ومحيطه للتغطية على فيديوهات سماحة بتضخيم تقدم ما للحزب في القلمون وفي حبك قصص وسيناريوهات حول المعارك هناك، واصطحاب صحافيين وافتعال عراضات إعلامية تهلل لنصر مبين.. لكن كل الإعلام المحتفي بمعارك الحزب في القلمون بدا عاجزا عن مضاهاة فيديوهات سماحة وما كشفته. إنه ميشال سماحة، عميد ممانعي لبنان وخطيبهم المفوه. أن نشاهده بالصوت والصورة يكرر مرات عدة معرفة بشار الأسد وعلي المملوك بتفجيرات واغتيالات في لبنان، وأن يمر ذلك بردا وسلاما على حزب الله الذي يقاتل ويودي بشبان لبنانيين دفاعا عنه، فذلك لا يبدو شأنا يريد الحزب أن يسأل عنه فيهرب إلى فقاعات إعلامية في القلمون. حاول إعلام حزب الله والممانعة اللبنانية التهوين من حكم القضاء العسكري اللبناني، والقول إن هناك شخصيات من الطرف السياسي الخصم تهاون القضاء العسكري في الأحكام ضدها. غريب فعلا أن هناك من لا يزال مؤمنا ومقتنعا بأن على اللبنانيين أن يقبلوا رغم كل ما كشف بأن قادة مثل هؤلاء يجب أن يحكمونا ويبرر جرائمهم.. وميشال سماحة حين كان وزيرا في لبنان لسنوات كان ممثلا للنظام في سوريا، بل هو اعتمد مفاوضا باسم النظام مع عواصم أوروبية، وهو حين حمل المتفجرات فهو فعل ذلك باسم النظام السوري.. لكن يبدو أنه في عرف حزب الله أن تلك الاعترافات تكسب ما كان سيقدم عليه سماحة شرعية، بل إنها ممارسات مقبولة. لبنان منتهك تماما كما أن سوريا منتهكة. حزب الله لا يبالي بهذا الانتهاك، بل هو شريك فيه، ومقولة إنه يقاتل في سوريا ليحمي اللبنانيين سقطت عشرات المرات، لكنها حين ينظر إليها من زاوية ما ارتكب سماحة والنظام السوري تبدو على حقيقتها، أي أنها جزء من منظومة مذهبية إقليمية.. فها نحن نلمس مرة تلو الأخرى كيف أن نفوذ إيرانوسوريا عبر حزب الله أو عبر شخصيات غيره عنى قتل لبنانيين آخرين وانتهاك بلدنا. ليس هناك ما هو أوضح من جريمة ميشال سماحة والحقائق التي أعلنها بنفسه دون أن يدرك، أما انتصارات القلمون فتلك أوهام ما عادت تنطلي على أحد.