لم يكن مسجد باريس الكبير يوما مؤسسة عادية تخضع كغيرها من المؤسسات لأدنى مقاييس المنطق وأبسط درجات التسيير السديد المحترف أو تمثل القيم الوطنية أو تحقق الغايات التي أرصدت إليها. وكان العميد الأول لمسجد باريس، السيد بن غبريت، المعروف بعدائه لرائد حزب الشعب الجزائري، مصالي الحاج، لا يدخر جهداً لمحاربة كل من كان يتبنى أطروحات وشعارات الحركة الوطنية. ولما انتقل بن غبريت إلى الرفيق الأعلى، عيّن رئيس وزراء الحكومة الفرنسية آنذاك السيد غي موليه (Guy Mollet) حمزة أبو بكر بحجة أن حمزة أبو بكر كان من المنخرطين في الفرع الفرنسي للأممية الاشتراكية والتي كانت ترفع لواء البغض والكراهية لكل من يتضامن مع العروبة والإسلام. وكان غي موليه يغالي في حقده على مناضلي جبهة التحرير والتاريخ يشهد أن الثوار لقوا في عهد هذا الاشتراكي من الأذى والتعذيب والقتل والتشريد ما كان لا يكاد يطاق. فسرعان ما أظهر العميد الجديد حمزة أبو بكر عداءً أشنع للحركة الوطنية جاعلاً من مسجد باريس ذريعة لعرقلة المشروع الاستقلالي الجزائري وتعنّت في طلب فصل الصحراء عن باقي القطر بغية الفوز بولايتها تحت السلطة الفرنسية. أما ابنه وهو العميد الحالي، دليل أبو بكر، والبالغ من العمر 75 سنة، كسب شهرة ملوّثة بتبنيه الأطروحات الصهيونية وبالتعاطف مع قضايا ومصالح إسرائيل متناسيا مصالح الجالية المسلمة التي يئست منه ومتجاهلا أن هذه المواقف عبارة عن طعن في السيادة الوطنية. فإن مراعات وحراسة المصالح الاستعمارية وعدم التفطن أو إهمال مآرب ومتطلبات الجالية الجزائرية المسلمة، هذا عمل ليس ببعيد عن ”الخيانة” وقد يرقى إليها. وكي لا نُنعت بالكذب والافتراء وعدم الانصاف، فلنذكر المواقف التي اتخذها السيد دليل أبو بكر في السنوات الأخيرة. فقد صرّح عميد مسجد باريس إباّن العدوان الإسرائيلي على غزة الملّقب بالرصاص المصبوب أن الكيان الصهيوني كان يتعرض لعمليات ”إرهابية” واعتبر أن دولة إسرائيل في حالة دفاع شرعي عن النفس بينما كان يهود أوروبيون ينتقدون هذه الحملة الشرسة التي ذهب ضحيتها العديد من الأطفال الأبرياء والنساء والشيوخ الذين لم يحسب لهم دليل أبو بكر بالاً وحساباً. نصّب دليل أبو بكر نفسه محامياً يشد أزر الكيان الصهيوني المجرم متأثراً خطى الدعاة المتعصبين للصهيونية العالمية. وبقي دليل أبو بكر يحذو حذو المتآمرين على الإسلام والمسلمين المسالمين ويتبنى منهج الحاقدين على الجزائريين حيث كشفت الصحافة الفرنسية مؤخراً على الدعم الذي يقدّمه عميد مسجد باريس لكرستيان استروزي، رئيس مجلس بلدية نيس (Nice). ومن التصريحات والأعمال البطولية التي تفضل بها السيد استروزي الادعاء أن ”كل مسلم ارهابي بالطبع” ورفض استروزي منح الإجازات والتسهيلات لبناء مسجد في المدينة التي تولى تسيير شؤونها. استفز دليل أبو بكر أخيراً الرأي العام الفرنسي بتصريح بث عبر الهواء في الإذاعة المعروفة باسم ”أوروبا 1” (Europe 1) طالباً فيه أن تسخّر الكنائس المهجور ة من المتدينين المسحيين بحيث يتم تحويلها إلى مساجد. وأيقظ العميد بهذا الاقتراح نيران كراهية الإسلام وأعاد إلى الأذهان أسطورة الزحف والغزو الإسلامي ومنحها مصداقية لكل من كان يكن العداوة والبغضاء للعرب والمسلمين. ورغم أن دليل أبو بكر قد بلغ سن التقاعد إلا أنه ما زال يطمح في عهدة آخرى ورغبته الوحيدة هي الحفاظ على منصبه مهما كلّف الأمر وذلك رغم عهدٍ اتّسم بسوء التسيير والفوضى وإسناد المناصب والمهام لغير أهلها والسماح للموظفين والمتعاونين معه بتحويل مسجد باريس إلى ملهى يعبثون فيه بالدين والقيم والوطنية والناس. فانحل عنهم لجام الروادع وانهمكوا في الشهوات انهماك الأنعام كما يقول أحد أئمة الاسلام، أبو حامد الغزالي. وفي مقدمة أولائك الذين تربّعوا على عرش الفساد ورفعوا لواء السحت والرذيلة، محمد الونوغي الذي نُصّب مديراً للإدارة العامة لمسجد باريس الكبير ومفتش الأئمة على الرغم من افتقاره لأدنى تكوين يؤهله لمهامه وكما صرّح بذالك النائب السيّد حسن عريبي في سؤال وجهه لوزير الشؤون الخارجية السيّد لعمامرة خلال ندوة برلمانية فحواه أن مفتش الأئمة يعبث بالدين ويسب الأئمة ويرتكب الفواحش داخل حرم المسجد. وأكّد أحد الأئمة الذي تعرّض لاعتداء ارتكبه في حقه محمد الونوغي صحة هذه الأخبار وأضاف أنه كان من دأب الونوغي أن يقترح على بعض الأئمة تعيّينهم في مسجدهم المفضّل مقابل دفع مبلغ 5000 يورو. وأصدر الونوغي هذا العام قرار عدم فتح مطعم مسجد باريس الذي يقدّم الأكل للفقراء والمحرومين وتم ذلك في شهر رمضان الكريم بينما تقوم الجمعيات الخيرية الأوروبية بإطعام المسلم وغير المسلم، الفقير والمغلوب على أمره. وهذا يثير الحيرة والسؤال الذي يدور في أذهان الكثير: هل تجرّد محمد الونوغي من الوطنية، من الدين وحتى من الاإسانية ليحرم البؤساء نصيبهم من الرحمة خاصة وأن التبرعات التي تدفقت هذا العام لا مثيل لها في تاريخ مسجد باريس. ولم يقف محمد الونوغي عند هذا الحد بل تجاوزه. قام في يوم من الأيام بالاعتداء ضربا على امرأة كانت تجادله في قراراته التعسفية وقد رفعت هذه السيدة شكوى أمام العدالة الفرنسية ضد ”فرعون مسجد باريس” كما لُّقب. وجعل الونوغي من ميزانية مسجد باريس حساباً خاصاً له يتصرف فيها حسب أهوائه بدون حسيب ولا رقيب بدعوى أن الجمعية المسيرة لمسجد باريس فرنسية. ولماّ تعرض لتوبيخ الناس على صداقته الحميمة مع امرأة مغربية معروفة بعلاقاتها الوطيدة مع جهاز المخبرات المغربية وظفها الونوغي كمستشارة لعميد مسجد باريس، قال بلهجةٍ عنيفةٍ غليظة: ”إن كنتم قادرين على ذلك فأزيحوني من منصبي”. ووصل به الأمر إلى تأسيس شركة باسم هذه المرأة التي تدعى ”سميرة مولينا” على حساب مسجد باريس والمسلمين في فرنسا. ولا يسعنا أن نختم هذا المقال بدون سرد الفضائح التي يرتكبها يومياً السيد جلول الصديقي الذي نصّب نفسه مديراً لمعهد الغزالي لتكوين الأئمة والمرشدين التابع لمسجد باريس. من بين الافتراءات التي يبثها فوزه بشهادة الدكتوراه تارة في علم الاجتماع وتارة آخرى في علم الأنتروبولوجيا ويدّاعي تارة أنه حاز بها من جامعة السربون وتارة آخرى من جامعة ننتبر(Nanterre). وبعد البحث والتنقيب لم نجد لهذه الشهادة اثراً يفيد أن السيد الصديقي لم يفز في يومٍ من الأيام بالدكتوراه وأن ليس في جعبته ما يؤهله لإدارة معهد الغزالي إلا أنه ينتمي إلى عائلة العميد وهذا النسب هو الذي يفسر تعيينه مدير معهد الغزالي منذ 18 سنة. ورغم فقدانه لأبسط المؤهلات العلمية والدينية، نراه يفرض أن لا تكون أيّام الدراسة إلا في أيام العطلة الأسبوعية أي السبت والأحد وهذا غير معقول. ولا يعطي السيد الصديقي الأساتذة إلا رواتب ضعيفة لا تكفي لسد رمقهم حتى يبقى الأستاذ رهين عنده لا يستطيع التحرك. وفي الواقع فإن مصلحة التعليم والثقافة الأصلية هي التي تدفع للأساتذة رواتبهم بداية من شهر نوفمبر إلى غاية شهر جوان فقط بينما يحرمون من مرتبات أشهر جويلية واوت وسبتمبر واكتوبر وهم أيضاً محرومون من التصريح بهم لدى الضمان الاجتماعي والتقاعد وهم في حالة عمل غير شرعية. وسمحت هذه الظروف لمدير معهد الغزالي أن يختلس مبالغ من الأموال لا تكاد تعد ولا تحصى منها مباغ 80 مليون اختلسها من الضريبة التي تدفعها المؤسسات لتزكية اللحم ومسجد باريس هو الذي يمنح هذه التزكية وبفضل هذا التهريب، استطاع السيد الصديقي شراء قصراً ما زال يسكنه في ضواحي العاصمة الفرنسية وتجرأ أخيراً على الاستيلاء على حاصل المال الذي دفعه طلبة معهد الغزالي التسجيل والذي لا يقل على 100 ألف يورو. حان الوقت أن تتدخل السلطات الجزائرية وفي مقدمتها وزارة الشؤون الدينية لإنهاء هذه المهزلة وهذه التصرفات التي تشوه سمعة الجزائر وتلحق الأضرار الجسيمة لمصالح الوطن والدين ومحاسبة كل من تورط في نهب الأموال وتهريبها واستغلال منصبه لخدمة مصالح صهيونية واجنبية.